This post is also available in: English
كان الحنين والشوق يجذبني إلى الريف
ترى كيف تبدو الحياة هناك ؟؟
وكم تكون سعيدة في نظري تلك المرأة التي تعيش وسط الخضرة والماء ؟؟
علما أن هذه الاجواء تجعل من يعيش هناك نَظِرًا مدى الحياة
تجولت في ارجاء المدرسة التي كان من المقرر أن يكون فيها دروس محو الامية للنساء
التقيتها عند أطراف المدرسة لفتت نظري بثوبها المزركش والشال الذي التهم نصف وجهها الجميل الذي بانت عليه ملامح شمس تموز
تجاذبنا أطراف الحديث وكان اسمعها فاطمة
سألتها عن سبب عدم تعليمها ؟
قالت : كنت من الطالبات المتفوقات وكلما نظرت إلى التلفاز أرى المعلمة والقاضية والطبيبة وأرى المثقفة المتحدثة والجريئة بالسياسة والناعمة بالحديث والمحاورة الذكية
أقول في نفسي لم لا أكون مثل واحدة منهن ولكن في كل مرة أواجه الرفض من أهلي وهذا ما كان يشعرني بالخيبة ربما سنة أو سنتان سأترك المدرسة عاجلا أم آجلا لأنني لست ولد .
أدركت هنا الفرق الواسع بين أن تكون ذكرا أو أنثى فللذكور النصيب الأكبر .
– سألتها هل سمعت بالحديث الشريف وتفسيره أن المراة ناقصة عقل ودين
– اجابت :تابعت برنامجا على التلفزيون في احدى سهرات رمضان وقد فسرها احد علماء الدين ان نقصان العقل لدى المرأة صحيح وهذا جاء من زيادة العاطفة لديها ، وقد نجده في بعض الاحيان لدى الرجل عندما تزداد عاطفته على وعيه قد يتخذ قرارات غير صائبة
– . سألتها برأيك اذا المرأة مظلومة لان الله خلقها عاطفية اكثر ، مما سبب بنقص عقلها !
– أجابتني وقد لمحت الرقة في ردودها : ان عاطفتي تساعدني في تربية اولادي والعناية بأسرتي وتحمل كل مصاعب الدار اضافة الى الحمل ورعاية الطفل وما شابه
– بعض الرجال مقتنعين بهذا التفسير وهنا توقفت وضحكت قائلة
– “وبعضهم لو النبي محمد يفهمهم بنفسه مارح حدا يقتنع”
سألتها وهي مطأطأة الرأس
أنت أمرأه ذكية ولماحة يبدو أنك متابعة ومهتمة بأمور المرأة
لماذا ترغبين بالدراسة وتتركينها طوعا ؟
رفعت رأسها وهي تفتح عيونها على وسعها ….أتركها طوعا؟؟؟؟
ردت قائلة :ما الذي تقولينه يا أستاذة
ليس هناك في قانون العائلة شيء اسمه طوعا ..
ارتجف صوتها وهي تردد جملتها الاخيرة وكانت تلتفت حولها كي لا يسمعها أحد
سألتها هل تقرأين أمامي شيء من دروس القراءة
ضحكت بخجل وقالت أخاف ان أخطئ ويضحك أخوتي الصغار
وهم يقرؤون بطلاقة وأنا لا أعرف ذلك
سألتها وكلي ثقة أن من يقف حولها هم اخوتها او أحد من أقاربها ولكني صعقت حين علمت أنهم أبناءها
هل أنت متزوجة ؟
ردت علي وقد خنقتها العبرة :
تزوجت وأنا صغيرة جدا حتى أنني لم أكن أعرف كم هو عمري وعندما دخلت بيت الزوجية كانت الافراح والدبكة
في عامرة في غرفتي لمدة لم تتجاوز الاسبوع لم أكن فيها أسمع سوى أصواتهم فيما بعد وفي السادسة صباحا
كنت أحلب البقر وأجلب الاكل للماشية وأقوم بكل شيء مالم اكن اعلم به قبلا واجهله مثلما اجهل اين انا ؟ ولأجل من تغيرت حياتي ؟.ولم ادرك الرد على اسئلتي هذه الا بعد مرور سنوات من عمري أصبحت لدي فيها أسرة وزوج واولاد وكثير من المعاناة والتعب والارهاق لم اشعر حينها بمرور الايام والسنين
سألتها هل يساعدك زوجك بتنظيف البيت والاهتمام بالاولاد وعندي سلفا جوابها ولكن أحببت ان أسمعه منها “لغاية في نفس يعقوب “؟
ضحكت السيدة فاطمة وقالت أكيد لا أنا أعمل في البيت وللأولاد والحقل وتربية الدواجن طوال النهار
وعندما يعود زوجي مساء أتابع دلاله وتلبية رغباته وليس من حقي الشكوى .
قلت لها اذن انت من صنف المرأة المنتمية الى واقع الرجل وحياته،
ردت علي بثقة نعم إذ اشاركه كل همومه وأحزانه وتفاصيل حياته،
واكون دائماً حاضرة للإجابة عن تساؤلاته وكفيلة بزرع الابتسامة على وجهه في أشد لحظات قلقه.
وأكملت قائلة حين اكون هكذا اجزم تماما انه من الصعب أن ينساني لأنني أكون قد ارتبطت بكلّ ذكرياته وبكلّ تفاصيله الدقيقة. وربما اكون قد عوضت شيئا مهما في حياتي لست قادرة على تغييره
-سألتها عن السنين التي تمر متتالية وتتراكم بها الكثير من الأمنيات التي تحقق منها الكثير ومنها ما أمسى خائباً فمالذي تحقق من أمنياتك؟؟
.. اجابت :هُنالك مُجرد أمنيات طائشة تحققت .. ولكن اهم امنياتي نجاح أولادي وبناتي ومتابعة تعليمهم حتى اعوض مافاتني من علم ومعرفة وخدمة الناس والبلد
ثم نظرت بشغف الى وجه طفلتها الكبرى وقالت انظري يا استاذة هذه ريم فلذة كبدي الكبرى ساهتم بها ما استطعت ليكون لها مستقبل ومكانة أفضل ولها السبق من بنات جيلها بالذكاء والفهم والجراة والقدرة على التعبير والتفوق في مجالات الحياة
فإن أحياني الله ساجعل منها مثلا يحتذى به في المستقبل
………………….
لمحت في عينيها بريق الامل وانها ستضع في ريم ..هذا الوجه الطفولي الشفاف كل احلامها وأمانيها
هنا توقفت عن حوارها حين اجتمع غالبية نساء القرية وبدأ الدرس
وبقي سؤال عالق في ذهني
متى ستكون المحبة والرحمة أساسا في حياة أبناء وبنات الريف
ومتى تحصل فاطمة وهؤلاء النسوة على حقها كأنثى
…………….
الأميرة الفراتية