آلاء فتاة من دير الزور، لا تتجاوز السادسة عشر من عمرها، نزحت وعائلتها إلى إحدى بلدات ريف دير الزور الشرقي، بعد أن قُتل والدها برصاص قناص من قوات الأسد في مدينة دير الزور، تقول آلاء لدير الزور 24:
“اضطرت والدتي إلى تزويجي بسبب الظروف القاهرة التي مرّت على والدتي، فأقنعتني بالزواج من أول شاب يتقدم لخطبتي”، وتكمل بنبرة حزن:
“كانت والدتي تخاف علي كوني فتاة، ويتيمة الأب، خاصةً في تلك الظروف الصعبة، فحماية الفتيات في تلك الأوضاع السيئة ليس بالشيء السهل”.
وتضيف “لقد كانت والدتي وحيدة دون معيل، و لا تقوى على حمايتنا، وكان إخوتي صغار جداً، فأقنعتني بأن الزواج هو الحل الأفضل لي وأني بحاجة إلى رجل يحميني”.
لم تكن آلاء ابنة السادسة عشر عاماً مستعدة نفسياً وجسدياً للزواج، ففكرة الزواج لديها تقتصر على حفلة زفاف وثوب أبيض كالأميرات، وملابس جميلة وجديدة تشتريها، فلم تكن تعلم بأن الحياة الزوجية التي ستعيشها ليست كما تظن حفل زفاف وثوب أبيض، بل مسؤولية وواجبات وتربية أولاد، ربما لا تقوى على تحملها في مثل هذا السن، ولكن رغبة والدتها في تزويجها هو السبب وراء ذلك.
تقول أم آلاء وهي سيدة أربعينية:
“كان من الصعب علي في الظروف الحالية تعليم ابنتي، بسبب الأوضاع الصعبة، وانعدام الأمان في المنطقة، وأي فتاة في هذا الوضع ليس لها إلا الزواج، فالزواج ستر وبما أن العريس مناسب ومقتدر مادياً، فلا ضرر من تزويجها، لكن وبعد مضي شهرين من زواج آلاء بدأت الخلافات تشوب حياتها الزوجية، ولم تعد آلاء تستوعب زوجها، أو تكون قادرة على أن تفي بمتطلباته ومتطلبات عائلته، كما أنها كانت تتعرض للتعنيف من ضرب وشتائم بشكل يومي فقررت ترك منزل زوجها والعودة إلينا”، وانتهى زواج آلاء بالطلاق قبل أن تبلغ السابعة عشر من عمرها.
ليست آلاء وحدها في هذه المعاناة، فقد تحوّل زواج القاصرات في سوريا إلى ظاهرة، وذلك نتيجة الحرب الدائرة، فضلاً عن غياب الوعي وقصور دور منظمات المجتمع المدني في نشر التوعية حول مخاطر هذا الزواج.
فالوضع الأمني والمعيشي دفع بالكثير من العائلات إلى السعي لتزويج بناتهن القاصرات تطبيقاً للمفهوم الشائع ما يسمى “الزواج والسترة”، إضافةً لرغبة بعض الآباء بالحفاظ على بناتهن بالزواج، نتيجة الظروف الأمنية الصعبة وخوفاً عليهن من التعرض للاغتصاب أو الاختطاف.
أبو ثامر (45 عاماً) من ريف ديرالزور الشرقي، زوّج ابنتيه في سنٍّ مبكر، يقول أبو ثامر لديرالزور 24 موضحاً سبب فعلته:
“الفتاة مهما حصلت على شهادات ليس لها في النهاية سوى منزل زوجها”.
وتتفاقم ظاهرة زواج القاصرات في مخيمات النزوح واللجوء بشكل خاص، حيث الفتيات لا يذهبن إلى المدرسة، فالمدارس بعيدة، ولا اهتمام بالتعليم لدى النازحين واللاجئين، الذين أكبر همومهم تأمين متطلبات الحياة بسبب انتشار البطالة والفقر، ويسكن أفراد الأسرة جميعهم في خيمة واحدة، فيستغل طالب الزواج ذلك من خلال تقديم الوعود الوردية من أموال وملابس وحياة كريمة ستعيشها العروس في بيته بعيداً عن حياة الفقر داخل المخيم .
مريم (14 عام) نزحت مع أسرتها من ريف ديرالزور، لينتهي بها المطاف في مخيم الهول بريف الحسكة، تقول لديرالزور 24:
“اضطررت للزواج وأنا طفلة، من رجل متزوج، وكنت الزوجة الثالثة، وذلك بسبب سوء ظروف أهلي المادية، ورغبةً منهم بالستر عليّ في منزل زوجي، لكنني لم أتحمل كثرة المسؤوليات والخلافات بيني وبين زوجي من جهة، وبيني وبين ضرتي من جهة أخرى، فكان مصيري الطلاق بعد سنة من زواجنا”.
وعلى الرغم من تشريع القانون السوري لزواج القاصرات، إلّا أّن أغلب عقود الزواج تتم خارج المحاكم ويتم الاكتفاء بـ”كتاب الشيخ”أو الكتاب العرفي، وهو لا يعتبر عقد زواج يمكن اعتماده قانونياً لإثبات حقوق المرأة في الحصول على مهره، ولا يعتمد كوثيقة لتسجيل الأولاد والحصول على شهادة ميلاد تسمح لهم بالدخول إلى المدرسة أو الحصول على بطاقة شخصية في المستقبل، كما يحرم المرأة من جميع حقوقها في حال وقعت التفرقة بين الزوجين.
ويعود انتشار زواج القاصرات لعدة أسباب أهمها حصر المرأة ضمن نمط محدد للحياة وتحديد مهمتها بتكوين الأسرة، والاهتمام بالأطفال وتربيتهم، وبهذا فهي تلتزم بمهامها المترتبة عليها منذ الصغر وفق معايير المجتمع، لتضمن نجاح مهمتها الموكلة إليها دون الأخذ برأيها.
كما يعد الوضع الاقتصادي السيء للعائلات سبباً هاماً، بحيث يعتبر الزواج المبكر مبرراً لزواج الفتاة من قبل أهلها للتخلص من نفقتها، إضافةً إلى أنّ الزواج المبكر يشكل هاجساً لأهل الفتاة ووسيلة للحفاظ على شرف العائلة بالإضافة إلى ارتباط العائلات فيما بينها بعلاقات تربط بين أبنائهم منذ الصغر بزواج الأقارب أو المقايضة وهي حالات ما تزال موجودة في مجتمعنا إلى الآن.
و يخفى على البعض أن للزواج المبكر سلبيات فهو يخلّف أعباء نفسية وجسدية تلحق بالفتاة القاصر، وذلك لعدم قدرتها على تحمل المسؤوليات والواجبات الزوجية والمخاطر الصحية للحمل والإنجاب والأمومة المبكرة على القاصرات كما يساهم زواج الفتيات في هذا السن في حرمانهن من حقهنّ في التعليم كأقرانهن من الفتيات، فيواجهن صعوبة في تربية أطفالهن وذلك لعدم الإلمام بأساليب التربية كافة والتي تؤهلهن ليصبحن أمهات المستقبل, فضلاً عن التسبب في ازدياد حالات الطلاق في المجتمع لعدم وعي كل من الزوجين.
وللحد من هذه الظاهرة لا بد من اتخاذ بعض الإجراءات على صعيد الأشخاص والمجتمع كأن تحدد الدولة سن الزواج الخاص بالرجل والمرأة، ونشر رسائل لتوعية الأهل بضرورة رفع سن الزواج للفتاة حتى تصبح مؤهلة لأن تقوم بمهامها كزوجة وأم للنهوض بجيل واعٍ وإعداده بشكل صحيح وإيجابي. وتنظيم دورات تأهيلية لمن سبق لهن الزواج في سن مبكرة وإعادة تأهيلهن ليصبحن قادرات على إكمال حياتهن.
بقلم: مايا درويش