عادة ما يذكر التاريخ العلامات الفارقة التي يكون ما بعدها ليس كقبلها، هناك منعطفات يتوقف عندها الزمن بخشوع ولا يغادرها إلى محطات النسيان دون أن يحمل معه من عطرها شيئاً، الثورة السورية منذ انطلاقتها وهي تقدم أمثلة حية على البطولة كل مشهد فيها يحتاج إلى مئات التحليلات والدراسات تتمعن فيه، من قلب الألم والأمل انطلقت حناجر شباب محافظة دير الزور، تهتف من مسجدي عثمان والصفا تنادي بالحرية، شباب شجعان حملوا على عاتقهم إشعال فتيل الثورة، قدموا أنفسهم قرباناً على مذبح الحرية، يحملون أرواحهم على أكفهم.
بدأ الثوار في ديرالزور بعمليات بسيطة ضد حواجز النظام، حيث لم ينته العام 2011حتى بدت ملامح تشكيل مسلح تظهر في المحافظة، وكان أهل مدينة دير الزور يسمعون أصوات الرصاص ليلاً لتنطلق الألسنة بقصص البطولة صباحاً، كانوا شباباً صغاراً يتقدمهم بعض الرجال الذين دأبوا على حماية المظاهرات السلمية، واستهداف عناصر الأمن ودب الرعب في نفوسهم، كانوا كالأشباح بل أن بعضهم أصبحت تدور حوله القصص، كل هذا كان إرهاصات لظهور الجيش الحر، وإماطة اللثام عنه كمارد خرج من قمقم الثورة وكان تاريخ 18/3/2012 فارقاً، وبداية لظهور الجيش الحر في محافظة دير الزور ليبدأ رحلة التحرير الطويلة، هذا التاريخ يعرفه كل أهالي مدينة دير الزور وثوارها، ففيه حدثت ما سميت فيما بعد معركة الرصافة كان عناصر الجيش الحر يتوزعون على كتيبتي عمر وعثمان، اللتان تم تشكيلهما بين مدينة دير الزور ومدينة موحسن، وكان عناصر الكتيبتين يتناوبون العمل في المدينة وينصبون الكمائن لعناصر النظام ويحمون مظاهرات المدنيين، يؤمن لهؤلاء الشباب المختفين عن الأنظار نهاراً يجوبون المدينة كالأشباح ليلاً، فيما كانت مجموعة من الشباب من ناشطي الثورة ومتظاهريها قد دأبوا على دعم هؤلاء العناصر مادياً، وتأمين طلباتهم وطعامهم في منازلهم أو منازل أصدقائهم، كما كان لبعض الشباب مهمة تسهيل الاتصال والتنقل لهم كذلك مراقبة الطريق، وتأمين معلومات عن عناصر النظام والمتعاملين معه.
أحداث الليلة السابقة
في الليلة التي سبقت المعركة كان عناصر الجيش الحر، قد توزعوا على مقراتهم في مجموعتين واحدة في مدينة موحسن، وأخرى في منطقة حي الصناعة في دير الزور، حيث أقاموا في ثلاث شقق في مشروع الرصافة السكني، وفي هذه الليلة كان قد وصل عناصر جدد من المنشقين تم استقبالهم من قبل هذه المجموعات، والذهاب بهم إلى بيوت الرصافة، وبعد استقبال العناصر الجدد نام الجميع قرابة منتصف الليل، كان الهدوء يسيطر على المنطقة خاصة أنها منطقة جديدة البناء، ولا يوجد بها ساكنين كثر.
وفي الصباح استفاق عناصر الجيش الحر، على أصوات وهمهمات وأصوات آليات عسكرية، لم تمهلهم كثيراً، فقد اخترقت القذيفة الأولى جدار إحدى الشقق التي يسكنها العناصر، واستشهد على أثرها أحد مقاتلي الحر، بدأ الثوار بالتحرك السريع، ولم شملهم كل في منطقته، فقد كان الأمر مفاجئاً، فقد كانت قوات النظام، وبوشاية أحد عملائهم، قد عرفوا مكان عناصر الجيش الحر، فعملوا على تطويق المبنى من كل جهاته، وبأكثر من طوق حول البناء، من أجل القضاء عليهم.
النصر صبر ساعة
كان تعداد قوات النظام حسب مصادر من قلب القوات 200عنصر، ومجهز بأسلحة خفيفة ومتوسطة، ومساندة من مدرعات ودبابات ومن مدفعية الجبل المطل، على المنطقة كانت الحملة العسكرية، بقيادة الرائد في جيش النظام أيهم الحمد، وهو ابن أخت آصف شوكت أحد أعمدة النظام آنذاك،
كان النظام يعد لعملية خاطفة يطوق بها عناصر الجيش الحر، وبعد دقائق استطاع أبطال الجيش الحر تجميع أنفسهم وإعادة توزيعها في الشقق الثلاثة التي كانوا يقطنونها، حيث خاضت مجموعتان قتالاً عنيفاً وعن قرب، في حين أن إحدى المجموعات لم تشتبك بسبب اتجاه الشقة التي كانوا يسكنونها، وعدم وجود اتصال بين المجموعات الثلاثة، كانت كل مجموعة تقاتل منفردة، ولا تعرف عن المجموعات الأخرى شيء، حيث كانت أصوات التمهيد المدفعي من الجبل وقذائف الدبابات وال آر بي جي، تملأ المكان وأصوات،استمر التمهيد لعدة ساعات وبدأت مجموعات النظام بالاقتحام، أما الحر فقد صعد قسم منهم إلى السطح، من أجل إيقاف أي عملية، إنزال يقوم بها عناصر النظام، ووقف بعضهم على مداخل ومخارج البناء وأعلى الدرج من أجل منع صعود عناصر النظام، ورغم قلة الذخيرة والعتاد، وعدم وجود سلاح لدى عدد منهم، إلا أنهم صمدوا أمام مئات من جنود النظام، وكبدوهم خسائر فادحة.
الهزيمة والتشفي بجثث عناصر الحر
عند الظهر كان عناصر النظام قد دخلوا البناء بعد تدمير شبه كامل له، وكان قد سقط عدد من الشهداء في صفوف المحاصرين، في ذات الأثناء كانت معركة أخرى تدور خارج البناء، إذ ما أن سمع عناصر المجموعة التي توجد في حي الصناعة بما جرى حتى هبوا لنجدة زملائهم، رغم قلة الذخيرة وخاضوا معركة كبيرة من أكثر من جهة، محاولين فك الحصار عن أخوتهم المحاصرين، وفتح طريق خروج لهم سقط في هذه المعركة القيادي الحج محمود المحيسن شهيداً بعد إصابته بطلقة قناص.
أما في الداخل فقد كان عناصر النظام يمشطون البناء في ظل مقاومة عنيفة من أبطال الجيش الحر، والذين كانوا يغطون انسحاب زملائهم الذين بدأوا بهدم الجدران بواسطة اسطوانات الغاز وتأمين نفق لخروجهم من إحدى الجهات المقابلة لمنازل المدنيين، وكان عدد من المدنيين قد بدأوا بالتجمع والتظاهر لتشتيت انتباه الجيش.
مع فارق العدد والعتاد صعد عدد من عناصر النظام إلى سطح البناء، بعد خروج المقاتلين منه، فوجدوا جميع من على السطح من عناصر الجيش الحر قد استشهدوا، ولا يوجد مع أي منهم رصاصة واحدة فقد قاوموا حتى النهاية،حيث قام عناصر النظام وبحقد غير مسبوق بإلقاء شهداء الجيش الحر من سطح المبنى، المؤلف من ثلاث طبقات، في حين انتهت الحملة باستشهاد عدد من عناصر الجيش الحر والبالغ عددهم 21 بطل من أبطال الجيش الحر ومقتل عدد كبير من قوات النظام قدر عددهم حوالي 60 عنصراً،
شهداء الرصافة هم
الحاج محمود يوسف المحيسن قائد كتيبة عمر بن الخطاب-محمود الخلف البرجس-عبدالمنعم الخلف البرجس- عبدالله الخلف البرجس-يوسف خميس الستيفان- زياد محمود المتعب -عقبة يونس العبيد-أحمد يونس العبيد- ابراهيم حميد حميدي الصالح-محمد جاسم العبادة الصالح-ابراهيم أحمد الحمود-عز الدين الفناد-غازي فاضل العليوي -منذر محمود العبد العساف-ماهر عكف المناور-رافد علي الجابر-محمود بديع الجاجان-محمود غياث السندة-محمد حسين السخني-علاء الدين ابليلو- ابراهيم أحمد المعيوف.