This post is also available in: English
الصراع الإسرائيلي الإيراني على أشدّه وسوريا هي ساحة القتال، ولكن الطائرات سواء الإسرائيلية أو المجهولة والتي تستهدف المقرات العسكرية والمستودعات، تجد صعوبة في تنفيذ هذه العمليات حين تكون بين المناطق الآهلة، وهذا بالذات ما سعت وتسعى إيران للقيام به، فعمليات شراء العقارات بأثمانٍ بخسة والاستيلاء على عقارات المهجّرين، والتي تعود ملكيتها إلى أشخاص لا يستطيعون تسوية أوضاعهم مع الأسد، ما هي إلا محاولات لزرع المنطقة الآهلة بالسكان بأدوات المعركة المفتوحة مع الطائرات والغارات، التي تزداد وتيرتها، غير آبهة بمصير المدنيين الضحايا الوحيدين في مثل هذه الحالات.
لا شكّ أنّ التواجد الإيراني في سوريا هو أمر فرضته الظروف المترافقة مع الفوضى التي اختلقها النظام السوري بلجوئه للعنف ودفعه بالآخرين لحمل السلاح في وجهه، فالنظام السوري المسؤول الأول والأخير عن استباحة سورية أمام إيران وغيرها ومن القوى، لكن التواجد الإيراني هو الأخطر بالنسبة للسوريين، وذلك أنّها لا تؤدي مهاماً عسكرية ومصالح اقتصادية وسياسية كما تفعل روسيا فحسب، بل تسعى لأن تثبّت أقدامها في سوريا على عدة مستويات، فهي تحاول اختراق المجتمعات السورية عبر نشر التشيّع والقيم الثورية في فكر الخميني “تصدير الثورة”، وتحاول تغيير هوية الكثير من الأماكن عبر تشييعها ومحاولة جعل التشيّع أمراً معتاداً، إذ إنّ الأقلية الشيعية في سوريا كانت طوال تواجدها محدودة وغير مرتبطة بأجندات قبل لجوء إيران إلى استخدامها، لا سيما إبان الثورة السورية، لتصب جلّ عملها في سوريا بعد أن استحكمت في العراق وقراره السياسي والعسكري.
والمتابع للشأن الإيراني وتحرّكاته في سوريا والعراق يُدرك أنّ إيران سارعت للدخول على الخط في انتشال النظام السوري من مستنقع السقوط إتماماً للهلال الشيعي الذي تسعى لاستكماله، وذلك عبر تأمين ممر من طهران إلى بيروت يمرّ من طهران ودمشق، وفي سوريا تركّز إيران على مدينة البوكمال الحدودية وتوسّع نفوذها عبر الميليشيات التي تسيطر على أجزاء كبيرة من مدينة البوكمال السورية، وقد ذكر تقرير لصحيفة “ذا أوبزرفر” البريطانية أن ”ميليشيات اللواء 47 من كتائب حزب الله العراقية المدعومة من الحرس الثوري سيطرت على أجزاء كبيرة من مدينة البوكمال تحت قيادة قائد عسكري إيراني متشدد يدعى (حاج عسكر)“.
البوكمال تحت نيران الطيران المعروف والمجهول
تعدّ البوكمال إحدى النقاط الهامة والرئيسية لإيران من العراق وسوريا إلى لبنان، ومن هنا يفهم لماذا ساهمت إيران في السيطرة على المدينة في سباق قبل الجميع بعد أن كانت تحت سيطرة تنظيم داعش، لكن التقرير البريطاني أشار كذلك أنّ السيطرة على البوكمال بشكل كامل من مختلف النواحي هي أحد مشاريع “الهلال الشيعي” من العراق وسوريا إلى لبنان.
تلقّت إيران وتتلقّى ضربات موجعة من قبل طيران إسرائيلي وآخر مجهول الهوية معروف الهدف والغاية، فالضربات تركّز على القواعد العسكرية وشحنات الأسلحة والمستودعات التي تجتهد إيران في إخفائها، كما أنّ إيران تتكتّم عن حجم الأضرار العسكرية والبشرية في هذه الضربات، وخاصة أنّها تعتمد في تلك المناطق على الميليشيات التابعة لها من أفغانية وسورية ولبنانية وغيرها.
وتُعد البوكمال المدينة الأهم بالنسبة لإيران، حيث تؤمن مصدراً لنقل السلاح فضلاً عن تهريب المخدرات بأنواعها من وإلى سوريا، إذ صارت سوريا أحد نقاط الارتكاز لهذه التجارة التي تدرّ الكثير من المال لتمويل مشاريعها في بقاء استراتيجي طويل الأمد ومحاولة فرض التشيّع وتغيير هوية مدن مثل البوكمال.
ماذا عن المدنيين؟!
إنّ الأسوأ فيما يجري هو محاولات إيران المستمرّة لنقل مقرّاتها وبعض نقاط المستودعات والأسلحة إلى داخل المدينة بين منازل المدنيين في محاولة لإبعاد شبح الغارات الجوية التي ستتردّد كثيرا قبل أن تنفذ هجوما على نقطة ما بين المدنيين، لكنّها تعرّض بذلك المدنيين للخطر غير آبهة بحياتهم.
فالبوكمال مدينة مستباحة لإيران تسيطر عليها وعلى قراراها وتتحكّم برقاب أهلها، وقد تم توثيق العديد من عمليات السيطرة على العقارات التي تعود لمدنيين إما معارضين للأسد أو غير قادرين على العودة إليها في ظلّ سيطرة الأسد وإيران على المدينة.
وقد تحوّلت إلى ملاذ آمن لقيادات إيرانية وعراقية مطلوبة للتحالف الدولي وكانت تقارير ومصادر إعلامية ذكرت أنّه في الأشهر الماضية نقلت شحنات سلاح ضخمة محملة بعربات تمويه تحمل الخضار من العراق إلى سوريا، وقد تم استهداف الكثير منها خشية من تحوّل البوكمال لقاعدة سلاح خطيرة ومتنفّس للسلاح الإيراني وبخاصة ضدّ الوجود الأمريكي شرق الفرات.
وتحاول إيران تكثيف الجهود لتحقيق نقطة الاتصال والاستفادة القصوى منها وهي الأكثر أهمية بين طهران وبيروت مروراً بالعراق وسوريا
وفضلاً عن أعمال العسكرة فإنّ إيران تفتتح مراكز ذات طابع إيراني مذهبي، تدرّس اللغة والتاريخ الفارسيين وتركّز على إقامة طقوس شيعية في بحر من المجتمع السني في المنطقة، وتحاول تغيير هوية المدينة، ولا يخطئ الناظر إلى المدينة مدى تأثرها بالسيطرة الإيرانية.