جلسنا سوياً ودار الحوار بيننا
قلت لها :
لماذا أرى الحزن في عينيك سحباً متناثرة
هل هو البعد عن الوطن والغربة والنزوح
قالت :
أخاف من كل ما حولي أخاف من التحدث
مع أي أحد لا أعرفه . ويتوه عقلي بعيداً .. حتى غدوت
أبتعد من أي مواجهه مع الناس حتى أقاربي
ولا أريد الغوص في أي مسألة تتعلق بما جرى . حتى أصبحت وحيدةً تماماً
قلت لها :
صديقتي بهدوء نبحث هذه المشكلة
بماذا تفكرين وهل جرى لك أمر فوق طاقتك
قالت : عندما أقابل أي إنسان أشعر بالخجل والخوف من المجهول
وأخاف من مواجهه اي شخص
وهذا يسبب لي الكثير من الألم النفسي
قلت لها :
كيف كانت طفولتك هل تذكرين ؟ وهل هناك شيئاً عالقاً في الذاكرة ؟
بدأت بسرد القصة وقالت
حين بدأت حياتي وتفتحت عيناي على الدنيا كان كل شيء بيد أخي الاكبر
كان عدد البنات في عائلتي أكبر من عدد الذكور
وكل ماهو متاح هو للذكور فقط وبدون ادنى مناقشة
قلت لها:
هل تعرضت للقهر والاضطهاد من قبل والديك أيضاً
قالت : لا أبداً كانا حنونين إلى حد ما ولكن سلطة أخي الأكبر كانت تفوق الوصف
حتى أنني بتٌّ أخافه أكثر من والدي
سألتها :
بم كان يتدخل وكيف استطاع إخماد شخصيتك الى هذه الدرجة
قالت : كان يتدخل بكل كبيرة وصغيرة في حياتي
يعتبرني الفتاة المتمردة في العائلة لأنني كنت أحاول ابداء الرأي في بعض أمور المنزل والحياة والعلاقات العائلية
وطالما كان رأيي هو الصائب حتى بدى لي أحيانا أنه يشعر بالغيرة مني لشدة ذكائي
سألتها :
هل تشعرين بعد كل ما تحدثت به الان بعدم الثقة بنفسك ؟
قالت : كيف لا
أشعر بأني معدومة الشخصية أشعر بعدم القدرة على اتخاذ أي قرار ولو كان بسيطاً ومايليه من التردد المتكرر والخوف الدائم من الفشل أو من نظرات الغير والخوف من تحمل المسؤولية والاعتقاد الخاطئ بعدم القدرة علي الانسجام مع المجتمع
أو تكوين كيان خاص لي
سألتها
ماقولك في أخيك الأكبر وقد مضت أعوام كثيرة
وأنتِ متزوجة ولديك أولاد وما تأثير ما حصل لك على أطفالك؟
أجابت أكنّ لأخي كل الحب ومن ناحية اخرى
أحاول تشجيع أطفالي وأعودهم على الثقة بالنفس ،
وكذلك توفير قدر كاف من الرعاية والعطف والمحبة
والابتعاد عن نقده باستمرار وخاصة عند اقرانه اواخوته
والعمل على تدربيه في تكوين الصداقات وتعليمه فن المهارات الاجتماعية
ومحاولة الثناء على انجازاته ولوكانت قليلة
سألتها :
ماذا عن الحوار في عائلتك هل كان شبه معدوم ؟
تقريبا لم يكن هناك حوار كل فرد من العائلة مشغول بأعماله
لذلك عزمت أمري على
أن أشجع أطفالي على الحوار معي ومع الاخرين
قلت لها
هل بإمكانك التغلب على كل هذا وهل وجدت السبيل؟
قالت لي
: سأجلس مع نفسي
سأبتعد عن كل شيء يشعرني بالخوف والحرج
لن يكون ذلك صعباً
سأحاول أن أكون أنا وبكامل قدرتي على الحياة من جديد
ما حصل لي في غربتي ونزوحي عن الوطن هو أكبر درست تعلمته في الحياة
في زمن الممنوع هذا ………..
ممنوع من الكلام
ممنوع من الرؤية
ممنوع من الهجرة
ممنوع من الحياة
نسفت كل خوف بداخلي وتجاوزت أصعب مراحل الحياة رغم ماهو مزروع بداخلي منذ صغري
أكتشفت أن لدي الكثير
قلت لها : الإرادة .. الإرادة .. ما عليك سوى تحريك الفكر كالدفة التي تسير سفينة الحياه
هل تجدين نفسك عاجزة بعد نزوحك ؟
ردت علي بنبرة ملؤها الألم :
قمت بغربلة ما ترسب في عقلي من أشياء جيدة ورديئة وذلك بأبعاد الرديء في سلة المهملات ثم زرعت داخلي حب الناس والجهاد لأجل البقاء بشخصية قوية ..
وهذا ليس بالسهل ولكن يتطلب مني المحاولة والاستمرار
انتهى حواري مع سالمة ودعتها بقبلة على جبينها
وبعد مضي عدة شهور
قابلتها بالصدفة وكان حولها مجموعه من
أصحابها وصويحباتها قابلتني وأخذتني بالحضن وعرفتني عليهم
برشاقة وقالت لي أنا سعيدة جداً
تخلصت من همومي وغيرت دفة حياتي وبدأت من جديد
حيث تغلبت على الشعور بالغربة والوحدة وأنا أعمل الآن لمستقبل أطفالي
تركتها وقد غمرتني سعادة خفية وسرت في الطريق وأنا أفكر…
لو الإنسان راقب أفكاره وأتجه بها في الإتجاه السليم ستكون أفعاله هي الأجمل
……………..
الأميرة الفراتية