رغم التحرير وفقدان قوات الأسد السيطرة على معظم أراضي ديرالزور إلّا أنّ حال الموظفين فيها بقي على حاله، فالموظفين استمروا في أداء عملهم ولم يقيّد حركتهم الجيش الحر بل وسمح لهم بالعبور إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الأسد كي يتسلموا رواتبهم.
خالد 35 عاماً , أب لأربعة أطفال يعمل مدرس في مدينة ديرالزور منذ 15 عاماً تقريباً، مستأجر ويعيش على مرتبه في وقت رفعت فيه الحكومة السورية الأسعار إلى أكثر من ضعف ونصف، ما اضطره إلى البحث عن عمل إضافي، يقول خالد:
لم يكن الراتب الذي أتقاضاه يكفي حتى الأيام العشر الأولى من الشهر فنصفه يذهب آجار البيت والنصف الآخر لا يكفي اللوازم الأساسية للعيش لمدة شهر كامل، لذا وجب عليّ أن أبحث عن عمل آخر وكان بعيد عن التعليم، هذا ما كان يحدث مع أغلب المعلمين.
أما بعد أن بدأت الثورة فقد استمر الوضع في الإنحدار، فقد توجّب على خالد التنقل بين المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر والمناطق التي يسيطر عليها النظام , يتابع خالد :
كنت مضطراً للتنقل بين مناطق الجيش الحر ومناطق النظام فأنا أدرس في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر وأتقاضى مرتبي من النظام وفي هذه الحالة كنت أواجه خطر الاعتقال أو الموت بالقصف الذي يستهدف فيه النظام المخارج من المناطق الخاضعة للجيش الحر إلّا أن حياة أبنائي تستحق المغامرة بحياتي.
لم تستمر هذه الحال طويلاً فقد أوقف النظام اعتماد الموظفين القاطنين خارج مناطق سيطرته، وكانت الحجة أن الموظفين لم يلتحقوا بمؤسساتهم التي تقع في قبضة (الإرهابيين) على حد زعمه، يقول خالد: وصل هذا الخبر إلى أغلب المعلمين، كانت الحيرة بادية على وجوهنا ولم نستطع تفسير الأمر، لماذا يعمد النظام إلى الضغط على الموظفين ككل مع العلم أن هذا الأمر يشكل فائدة له، فقد كان إعلام النظام يتحدث عن إدارته للمؤسسات التي فقد السيطرة المباشرة عليها.
بعد وقت ليس بطويل أعاد النظام اعتمادات الموظفين المالية ولكن بشكل جزئي فقد أعاد رواتب المعلمين والبلديات فقط، وطلب من الموظفين في غير هذين القطاعين الإلتحاق بمؤسساته في المناطق التي يسيطر عليها، واشترط النظام على الموظفين من خارج سلك التعليم وسلك البلديات أن يلتحق بمؤسساته في المناطق التي يسيطر عليها، فيما كان شرطه على استمرار المعلمين في المناطق التي لا تخضع لسيطرته، أن يوقع المدرس في كل مرة يستلم فيها معاشه على ورقة تؤكد أن النظام يدير المؤسسات حتى في مناطق سيطرة الجيش الحر.
بدأ الموظفون في ديرالزور يفقدون معاشاتهم بشكل كامل مع سيطرة “داعش” على ديرالزور حيث تم قطع كل الطرق المؤدية إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام وبهذا حُرم الموظف من قوته الذي يسد جوع أبنائه، ولم يقدم التنظيم أي بديل بل أخضع الموظفين إلى دورات استتابة ودورات شرعية، كما وجه التنظيم تهمة الخيانة ونقل المعلومات لكل من يدخل ويخرج من المناطق التي يسيطر عليها النظام وكان حُكم هذه التهمة هو الموت.
يقول رشيد وهو موظف في إحدى الدوائر الحكومية:
لم أستطع التفكير حينها، فقد منعنا التنظيم من الحركة بين المناطق وبهذا فقدنا معاشاتنا التي كانت هي المعيل الوحيد على الحياة في هذا الوقت الصعب، ولم يقدم التنظيم أي بديل في هذا المجال، فقط وحدهم من بايعوا التنظيم تحصلوا على معاشات، إلّا أنك لا تعرف ماذا سيحل بك بعد المبايعة، ربما تتحول من موظف أو معلم إلى مقاتل في صفوف داعش.
أغلق التنظيم معظم المدارس ودمّر النظام بقصفه الجوي والبري قسماً كبيراً من المدارس، وبهذا تعاون التنظيم مع النظام على إيقاف عملية التعليم، اما باقي المؤسسات الخدمية التي استمرت في عملها حولها التنظيم إلى دواوين تتبع طريقة عمل معينة، و نسف التنظيم معظم المواد في المناهج التي كنا نقوم بتدريسها ، بحجة أن بعضها كفرٌ والبعض الآخر لا يناسب الحياة العملية، لقد كانت طريقة جيدة لنشر الجهل في أوساط الجيل الناشئ.
يقول خالد: أما أنا فقد اخترت أن أنتقل إلى دمشق لأستمر في عملي، لم تروقني فكرة السفر إلى الخارج كما أن فكرة المبايعة لم تكن واردة أبداً، حاولت في هذا القرار أن أبتعد قدر المستطاع عن حالة الحرب التي تعيشها كل المناطق في ديرالزور، بالإضافة إلى التهديد المستمر من النظام ومن التنظيم على حد سواء.
بدأ المعلمون البحث عن طريق لاستمرار حياتهم فمنهم من غادر إلى خارج سورية والتجأ إلى إحدى دول الجوار، فيما استطاع قسم من المعلمين دخول المناطق التي يسيطر عليها النظام، أما القسم الآخر فقد سافر إلى المحافظات التي يسيطر عليها النظام مثل دمشق، فيما اتجه القسم الأقل إلى مبايعة التنظيم والانخراط في أعماله.