حصري
كانت البداية بكتابات لأطفال درعا على الجدران ولكن هذه العبارات هزت أركان نظام الأسد لتتنشر بعدها الاحتجاجات و ظاهرة الرجل البخاخ في الوقت الذي كانت قوات الأسد تحاول طمس أي محاولة تمرد ضدها ، و أسلوب الكتابة على الجدران كان أحد الطرق التي تقلق نظام الأسد وتجعله يشدد الرقابة على محلات بيع الدهان، ظاهرة الرجل البخاخ كانت المهمة الأصعب بين المتظاهرين لما قد يترتب عليها من تبعات من قبل عناصر الأسد , إذا ما ألقي القبض عليه فهو أكثر الأشخاص الذين يسببون قلقاً لقوات الأسد من خلال العبارات التي يخطها على الجدران.
” مرعي الحسن ” في العشرينات من عمره أو الرجل البخاخ كما كان معروف بين أصدقائه المتظاهرين ،مرعي لا يحمل بيده لافتة كبقية المتظاهرين، ولكن علبة البخاخ لا تفارقه أبداً فهو لا يترك حائط دون أن يضع عليه بصمته من خلال عبارات ” الشعب يريد إسقاط النظام ، حرية حرية ” هذه العبارات بيد إنها كانت تسبب قلق لنظام الأسد إلا أنها جعلت من إعادة طلاء الجدران شغلهم الشاغل مما زاد غضبهم وحقدهم على المتظاهرين.
مرعي لم يلتحق بالثورة بل كان من أوائل المتظاهرين ,فهو كان حاضراً في جميع المظاهرات برفقة علب البخاخ التي كانت سلاحه الوحيد ضد نظام الأسد والذي وضعه على قائمة المطلوبين بشدة حياً أو ميتاً ،مع ازدياد وتيرة المظاهرات وملاحقة عناصر الأمن له اضطر مرعي لترك منزله والبحث عن مكان آمن يقضي أيامه في إنتظار سقوط نظام الأسد كما كان يأمل.
وكعادة قوات الأسد المعهودة عندما تفشل في اعتقال الناشطين , تقوم بصب جام غضبها على أفراد عائلته أو ممتلكاته، حيث قام نظام الأسد بمداهمة منزله وتكسير محلهم التجاري إلا أن تصرفهم هذا زاد من إصرار مرعي على مواصلة الطريق . ففي منتصف عام 2011 ومع ارتفاع وتيرة الأحداث في دير الزور، قام نظام الأسد بإدخال الجيش إلى المدينة وتقطيع أوصالها بإقامة الحواجز للحد من تنقلات الناشطين والقضاء على المظاهرات ، محاولة كانت فاشلة باستثناء تناقص أعداد المتظاهرين بسبب التشديد الأمني الذي حصل في تلك الفترة , إلا أن مرعي ثابر على عمله، واستمر بالتحريض على التظاهر وتزيين الجدران بعباراته المعروفة والتي أغضبت الفروع الأمنية أكثر من ذي قبل فكل محاولاتهم باعتقاله كانت تبوء بالفشل بالرغم من تواجده بشكل دائم في أحياء المدينة يمارس هوايته بكتابة الشعارات على جدرانها ولطالما كان قريباً جداً من الاعتقال، لو أن براعته ومعرفته بشوارع مدينته التي طالما خبأته بين ثناياها وحمته من بطش النظام
استشهاده لم يكن عادياً، ولم يمر مرور الكرام فهو أتعب عناصر الأمن كثيراً فكان يوماً استثنائياً بالنسبة لهم وأظهروا مدى الحقد عندما أردوه قتيلاً بعد إصابته وعدم السماح لأحد بالاقتراب وإسعافه.
بتاريخ 26-08-2011 في إحدى المظاهرات في حي الجبيلة وكعادته كان يحمل علبة البخاخ بالإضافة لمسدس كان قد بدأ يحمله معه لحماية نفسه من عناصر الأمن بعد أن قرر أن لا يسلم نفسه مهما كلف الأمر فالموت كان أرحم له من الاعتقال لدى نظام الأسد .
جرت الأمور عادية في المظاهرة فزملائه يهتفون بإسقاط الأسد، بينما هو عين على الجدران يخط العبارات وعين تراقب قدوم الأمن فكان شديد الحرص دائماً على إشغال العناصر ليتسنى لأصدقائه الفرار، وفعلاً هذا ما حصل عندما داهم الأمن المظاهرة حيث بدأ مرعي باطلاق النار عليهم لتشتيت انتباهم عن رفاقه ويلوذ بعدها بالفرار ليلتحق بهم في حي شواخ، بعد أن تجمعوا وأعادوا إحياء المظاهرة من جديد ليعود الأمن ويداهمهم ولكنهم استطاعوا أيضاً الفرار باستثناء مرعي الذي قام بالالتفاف عليهم من جهة أخرى وإطلاق النار عليهم ، ودون أن ينتبه كان هناك بعض العناصر القادمين من جهة النهر وأطلقوا عليه النار ليصيبوه ولكنه لم يفارق الحياة قبل أن يتجمعوا فوقه ويفرغوا كل حقدهم عليهم من خلال بنادقهم لتسيل دمائه الطاهرة وتروي تراب دير الزور.
لم يكتفوا باطلاق النار عليه بكل همجية وعدم السماح لأحد باسعافه بل قاموا بأخذ جثمانه إلى أحد الفروع الأمنية , ليتم تسليمها لذويه بعد عدة ساعات ويتم تشييعه من قبل رفاقه، خمسة شهور عاشها مرعي في الثورة عاشها بحلوها ومرّها وعلى قصرها , إلا أنها كانت كفيلة لحفر اسمه في أذهان وقلوب المتظاهرين إلى يومنا هذا .
فأينما أدرت نظرك سترى العبارات التي أطلقت شرارة الثورة في سوريا والتي كانت سببها علبة بخاخ ورجل شجاع.