منذ عام 2014 لم نرى تلك الأهمية البالغة لديرالزور لدى المجتمع الدولي في تخليصها من قبضة تنظيم داعش , كان هناك تراخ واضح جداً في استئصال التنظيم من هذه المحافظة التي اختارها تنظيم داعش كمنطقة استراتيجية في تحركاته باتجاه العراق وباتجاه المحافظات السورية الأخرى . فديرالزور كانت الحصن الحصين للتنظيم في إرسال التعزيزات العسكرية للسيطرة على مناطق كانت سواء بيد المعارضة السورية أو حتى بيد نظام الأسد كما حصل في تدمر أو في البادية السورية .
الآن ديرالزور أصبحت أهم بكثير من قبل حتى من إنهاء معركة الرقة التي لا تزال مستمرة , فقوات الأسد مدعومة بالغطاء الجوي الروسي والخبراء العسكريين على الأرض والميليشيات الإيرانية والعراقية تسابق الجميع في بسط السيطرة على مركز مدينة ديرالزور لعلها تقطف ثمار المجهود الذي تريد إيصال مضمونه للمجتمع الدولي بأن الأسد هو الكفيل الوحيد للتخلص من الإرهابيين على حد زعمهم , وخصوصاً تنظيم القاعدة متمثلاً بتنظيم داعش .
في الأيام القليلة الماضية وفي ظل الجبهات القتالية الأخرى الهادئة في سوريا , تمكنت قوات الأسد فعلياً من فك الحصار عن مطار ديرالزور العسكري وبعض الأحياء المحاصرة في مدينة ديرالزور وإدخال خبراء روس للمحافظة والاستعجال في محاولة طرد التنظيم من مركز المدينة بأي صورة مع تغطية إعلامية واسعة وتهويل لا مسبوق بأهمية المعركة .
قسد والأميركان والمعارضة السورية :
الولايات المتحدة الأميركية تفاجئت نوعاً ما بهذا التقدم السريع لقوات الأسد في ديرالزور وبدأت تدرك الخطر الإيراني والشيعي في الانتقال من المدينة إلى الريف الشرقي , لذلك أوعزت لقوات سوريا الديمقراطية بالاشتراك مع المجلس العسكري لديرالزور بقيادة المدعو أبو خولة بإعلان معركة ديرالزور والتي بدأ لها الترويج الإعلامي الكبير والتحشيد من أجل قطع الطريق على قوات الأسد في أن تصل للريف الشرقي ولربما ستصل لاحقاً لآخر مدينة في الريف الشرقي وهي البوكمال لتصلها بالعراق وآنذاك سيصبح المشروع الإيراني قد اكتمل على أكمل وجه .
الأميركان بدورهم يثقون مطلقاً بقوات سوريا الديمقراطية كفصيل منظم يستطيع قتال تنظيم داعش لكن في ذات الوقت هم يدركون مدى اختلاف الوضع العسكري في ديرالزور عن سواه ومدى اختلاف التركيبة المجتمعية وحساسيتها عن باقي المحافظات السورية بما فيها الرقة , لذلك هم يسعون جاهدين بإيجاد صيغة توافقية مع فصائل المعارضة السورية في الشمال السوري أو فصائل البادية السورية بما فيها جيش مغاوير الثورة وجيش أسود الشرقية اللذان لا يزالان يرفضان قطعياً المشاركة بأي عمل عسكري مع قسد وبأنهما كما هدفهما مقاتلة الأسد وداعش في آن واحد , فلم يتغير لديهما شيء جديد الآن .
الأميركان يسعون في الفترة المقبلة لاجتذاب مجموعات عسكرية من أبناء المنطقة الشرقية ممن تثق بهم وتعبرهم الأنسب , ولن يكون الإختيار كما هي الفصائل بمسمياتها الحالية وذلك بسبب عدم الاتفاق المستمر بين الأميركان وهذه الفصائل على الصيغة التوافقية فيما يتعلق بمعركة ديرالزور وما بعد معركة ديرالزور . فالرؤية الأميركية هي أن يكون التوافق بين قسد وفصائل المعارضة الديرية هو متوازن ويحفظ الأمن ولا يسبب أي حروب طائفية لاحقة في المحافظة تتعلق بما خلفه تنظيم داعش وعمل عليه منذ ما يزيد على ثلاث سنوات .
المشروع المقبل سوف يتضمن بما في معناه ” تجمع قوات الفرات , تجمع أبناء عشائر الفرات ” والولايات المتحدة الأميركية تبذل كل الجهد لإنجاح هذا المشروع وفي ذات الوقت فإن فصائل البادية السورية بما فيها جيش أسود الشرقية تخوض نقاشات مع الأميركان لم يتم الاتفاق عليها بل وإنها ربما لاحقاً تضر بوجودهم في البادية السورية , وكل هذه النقاشات تهدف للضغط على هذه الفصائل بالخضوع للمشروع الأميركي حسب ما ترسمه الإدارة الأميركية .
قسد بدورها لن تفتح أي جبهة مع قوات الأسد في ديرالزور وكذلك الأسد لن يطلق طلقة واحدة على مقاتلي قسد في ديرالزور أينما كانوا وهذا أصبح مفهوماً للجميع , فقسد هي تعمل لصالح الأميركان متابعةً المعارك التي خاضتها سابقاً في قتال داعش وهذا القتال مدعوم على الأرض ومن الجو بشكل منظم , ولعل ما تقوم به قوات سوريا الديمقراطية وما قامت به سابقا في طرد داعش من مدن سورية أخرى جعلها محل ثقة ً مطلقةً لدى الأميركان وفي ذات الوقت رفض الأميركان لأي مشروع تقدمه المعارضة السورية وعلى وجه الخصوص المعارضة الديرية العسكرية .
المعركة الأخيرة لداعش .. ديرالزور الحصن الأخير
كل ما يقوم به نظام الأسد الآن في ديرالزور هو لتأمين محيط المدينة وطرد داعش منها بالكامل بما فيها فك الحصار عن الأحياء المحاصرة والمطار العسكري , ونوعاً ما قد نجح في ذلك . كذلك الأمر من جهة أخرى فقسد وما تهوّل به إعلامياً هو ليس للمعركة الحقيقية التي يظن الجميع فعلياً أنها بدأت منذ بضعة أيام , بل إنما هي معركة محدودة جداً لتأمين محيط مدينة الشدادي جنوب مدينة الحسكة واتجاهاً لمدينة مركدة والتوقف عند بلدة الصور في الريف الشمالي بديرالزور , وتدعيم القاعدة العسكرية هناك لتوجه الفصائل العسكرية المشاركة في المعركة لاحقاً لإكمال تحرير كامل الريف الشمالي و الشرقي على وجه الخصوص من داعش والتي سوف تبدأ ” المعركة ” في الشهر الثالث من العام المقبل . فالتحركات العسكرية الحالية هي إنما هي مؤقتة ولحصر تنظيم داعش أكثر في الريف الديري ولمنع قوات الأسد من التقدم باتجاه ريف ديرالزور الشرقي الذي فيه أكبر المدن الديرية كالميادين والبوكمال .
تنظيم داعش بدوره يعيش حالة من الإرباك اللا مسبوق في صفوفه ويحاول أن يطيل أمد المعركة في ديرالزور بأي صورة كانت من خلال التحضيرات العسكرية التي عكف عليها منذ أكثر من ستة شهور , فهو على علم يقين بأن معركة ديرالزور ستكون آخر معاركه في سوريا وحتى يعتبرها الأكثر أهمية من معركة الموصل لموقعها الاستراتيجي ولأهميتها الإقتصادية ولمساحاتها الشاسعة .
التنظيم في ظل فتح كل هذه الجبهات في آن واحد ضده , هو لم يعد يستطيع التوفيق بين جبهات القتال في الرقة والآن في ديرالزور ومنذ ليس ببعيد خسارته لمدن إستراتيجية في العراق على رأسها مدينة الموصل وتلعفر بالإضافة لتخوفه الكبير من الانشقاقات التي تكاد تكون محصورة كما حدث في الأسابيع القليلة الماضية في مدينة البوكمال على وجه الخصوص .