This post is also available in: English
في ظل انعدام تغطية شبكة الهاتف المحمول انتشرت مقاهي الإنترنت وبسرعة كبيرة لتملأ جميع المناطق والأحياء وتصبح مصدر رزق لكثير من الناس ولتدخل الإتصالات إلى جميع البيوت خاصةً بعد انتشار النواشر وهي أجهزة بث تعطي بموجة الإتصال لمسافة معينة عن طريق لواقط، وأجهزة راوتر بحيث أصبح الاتصال في متناول الجميع ولهذا الأمر إنعكاساته على المجتمع سلباً أم إيجاباً فقد كان من إيجابياته أنّ العالم أصبح في متناول الجميع، مما ترك شيئاً من التفاؤل في مجتمع محطم كما أنها جعلت ما يجري على الأرض السورية معروفاً لدى الجميع وأنّ الخبر ينتقل في التو واللحظة.
الوسيلة الأكثر شعبية
كما أنّ للتواصل بين الأهل الذين شُردوا في أصقاع الدنيا أثراً إيجابياً على حياتهم وخففت كثيراً من التعب النفسي وسريان الإشاعات بين الناس، لكن في ذات الوقت كان للانفتاح المفرط على التكنولوجيا والاتصالات وبدون ضوابط ومراقبة أثره المسيء على المجتمع خاصةَ فئة الشباب فقد دخلت أفكار وعادات تعتبر غريبة على مجتمعنا وبعضها يعتبر مستنكراً.
في ذات الوقت وبما أنّ المنطقة في حالة حرب فقد كان للناحية الأمنية جانباً هاماً فيها فقد سهلت اختراق الكتائب العسكرية وكشفت العديد من أسرارها كما تمت مراقبة العديد من حسابات الناشطين والقادة العسكريين، والوصول إليهم كذلك كانت الطريق السريع لاتصال الخلايا النائمة والمخربة في المناطق المحررة مع قياداتها وغرف عملياتها.
وبقيت مقاهي الإنترنت هي مصدر الاتصال الوحيد مع سيطرة تنظيم الدولة على المحافظة حيث
هاجم التنظيم مقرات الكتائب والألوية التابعة للجيش الحر وصادر محتوياتها، وكذلك هاجم المراكز الإعلامية واستهدف الإعلاميين تحت تُهم شتى وصادر جميع محتويات هذه المراكز واعتقل الكثير من الإعلاميين وتمت تصفية الكثير منهم.
لكن ومع مرور الوقت أصبحت هذه المقاهي تحت أنظار أفراد التنظيم خاصةً عناصر الحسبة الذين بدأوا بالتدخل في شؤون المقاهي , حيث بدأت تدخلاتهم في بداية الأمر بملاحقة النساء حول اللباس الشرعي الذي يجب أن يلبسنَه أثناء دخولهن المقاهي، ومن ثم تم منع النساء من دخول هذه المقاهي إلا بوجود محرم وهو رجل لايقل عمره عن 12عاماً كما تمت ملاحقة الرجال خاصة فيما يتعلق بموضوع التدخين واللباس الشرعي كما تم تنبيه أصحاب المقاهي إلى إغلاقها عند أوقات الصلاة منذ بداية الأذان حتى خروج المصلين من المسجد.
ومن ثم تمّ تشكيل وضمن ديوان الخدمات مايسمى أمير الاتصالات والإنترنت وبدأ هذا الديوان بإصدار العديد من القرارات تباعاً، حيث بدأ بفصل مقاهي الإنترنت إلى مقاهي مخصصة للنساء وأخرى مخصصة للرجال.
وكان لكل مقهى الشروط الخاصة بها
فمقهى النساء يجب أن يكون مغطى ً بشكل كامل حيث لا أحد في داخله ويجب أن تديره إمرأة وأن تلزم جميع النسوة باللباس الشرعي، ويحظر دخول الرجال مهما كان السبب كذلك على المرأة عند دخولها المقهى أن تعطي بياناتها الشخصية لمديرة المقهى، إلى أن اتخذ ديوان الاتصالات قرارً بإغلاق صالة الانترنت المخصصة للنساء بشكل نهائي.
وكانت مقاهي النساء تخضع لدوريات الحسبة التي تداهمها فجأةً من أجل قمع المخالفات على حد قولهم
كما كانت بعض النساء المحسوبات على التنظيم من المبايعات، وغالباً مايكنَّ زوجات لعناصر التنظيم يراقبنَ العمل من الداخل ويبلغنَ عن المخالفات وعما مايسمعنَه من مكالمات وكانت تهم التخابر والتواصل مع الخارج كتركيا والخليج وغيرها جاهزة حتى لو كانت الأم تتحدث إلى ولدها.
أمّا مقاهي الرجال فقد كانت الإجراءات الأمنية أكثر تشديداً حيث تم وضع كاميرات مراقبة في المقاهي وتم توزيع المقاهي بحيث يتم حصر أهالي كل منطقة في منطقتهم، وكان عناصر الحسبة يكادون لايفارقون هذه المقاهي ويتم تسجيل بيانات الأشخاص الداخلين والخارجين من المقهى بالاضافة لوجود كاميرات المراقبة.
لكن قرارات التنظيم لم تقف عند هذا الحد بل أصدر ديوان الإتصالات قراراً بإيقاف عمل النواشر ومصادرتها تحت طائلة المسؤولية، لمن ينشر من مقهى إنترنت بإغلاق المقهى ومحاسبة صاحب المقهى
وبذلك تم حصر الإتصالات في مقاهي الإنترنت حصراً لتسهل المراقبة على الأمنيين في التنظيم ، وهم عناصر أمن التنظيم مراقبة كما قام ديوان الإتصالات بعمل تراخيص لأصحاب مقاهي الإنترنت تتضمن موافقتهم على عدة شروط.
تنفيذ تحت طائلة التهديد بالعقوبة
أغلقت مقاهي كثيرة ويتهم بعض أصحاب المقاهي أفراد ديوان الاتصالات والحسبة بأنه كان هناك محسوبيات وواسطات في إعطاء تصاريح فتح المقاهي، وبذلك شهدت المقاهي ازدحاماً شديداً نتيجة قلة عددها واضطرار الكثير من الناس للاتصال بأقربائهم بشكل دوري حيث كنت ترى داخل مقهى النساء مثلاً ما لايقل عن خمسين إمرأة حيث كان المتصل يحضر بعض أفراد عائلته من أجل التواصل الاجتماعي مع باقي أفراد الأسرة البعيدين.
كما أنّ أسعار بطاقات الإنترنت بدأت بالارتفاع حيث كانت تباع كل ستين ميغا بمبلغ 200 ليرة سورية ومع المنافسة بلغت ثمانون ميغا بمبلغ 200 ليرة سورية وبعدد أيام مفتوح ثم أصبح لمدة 48 ساعة، لكن بعد القوانين التي أصدرها ديوان الاتصالات زادت أسعار البطاقات لتبلغ عشرون ميغا بمبلغ 100 ليرة سورية ولمدة يوم واحد، ثم أصبحت لمدة ثمان ساعات كما أنّ بعض المقاهي كانت تنهي البطاقة بمجرد خروج الشخص من المقهى حتى لو لم يصرف هذه البطاقة.
حيث ترتبط أسعار البطاقات بسعر صرف الدولار كما هو حال كل شيء في سوريا، لأنّ اعتماد مقاهي الإنترنت على أجهزة بث فضائي يتم تركيبها في المقهى، وهي عدة أنواع تعتمد على الشحن الشهري وتتراوح بين 8 غيغا حتى 50 غيغا ولمدد محدودة تتراوح بين ثلاثة أشهر وستة أشهر، حيث يعاد شحنها وهذا الشحن يتم بالدولار ومن دول مجاورة.
الجدير بالذكر، أنه ورغم ذلك فقد أصدر الديوان قراراً بمنع الشحن المباشر من الشركات وتم ربط جميع المقاهي بشبكات محددة تتبع للتنظيم، ففي مدينة البوكمال مثلاً يوجد أربع شركات أساسية تعود للتنظيم يتم شحن المقاهي عن طريقها بعدد محدود من الميغات والسرعات، وبذلك يكون التنظيم قد وضع يده على قطاع الاتصالات بشكل كامل في محافظة دير الزور.