This post is also available in: English
دير الزور من أقدم مدن التاريخ ومهد لحضارات كثيرة تمتد على ضفتي نهر الفرات أحد أكبر الأنهار وأغزرها في العالم قامت على ضفتيه حضارات كثيرة وقديمة منها: دورا أوروبس (تل الصالحية ) يقع شرقي مركز مدينة دير الزور حوالي 100 كم على الضفة اليمنى ، مدينة ماري وهي من أقدم مدن التاريخ وشاهد على حضارة المنطقة تقع بالقرب من مدينة البوكمال شرق مدينة دير الزور.
المحافظة الشرقية البعيدة
دير الزور هي المحافظة الرابعة عشرة في الجمهورية العربية السورية تقع في الجهة الشرقية منها وعلى بعد 500كم عن مدينة دمشق العاصمة، تمتد على مساحة جغرافية تقدر ب(33060)كم مربع يحدها تقع بين محافظات حمص والحسكة والرقة ويحدها من الشرق الحدود العراقية، فيها مدن البوكمال والمياذين وموحسن والعشارة والقورية وهجين والشحيل والبصيرة وغيرها والعديد من البلدات والقرى الصغيرة.
مناخها صحراوي جاف يمتاز بارتفاع الحرارة صيفاً وبرودته شتاءاً وقلة أمطاره ويمتاز فصل الصيف بالعواصف الغبارية والتي تسمى محلياً (العجاج) ، تمتاز تربتها بخصوبة عالية خاصة على ضفتي نهر الفرات والذي يقسمها إلى قسمين شمالي ويسمى الجزيرة وجنوبي يسمى الشامية.
تمتاز تركيبتها السكانية بالعشائرية وتقطنها عدة عشائر أبرزها العقيدات والبقارة، وصل عدد سكانها حسب أخر إحصاء إلى (مليون ونصف المليون) نسمة، الاقتصاد يعتمد اقتصاد المحافظة على الزراعة والرعي وأهم المحاصيل التي يزرعها أهل المحافظة هي القمح والشعير والقطن والذرة الصفراء والشوندر السكري والسمسم
أما تربية الحيوانات فأهمها الأغنام والأبقار والدواجن وهي تشكل مصدر دخل لكثير من أهلها.
كان لإكتشاف النفط فيها في عقد الثمانينات أثر كبير على أهلها حيث توقع أهلها نمواً إقتصادياً كبيراً بعد سنوات الفقر التي عاشها أهلها والذي اضطرهم للهجرة إلى دول الخليج أو هجرة داخلية إلى المحافظات الأخرى من أجل العمل بسبب تهميشها وعدم وجود معامل أو مناطق صناعية وتجارية فيها كذلك فقد التحق الكثير من أبناءها بالجيش متطوعين وذلك من أجل تأمين لقمة العيش وقد سكن الكثير منهم في المحافظات الأخرى خاصة دمشق وحلب وغيرها.
لكن ما تأمله أهالي المحافظة من اكتشاف النفط فيها لم يحصلوا عليه فقد استقدم النظام لعمال وموظفي هذا القطاع كما فعل مع قطاعات أخرى من خارج المحافظة فيما كانت كوادر المحافظة من عمال ومهندسين وأيد عاملة تعاني البطالة والبحث عن عمل ففي وقت كان فيه عمال النفط ومهندسيه هم من أبناء المحافظات الأخرى خاصة الساحل السوري والذي يشكل الحاضنة الشعبية للنظام كان أبناء المحافظة من مهندسين وفنيين يبحثون عن أي عمل يسد رمقهم ورمق أبنائهم
في التاريخ الحديث كانت متصرفية في العهد العثماني ومن أوائل المدن التي تحررت من الاحتلال الفرنسي وقاومته حيث شهدت قيام عدة ثورات كثورة العنابزة وبطلها حمود الحمادي وثورة البوخابور والتي شهدت إحراق 13طائرة فرنسية جاثمة في مطار دير الزور وقدمت في سبيل تحريرها العديد من الشهداء
رجالاتها المعروفين
رمضان باشا الشلاش أحد القادة العسكريين والذي قال عنه تشرشل الزعيم البريطاني إن لبريطانيا العظمى عدوين في الشرق لينين في الشمال ورمضان شلاش في شرق سوريا ، ومنها الشاعر محمد الفراتي والعلامة محمد سعيد العرفي والمفكر اليساري ياسين الحافظ والسياسي السوري جلال السيد والشيخ حمود الخزام الذي كان يسمى بلغة أهلها (العارفة )وهو الرجل الذي يفض المنازعات حسب الأعراف والقوانين العشائرية والإسلامية.
كان أبناء دير الزور في عقد الستينات في مناصب مختلفة في الحكومة والجيش وقد كان منها عدد من الوزراء حيث كان رئيس الحكومة قبل انقلاب حافظ الأسد والذي سمي زوراً الحركة التصحيحية من أبناء دير الزور وهو الدكتور يوسف زعين.
في ظل نظام الأسد
شهدت محافظة دير الزور في عهد النظام تهميشاً كبيراً منذ وصول حافظ الأسد ونظامه إلى السلطة فبدأ بالتنكيل بأبنائها وزجهم في السجون فور استلامه السلطة بذريعة مناوئة حركته التصحيحية وقد كان حقده عليها كبيراً بسبب رفضهم لاستلامه السلطة ووقوفهم في وجهه
فلم يزر حافظ الأسد محافظة دير الزور طيلة فترة بقائه في الحكم والتي استمرت 30عاماً فالمحافظة التي كانت سلة سوريا الغذائية وكنز ثروتها النفطية لم تحظ بأي اهتمام فبقيت بنيتها التحتية بالية وقديمة ولم يبنى فيها أي معمل أو مصنع كبير يساهم في نهضتها الاقتصادية رغم الإمكانات التي تملكها والمواد الأولية والخام التي تحتويها واليد العاملة الخبيرة والمتوفرة
وطيلة فترة وجوده في الحكم لم تبنى في المحافظة منشآت كبرى سوى القليل من المراكز الصغيرة كما أنها لم تشهد تشييد أي مركز تعليمي وبقيت كلية الزراعة هي الكلية الوحيدة في دير الزور إضافة للقليل من المعاهد في حين كانت مدن صغرى تحتوي على عدد أكبر من المراكز التعليمية، كما كان قبول أبنائها في الوظائف وخاصة الحساسة والعليا صعب للغاية ومحدود كذلك قبولهم في صفوف الكليات الحربية ليكونوا ضباط في الجيش كان محدوداً.
وكان للفقر الذي يعانيه أهلها السبب الأكثر تأثيراً في عدم متابعة تحصيلهم العلمي العالي فكانوا يكتفون بدراسة المعاهد الموجودة في دير الزور بالإضافة لكلية الزراعة بسبب ضيق ذات اليد رغم حصولهم على درجات تؤهلهم دخول كليات كالطب والهندسة لكن بعد المسافة واضطرار أبنائها لاستئجار بيوت بالإضافة لتكاليف الدراسة من مواصلات وغيرها كما أن تقاليد أبنائها أعاقت دراسة البنات خارج المحافظة وبسبب عدم وجود كليات متنوعة كذلك فلم يكن أبنائها يحصلون على حقهم في التوظيف بأجهزة الدولة المدنية
بسبب استشراء الفساد والرشوة والمحسوبيات للدائرة المقربة من نظام الأسد من الأقارب والأصدقاء ، كان هذا التهميش مبرمجاً وممنهجاً على كافة الأصعدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً فقد كانت دير الزور تعتبر منفى للمغضوب عليهم من قبل أجهزة النظام وظهر ذلك حتى في وسائل إعلامه ومسلسلاته ، بل وصل الأمر إلى النشرة الجوية والأخبار الرياضية كما كان يتندر أبناء المدينة.
هذا الاستبعاد والتهميش جعل المحافظة من أوائل المحافظات التي ثارت ضد النظام وخرج أبنائها منذ الأيام الأولى للثورة وبأعداد غفيرة وصلت مئات الآلاف وكان لها دور في الحراك الشعبي الثوري السلمي وقدمت العديد من الشهداء والجرحى وقام النظام بالإنتقام منها شر الإنتقام مدمراً بنيتها التحتية وحارقاً البشر والحجر
لكن التهميش بقي موجوداً من مؤسسات الثورة بالرغم من وجود ممثلين للمحافظة في المجلس الوطني والإئتلاف لكن بقي التهميش خاصة من المؤسسات الإعلامية الثورية التي لا تكاد تذكر المحافظة في تهميش متعمد منها حتى بأعداد الشهداء والمصابين.
هذا التهميش دفع ناشطي المحافظة للمطالبة بحق المحافظة في تسليط الضوء عليها وعلى معاناتها تحت حصار النظام وتنظيم الدولة التي قاتلته المحافظة منفردة لمدة سبعة أشهر دون أي مساتدة من أي فصيل من المحافظات الأخرى في حين يروي أبنائها تراب سوريا من أقصاها إلى أقصاها دون منة منهم لأنهم يعلمون أن سوريا واحدة وأن الثورة كل لا يتجزأ.