عمر سيف-ديرالزور24
بعد سيطرتها على مناطق واسعة في العراق وسوريا، أعلنت داعش قيام ما سمته الدولة الإسلامية في العراق والشام، وأزالت الحدود بين الأنبار العراقية والبوكمال السورية، وبدأت في تشكيل أجهزتها العسكرية والأمنية والمدنية , والتي شهدت في البداية تخبطاً وتضارب وتداخل في عمل هذه الأجهزة، التي أطلق عليها اسم دواوين.
ديوان الحسبة
هو الديوان الأكثر تماساً مع الناس واصطداماً بهم، ويسعى حسب السبب الذي ادى لإنشاءه إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، خاصة فيما يتعلق بالمظاهر العامة، وهو الديوان الأكثر كرهاً بين فئات المجتمع بسبب معاملة عناصره الفجة في تطبيق قراراتهم، الأمر الذي تسبب بخلافات ومشاكل عشائرية مع داعش الذي يركز في عمله على تطبيق المظاهر الخارجية للدين الإسلامي كالتركيز على تربية الذقون والملابس والدخان وغيرها.
دواوين الشرطة والقضاء
مهمتها حفظ الأمن والعمل على قمع المخالفات وجمع السلاح من الأهالي والجرائم وتحقيق العدالة حسب ما وضعوه من قوانين وأحكام تحقق وجهة نظرهم.
هذه الدواوين الثلاثة والتي اهتم بها داعش بشكل خاص، ساهمت في تحقيق الهدوء والأمن وكبح جماح الإنفلات خاصة في قضايا حمل السلاح والاستخدام المفرط له , وهو أمر لا يختلف عليه إثنان رغم أنه يخضع لميكيافيلية في التعامل تعتمد مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، لكن مع ذلك حققت داعش هدفها من هذه الإجراءات وهو تثبيت وجودها وقمع كل ما من شأنه أن يقف في طريقها، أما القضاء فهو على ما يبدو اتخذ منحى مسيس أكثر وأصبح وسيلة لتحقيق أهداف داعش , وتصفية خصومها تحت ذرائع وفتاوى شتى.
الديوان الآخر هو ديوان الخدمات
وهو المشرف على الأعمال الخدمية والبنية التحتية والمرافق وغيرها، ورغم فقر داعش وعدم وجود كفاءات من هذا النوع في صفوفها، إلا أنها استفادت من الخبرات الموجودة عن طريق دفعها للمبايعة أو توظيفها من اجل خدمة العمل في تلك المؤسسات عن طريق مبدأ الترغيب والترهيب.
في مجال الخدمات العامة لم يحقق ديوان الخدمات المطلوب منه، فمناطق سيطرة داعش تفتقر لأغلب الخدمات العامة، كالكهرباء والماء النظيف والهاتف وقد نجحت بشكل لا يذكر في بعض المناطق مع الإشارة على أن عناصرها المبايعين يحصلون على هذه الخدمات دوناً عن باقي الناس، النجاح في بعض المناطق يعود لوجود كفاءات من أبناء تلك المناطق عملت من أجل خدمة منطقتها، كذلك الأمر في عمليات الترميم التي لم تنجح داعش في إعادة الحياة لكثير من المرافق واعادة تشغيلها بسبب نقص الخبرات والتجهيزات.
ديوان الزكاة
وهو اشبه بمؤسسة الضرائب فعدا عن الزكاة التي يعتبرها داعش حقاً له ويقوم بتحصيلها تحت أي ظرف، حيث تعمل دورياته على جمعها، فرضت داعش الكثير من الرسوم والضرائب على الخدمات الغير موجودة وعلى المخالفات في جميع المجالات، مما أثقل كاهل الناس الموجودة في مناطقها، هناك ضرائب لم تكن موجودة حتى في عهد النظام، كذلك اعتمدت على المخالفات والتي وصلت مبالغ خيالية، كما وصلت بعض المخالفات حد الغرابة مثل ضريبة لبس البنطال من قبل الرجال وضريبة استخدام _الدش_ الصحن اللاقط للقنوات الفضائية.
ديوان الصحة
تراجع الواقع الصحي في ظل سيطرة داعش لعدة أسباب أهمها، عدم قدرتها على تأهيل المراكز الصحية والمشافي وعدم وجود الكفاءات بين عناصرها من أطباء وممرضين ومسعفين حيث اعتمد على عاملين الذين لا يرقى بعضهم لمستوى العمل الصحي في خبرته وعمله،حيث سلمت إدارة المشافي لممرضين أو عاملين صحيين كما حصل في مشافي الميادين، كما عملت على اقامة دورات لأناس لا يملكون أي خبرة طبية أو شهادة دراسية تؤهلهم لممارسة اعمال فيها خطورة على أرواح الناس مثل تأهيل طاقم تخدير من فتيات لا يملكن أي خبرة بل وبعضهن لم يحصلن على شهادات دراسية عالية تؤهلهن لمثل هذا العمل، كذلك كان لهجرة الأطباء بسبب التضييق الأمني عليهم وبسبب التناقض في القرارات الخاصة بالأطباء وسوء تطبيقها وبسبب تعامل عناصر داعش معهم بصورة غير لائقة مع الكوادر الصحية، فقد أصدر ديوان الصحة العديد من القرارات مثل منع أطباء النسائية والجراحة التجميلية وغيرهم من العمل، كذلك التضييق على عمل المخابر والصيدليات وغيرها من المرافق الطبية، مما تسبب بنقص حاد في الكوادر كذلك هناك شبه انعدام للقاحات بسبب رفض داعش التعاون مع المنظمات الدولية بوصفها كافرة لا يجوز التعامل معها، الأمر الذي أدى لانتشار بعض الأمراض التي كانت قد اندثرت، كما تم اعتقال عدد من الاشخاص بسبب محاولتهم تأمين تلك اللقاحات بصورة فردية.
ديوان التعليم
وهو الأكثر فشلاً في عمل داعش اذ وبعد ما يقارب العامين من سيطرتها على المنطقة،لم تصل لمنظومة تعليمية حقيقية بل شهدت تخبطاً في قراراتها، فلا يوجد منهاج محدد ولا خارطة تعليمية لمواد محددة، حيث الغيت العديد من المواد تحت حجج وذرائع واهية ومن ثم توقفت العملية التعليمية برمتها، فبقي الأطفال والشباب بدون تعليم وللسنة الثانية , بالرغم من محاولة ديوان التعليم استغلال المساجد وتحويلها لدور تعليم وتجنيد خاصة للأطفال،حيث عملت على تسويق افكارها وغسل ادمغة الاطفال لكن الفشل كان حليف اغلب تلك المحاولات.
بهذا فشلت داعش في أن تكون شكلا للدولة فهي لم تحقق أي من مقومات الدولة ولا اجهزتها الحكومية رغم الهيكلية المزعومة لها فالدولة تحتاج لخبرات وكفاءات، واستراتيجيات لم تنجح في ايجادها، عدا عن المسائل الكبرى المتعلقة باستراتيجيات الاقتصاد والاجتماع والعلاقات الدولية، فلم تصل داعش لمفهوم الدولة بل هي أشبه بتنظيم قبلي قائم على العمل العشوائي غير المنظم.