رغم كل ما مرت به من ظروف قاسية من تهجير ونزوح وخوف وعدم استقرار وغربة في السنوات الأخيرة, خلال الأحداث التي تمر بها البلاد, فإن المرأة السورية استطاعت أن تثبت وجودها في كافة المجالات, وعلى جميع الصعد, وأينما وجدت, مستفيدة مما عاشته من أحداث, حيث جعلتها أكثر صلابة وقدرة على التكيف والتأقلم مع واقعها الجديد, نتيجة لما تتمتع به من قوة استطاعت أن تكتسبها خلال هذه السنوات مضيفة حصيلتها على مالديها من إرث حضاري وثقافي أصيل تتمتع به نتيجة ما في سوريا من مخزون ثقافي ضارب الجذور في التاريخ.
فقد استطاعت أن تنشئ تجمعاتها النسوية في مراكز تواجدها كبيرة كانت أو صغيرة لتثبت وجودها كعنصر فاعل في المجتمع وفي تحمل مسؤوليات وتبعات مايمر به الوطن, جنبا إلى جنب مع الرجل تارة وفي مساعدة النساء في هذه التجمعات تارة أخرى.
فعلى سبيل المثال لا الحصر , رصدنا في ولاية أورفا التركية العديد من المنتديات والتجمعات النسوية السورية التي مدت يد العون للمرأة السورية في المنطقة وفي مناطق أخرى, ومن هذه التجمعات منتدى “ورد البلد, تجمع نساء الغد, جمعية ناجيات سوريات وغيرها”.
وبرزت في هذا المجال العديد من الناشطات الديريات كـ (الشاعرة لميس الرحبي, نضال الشيخ, رجاء شعيب, حلا هزاع, هبة علوني, ميديا العبد الله ) وأخريات لا يتسع المجال لذكرهن, مع عدم إغفال الدور الكبير الذي يقمن به والأعمال الملقاة على عاتقهن, وعن بعض الأنشطة التي تقوم بها هذه التجمعات حدثتنا الشاعرة لميس الرحبي عن تجربة منتدى ورد البلد كونها تديره وهي التي أسست التجمع.
تقول “الرحبي” :
“أسسنا منتدى ورد البلد في ولاية شانلي أورفا التركية أنا ومجموعة من النساء, وتقوم فكرته على توعية وتمكين المرأة السورية للوصول لصنّاع القرار، كما يسعى التجمع لتمكين المرأة قانونياً لمعرفة حقوقها، وسياسياً للمشاركة في المؤتمرات السياسية الدولية، وخاصةً بما يخص محافظة ديرالزور”.
وتابعت “يقوم ورد البلد بحملات مساعدات للمحتاجين والأيتام, وتكريم المتفوقين من الطلبة, كما يقوم بدورات وورشات عمل تهدف إلى توعية المرأة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأقام العديد من المعارض وكان له مشاركات بمؤتمرات وندوات داخل وخارج أورفا”
وأوضحت “الرحبي” بسبب الإقبال الكبير من النساء والفتيات فقد انبثق عنه العديد من الروابط ك(رابطة أمل) التي تهتم بالتوعية المجتمعية والصحية والنفسية, و (رابطة تنظيم الأسرة) لخدمة النساء السوريات, (رابطة الأعمال اليدوية) وتُعنى بتدريب النساء على الأعمال اليدوية وإقامة المعارض, (رابطة تجمعنا) وتهتم بالصحة الإنجابية والدعم النفسي للنساء والناجيات من الإعتقال, (رابطة رياديات سوريات) التي تختص بأمور الطلبة وتمكين الفتيات للوصول لصناع القرار.
وجميع هذه الروابط لها إدارات مستقلة إلا أنها تتبع للمنتدى الأم, وتعمل معه بروح التشارك من أجل أن تعم الفائدة على الجميع, وقد استطاع المنتدى وروابطه أن يقيم العديد من المعارض والفعاليات الخاصة والمشاركة بأخرى عامة.
أما بالنسبة لتجمع نساء الغد, أوضحت السيدة نضال الشيخ “مديرة التجمع” أنه تجمع نسائي تأسس عام 2016م, يهتم بشؤون المرأة والطفل هدفه إعادة تأهيلهم ثقافياً ومجتمعباً وفكرياً ونفسياً وصحياً, ومركزه الرئيسي ولاية شانلي أورفا التركي, كما يوجد له فرع ثانٍ في مدينة تل أبيض التركية, ويقسم إلى العديد من المكاتب التي تهتم بالعلاقات العامة والصحة والتعليم والإعلام والشهداء والأيتام, بالإضافة إلى أمانة السر ومكتبي مديرة الرابطة وتل أبيض, وقد شارك في العديد من المؤتمرات والندوات داخل وخارج الولاية وقدم الكثير من البرامج على كافة الأصعدة, كما قدم العديد من المساعدات وأقام الدورات التدريبية للنساء في مجال التعليم للأطفال ودورة للتوعية بمخلفات الحرب وقدم برامج ومسرحيات من قبل الأطفال كمسرحية على الحدود.
وفي الحديث عن جمعية (ناجيات سوريات) فقد ذكرت الآنسة حلا هزاع أنهن مجموعة من النساء السوريات اللواتي خضن تجربة الإعتقال أو الاختفاء القسري في سوريا, على خلفية الرأي أو النشاط السياسي, ومن الداعمات لهن, وتعمل على طرح موضوع الاعتقال كأولوية على المستوى المحلي والدولي والحول دون استغلال ورقة الاعتقال كورقة مساومة في ظل التجاذبات السياسية, كما تعمل على مناصرة قضايا المعتقلين والمعتقلات الذين لازالوا في المعتقل أو مختفين قسرياً, والعمل على إطلاق سراحهم والمشاركة في كشف الحقيقة وتحقيق العدالة بتقديم الشهادات والأدلة للجهات القضائية ولجان التحقيق كي لا يفلت مرتكبي الجرائم والانتهاكات في سوريا من العقاب ولضمان عدم تكرارها , وأضافت, إن الجمعية تعمل على خلق شبكة أمان الناجيات وتسهيل اندماجهن في المجتمع ومناصرة قضايا المرأة بشكل عام ورفع الوعي بثقافة حقوق الإنسان والسعي لكي يكون للنساء عامة والناجيات خاصة دوراً فاعلاً في كافة المجالات, بما فيها السياسية وقد قامت بالتعاون مع العديد من المنظمات الحقوقية والنسوية الداعمة لقضايا المرأة والاعتقال وتمكنت من إثبات وجودها دولياً.
وبمتابعة ماقامت به هذه المنتديات والتجمعات من أعمال كبرى استطاعت أن ترتقي بفعل المرأة على كافة الصعد فقد لاحظنا الدور المميز للنساء الفراتيات بشكل عام والديريات منهن خاصة بإدارة هذه التجمعات والمشاركة في كافة فعالياتها ليصبحن رقما صعباً لا يمكن تجاوزه في المجتمع الآن ولا في مستقبل سوريا القادم.
بقلم: صفا التركي