This post is also available in: English
لم يكن رد فعل نظام الأسد على ثورة السوريين عادياً , بل كان يستهدف سورية بكل مرتكزاتها بشراً وحجراً تاريخاً وحضارة.
في مثل هذا اليوم من العام 2013 كان رد نظام الأسد على ثورة أبناء ديرالزور ثأراً من جسرها المعلق, حيث تم تدميره بقذيفة مدفعية أصابت إحدى دعائمه الأساسية ما أدى لسقوطه بسبب انقطاع الأسلاك الحاملة له .
الجسر المعلق والذي يسكن وجدان أهالي الدير ويكاد يشاركهم تفاصيل حياتهم فهو وجهها الحضاري ورمزها المعماري , على جنباته ترك الكثير من أبناء دير الزور ذكرياتهم , لذلك أرادت قوات الأسد من ذلك قطعهم عن تاريخهم وما يربطهم به وكأن نظام الأسد يقول أنا من يكتب التاريخ وأنّ البلاد هي مزرعتي التي ثار السوريون من أجل الخلاص . لكنه أصر ومؤيديه على مقولتهم ” الأسد أو نحرق البلد ”
وجدانياً يمثل الجسر حالة خاصة لأهالي ديرالزور وارتباطهم به نوع من الارتباط بتاريخهم وحضارتهم وعاداتهم وطقوسهم الجميلة , فهو ابن النهر وملهم شعراء الدير وكتّابها , وصلة الوصل بين شطري المدينة وريفها فهو شريان الحياة بالنسبة لها .
تاريخياً يعتبر الجسر من أهم المعالم الأثرية في ديرالزور , حيث بني زمن الإنتداب الفرنسي حيث بدأ العمل به سنة 1925 عن طريق الشركة الفرنسية للبناء والتعهدات بإشراف المهندس الفرنسي ” فيفو ” وعمل في بناءه العديد من أبناء ديرالزور , حيث استمر البناء ستة أعوام , بل ينقل عن معاصري تلك الفترة أنّ هناك من أبناء البلد من دفن داخل كتله الإسمنتية حين سقطوا داخلها أثناء العمل حيث تم تدشينه للعمل في آذار من العام 1931 وقد قيل وقتها أنه كلف مليون ونصف المليون ليرة سورية .
هندسياً الجسر المعلق أو الجسر الجديد يربط ضفتي نهر الفرات بين مدينة ديرالزور وريفها الشمالي تم بناؤه على الطراز الغربي , حيث يمتاز بركائزه الحجرية الأربع والتي تقوم عليها أعمدة بشكل هندسي جميل يربط بينها أسلاك فولاذية ضخمة بشكل جميل جداً يبلغ طوله حوالي 475 متر وعرضه 4 أمتار , مر الجسر بمراحل عديدة حيث تمت إنارته بالكهرباء بالعام 1947 وتم اضفاء اللون الأصفر عليه في العام 1955 وتمت إنارته بأنوار ملونه لها انعكاس جميل على صفحة النهر وفي العام 1980 تم منع مرور السيارات عليه وقد كان قبلها طريقاً للسيارات والتي أصبحت تشكل خطراً عليه , وكان تنظيم السير فوقه يعتمد على الاتصال الهاتفي من قبل عمال المراقبة على جانبيه .
تدمير الجسر المعلق لم يكن عملاً عسكرياً فقط ولم يكن تخريبياً فقط , بل كان رسالة للسورين عامة بأنّ ثمن الحرية سيدفعونه من حاضرهم ومستقبلهم ومن دماء ابناءهم ومن ذاكرتهم ومن واقعهم , لكن الرد سيكون باستمرار الثورة وبالبناء من جديد وهو ما يدفع السوريين أكثر للإيمان بثورتهم للخلاص من نيران نظام الأسد الذي يخرب الحجر ويزور التاريخ ويقضي على الحضارة .
فراس علاوي