This post is also available in: English
في بلدة سويدان جزيرة الواقعة في منتصف ريف ديرالزور الشرقي (جزيرة) أي على الضفة الشمالية لنهر الفرات والتي سيطرت عليها قوات قسد منتصف الشهر الأخير من العام الماضي 2017 يسكن أكثر من 30 ألف نسمة بعد عودتهم من رحلة النزوح إلى بادية سويدان جراء المعارك بين قسد و داعش التي استمرت لأكثر من شهر، أبو سعد أحد أبناء البلدة يقول :
” العودة إلى منزلي بعد شهرين من النزوح إلى البادية والعيش مع عائلتي ضمن خيمة محاكة على اليدين من الحصائر و بعض الأقمشة كانت مثل عودة الروح إلى الجسد ” بهذه الجملة استفتح الرجل ذو الثلاثة والستون عاماً كلامه عندما حدثنا عن واقع البلدة الجديد بعد سيطرة قوات قسد على المنطقة وأضاف: ” بعد التجربة المريرة التي خضناها في المخيم العشوائي في البادية أثناء الاقتتال بين ” قسد ” و ” داعش ” و ما سبقها من سنوات ضنك عشناها في ظل قسوة و ظلم داعش، جعلت عودتنا إلى منازلنا كدخول الجنة، صحيح أن الحياة هنا لاتخلو من الصعوبات لكن الله كريم و نحمد الله على خلاصنا من جحيم داعش، ستفرج بإذن الله “.
عادت الحياة تدريجياً منذ بداية العام الحالي 2018 إلى قرى وبلدات الضفة الشمالية لنهر الفرات ( الجزيرة ) بعد انسحاب تنظيم داعش و سيطرة قوات قسد عليها . ما إن بسطت “قسد” سيطرتها على المنطقة ، حتى همّ معظم أهالي المنطقة بالعودة إلى بلداتهم و قراهم بعدما ذاقوا مرارة النزوح في البراري و صعوبة المعيشة مع ارتفاع آجارات المنازل الكبير في المناطق التي نزح إليها بعض الأهالي كمدينة الباب و اعزاز بريف حلب الشمالي.
يقول أبو منذر “51 سنة” من أهالي بلدة البصيرة بريف ديرالزور الشرقي والعائد حديثاً من نزوحه إلى مدينة الباب: ” صحيح أن الدمار حل بمنزلي جراء المعارك التي جرت، لكنه أرحم من نار الآجار في الباب ” استمرت رحلة نزوح أبو منذر إلى مدينة الباب قرابة الخمسة أشهر كلفته مبلغاً ضخماً من المال وصل لـ3500دولار أي مايقارب مليون ونصف ليرة سورية حاله حال غالبية أبناء ديرالزور الذين وصلوا المدينة بحثاً عن برِّ أمان ولو لفترة مؤقتة، دفع الرجل و عائلته آجار المنزل لستة شهور قادمة بمعدل 200 دولار للشهر الواحد حسب ما جرت العادة لدى مؤجري المنازل في مدينة الباب، ممادفعه للعودة إلى منزله في مدينة البصيرة عند أول فرصة أتيحت له بعدما سمع بعودة الكثير من أهالي البصيرة إلى المدينة ” هنا لا أحد يطالبني بآجار منزل أو يستغل حاجتي للمأوى، هذا منزلي وأرضي ” يقول أبو منذر .
في رحلة العودة رافق أبو منذر جاره في مدينة الباب و هو أحد سكان مدينة ديرالزور قاصداً ذات المكان الذي ينشده، فالحياة في ريف ديرالزور ” أقل كلفة ” من مناطق ريف حلب الشمالي .
تسود مجتمع ديرالزور في قرى “الجزيرة” حالة من الركود في كافة المجالات، نتيجة التركة الثقيلة التي خلفها تنظيم داعش بسبب تسلطه على المجتمع وتأثيره السلبي على عجلة العمل في المنطقة ، الأمر الذي خلّف وضع اقتصادي متردي عند غالبية الأهالي نتيجة قلة العمل، ” لكن هذا الوضع أدى إلى تنامي حالة التكافل الإجتماعي في عدة قرى و بلدات ” حسب ما وصف الشاب ناصر ابن مدينة سويدان جزيرة المغترب في ألمانيا عندما تحدث عن بلدته و بعض القرى المجاورة وفق ما يفيده به إخوته و أقاربه و بعض الأصدقاء عبر الإتصالات التي تكاد تكون شبه يومية معهم، يقول الشاب ” حالة الفقر في البلدة دفعت أبناءها إلى التكاتف و التقارب، فالذي يمرض في البلدة و تكون أوضاعه ” تعبانة ” يُجمع له مبلغاً من المال من الأهالي الأفضل حالاً و يقدم له يتداوى و يتعالج ” حالة التكاتف المجتمعي هذه كانت أحد الأسباب التي جعلت بقية الأهالي يعودون إلى سويدان جزيرة بعد الإطمئنان إلى أن ” الدنيا لسه بخير”.
في بلدة الشحيل الواقعة على السرير النهري الشمالي لنهر الفرات في ريف ديرالزور الشرقي جزيرة، و التي شهدت أكبر عودة لسكانها بعد خروج تنظيم داعش منها يعاني السكان من مشاكل عدة على مستوى انقطاع الكهرباء المتواصل الذي عالجه بعض الأشخاص بمشروعٍ تجاري يتلخص بتوصيل “الأمبيرات” إلى المنازل مقابل مبلغ 5000ليرة سورية لكل 3 أمبيرات ، و ندرة مياه الشرب “النقية” و آخرها مشكلة إطلاق النار الكثيف في الأعراس من قبل الشبان و ” عدم قدرة النقطة الأمنية لقسد المتواجدة في البلدة على ضبط هذه الحالة ” حسب ما قاله عبدالله أحد أبناء البلدة ، إلاّ أن الشكاوى المتكررة من الأهالي و تدخل ” وجوه ” البلدة أدى إلى الإتفاق بين الأهالي و قسد على اعتقال كل شخص يستخدم السلاح في الأعراس و معاقبته ، ” لم تمنع هذه المشاكل الأهالي من العودة إلى بيوتهم، في البلدة تشهد كثافة سكانية كبيرة ” يقول عبدالله.
تتنوع هموم أبناء ديرالزور في مناطق سيطرة قسد، و يعاني المجتمع من النقص و ربما العجز في عدة قطاعات، لكن الحياة في الحواري التي شهدت صباهم، و على أراضيها التي احتضنتهم و بمجاورة فراتهم الذي تسري قطراته بدمائهم هي أفضل بكثير من حياة النزوح المشوبة بالخوف و عدم الإستقرار و حال لسانهم يقول:
بلادٌألِفناها على كلِّ حالةٍ وقد يؤْلَفُ الشيءُ الّذي ليسَ بالحَسَنْ
وتُستعذَبُ الأرضُ التي لا هَوَاْ بها ولا ماؤُهَا عَذْبٌ ولكنّها وطَنْ.
مقال بقلم:
رامي أبو الزين