أزمة حقيقية في مفاصل العملية التربوية بديرالزور على كافة الأصعدة، الكادرالتدريسي والأبنية والطلاب و مديرية التربية.
بهذه الجملة استفتح الأستاذ ياسر 33سنة كلامه، حيث كان أحد المدرسين في المدارس الواقعة في مناطق سيطرة قوات الأسد في حيي القصور بديرالزور قبل وصوله إلى تركيا منذ مايقارب شهر بعد هروبه من الملاحقات المتواصلة من قبل عناصر الأمن و المليشيات العسكرية المتنوعة في داخل ديرالزور.
وأردف الشاب:” عدد المدارس في الأحياء المأهولة بالسكان داخل مدينة ديرالزور لايتجاوز الـ 5 مدارس، مما خلق أزمة حقيقية في طاقة الاستيعاب الصفية، عدد الطلاب تجاوز الـ 70 في كل صف، مما يجعل التعليم في هذه الظروف أكثر صعوبةً وتعقيداً “.
و يؤكد ياسر أن الكادر التدريسي في تلك المدارس غالبيتهم غير اختصاصيين وإن صح التعبير “غير مؤهلين للتدريس” كون النسبة الأكبر من المدرسين في تلك المدارس هم من ملاك مسابقة المدرسين عام 2012 ذات العقود لمدة 5 سنوات، والتي ضمت حاملي شهادة الباكلوريا، دون حصولهم على شهادة جامعية أو معهد يؤهلهم للتدريس، علاوةً على الواسطات التي تدخلت في التعينات حتى على مستوى حاملي شهادات الباكالوريا.
بينما يفتقر الكادر لذوي الإختصاص من حملة شهادة المعاهد الخاصة بالمدرسين أو الإجازات الجامعية باختصاصات التعليم لعدة أسباب أحدها الملاحقات الأمنية المتواصلة بخصوص الخدمة الإلزامية أو الإحتياط، و هجرة النسبة الأكبر من ذوي الاختصاص إلى خارج القطر.
ويضيف المدرس الثلاثيني: ” تحولت الكثير من المدارس داخل حيي القصور والجورة إلى ثكنات عسكرية وأمنية، وبعضها إلى ملاجئ و مراكز إيواء للنازحين “.
لم تتوقف تحديات العملية التعليمية في مناطق سيطرة قوات الأسد داخل مدينة ديرالزور على ما ذكره الأستاذ ياسر، حيث تناقل ناشطون من داخل مدينة ديرالزور خلال الشهر الفائت خبر عن عمليات ملاحقة واعتقال من قبل عناصر الأمن العسكري بديرالزور طالت طلاب المرحلة الثانوية و طلاب جامعة الفرات، بهدف اقتيادهم إلى نقاط قوات الأسد العسكرية في الريف الشرقي والتي شهدت حالة استنفار كبير خلال الفترة الماضية من أجل القيام بعمليات السخرة والحفر في النقاط التي تتواجد فيها القوات الروسية و المليشيات الطائفية.
و في هذا السياق، أكد السيد عماد (اسم مستعار ) الذي يتحفظ على ذكر اسمه الحقيقي لسلامة أهله المتواجودين في أحياء مدينة ديرالزور التي تسيطر عليها قوات الأسد والمليشيات الرديفة لها، أن قوات الأسد تقوم باعتقال الشبان من مدينة ديرالزور و تصحبهم إلى خطوط التماس للقيام بتنفيذ أوامر قوات الأسد والمليشيات والقيام بالعمليات العسكرية اللوجستية والدفاعية.
يقول عماد:” في منتصف الشهر الثالث آذار/مارس 2018 قامت دورية من الأمن العسكري باعتقال أخي وابن خالتي ( طلاب ثاني ثانوي ) و معهم أكثر من 35 طالباً “.
و يضيف:” كانت الدورية تنتظر عند باب المدرسة، قامت باعتقالهم فور خروجهم من باب مدرستهم وقت انصرافهم، و قاموا باقتيادهم إلى الريف الشرقي، أخذوا أخي إلى إحدى النقاط العسكرية في مدينة الميادين، وابن خالتي جاء نصيبه إلى مدينة البوكمال، أيضاً لموقع عسكري لإحدى المليشيات العسكرية المقاتلة، قاموا بأعمال سخرة و حفر خنادق و بناء سواتر في النقاط المذكورة و أعادوهم في اليوم الآخر “.
و أردف: ” منذ هذه الحادثة، أبي منع أخي من الذهاب إلى المدرسة خوفاً من تكرار الحادثة، فقد عاشوا ليلة من الخوف والقلق على أخي الصغير من الخطر المحدق به في ذلك المكان “.
وليس بعيداً عن مركز ديرالزور، في المناطق التي سيطرت عليها قوات الأسد على حساب تنظيم داعش في الضفة الجنوبية لنهر الفرات من محافظة ديرالزور ” الشامية” أعادت مديرية التربية التابعة لنظام الأسد افتتاح عدداً من المدارس في مناطق مختلفة من ريف ديرالزور الشرقي والغربي، ففي مدينة الميادين شرق ديرالزور افتتح المجمع التربوي مدرسة لطلاب المرحلة الإبتدائية حسب ماصرح مسؤولون في المدينة، وبثت وسائل إعلام موالية مقطع فيديو لافتتاح المدرسة في الشهر الثاني شباط / فبراير من العام الحالي 2018 ، أظهر المقطع تواجد عدد قليل من الأطفال بلباس غير موحد وسط بناء مدرسي قديم و متسخ قد تعرضت بعض مرافقه للتخريب والدمار، يتوسطهم عدد من المدرسين الذين يطلبون منهم ترديد شعارات تمدح رأس النظام بشار الأسد و تشيد بأفعال قوات الأسد حسب ما يهتف مديرالمدرسة ويطلب من الأطفال الترديد خلفه، محتوى المقطع الذي تداولته وسائل الإعلام يعكس مستوى العملية التعليمية والتربوية القائمة في مناطق سيطرة قوات النظام.
التعليم في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”:
غاب التعليم بشكل كلي عن طلاب ديرالزور منذ مايقارب الـ 4 سنوات، أي من تاريخ سيطرة تنظيم داعش على عموم مناطق المحافظة، بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على أغلب مناطق الضفة الشمالية لنهر الفرات “الجزيرة” من محافظة ديرالزور، و عودة أهالي بعض المناطق إلى قراهم و بلداتهم، حضر التعليم على رأس الأوليات لأهالي ديرالزور، سارع المدرسون في مناطقهم إلى الإعتماد على أنفسهم لإعادة إحياء العملية التعليمية من أجل أطفالهم الذين باتوا مهددين بالجهل والأمية بعد انقطاع دام أربع سنوات عن المدرسة و أي مرفق من مرافق التعليم.
في بلدة الشحيل شرق ديرالزور الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ” قسد”، هب المدرسون من أبناء البلدة إلى إعادة تأهيل المدارس المتواجدة في البلدة، تمكنوا من افتتاح 5 مدارس البلدة رغم تعرض بعضها للقصف والتدمير سابقاً، استقبلت المدارس من افتتاحها منذ مايقارب الشهرين مئات الأطفال حسب ما قاله أحد مدرسي البلدة، و ذكر المدرس الذي فضل عدم ذكر اسمه :
” كان إقبال الأطفال على الإلتحاق بالمدارس غير متوقع، حيث استقبلت مدارس البلدة منذ إعادة افتتاحها عدداً من الطلاب بمتوسط قدره 500 طالب في المدرسة الواحدة، وهذا ما يعكس الرغبة لدى الأهالي لمحاولة تدارك ما فقده أبنائهم من التعليم خلال السنوات الماضية.
وعن الصعوبات التي التي تواجههم في العملية التعليمية قال: ” أبنية المدارس معظمها مدمر، ولا توجد مقاعد للتلاميذ، نأخذ الحصص الدراسية في باحة المدرسة، الأطفال يفترشون الأراضي لعدم توفر مقاعد، معظم الدروس تكون بشكل شفهي لعدم وجود السبورة، نركز الآن على إعادة تأهيل الأطفال دراسياً من خلال القضاء على الأمية و محاولة تأسيسهم بشكل جيد، يعتمد المدرسون على خبراتهم في مجال التدريس عوضاً عن المناهج الدراسية الغير متوفرة “.
ويضيف ” نعمل لحد الآن بشكل تطوعي ، وعدت منظمة الأونوروا بتأمين رواتب للمدرسين منذ أكثر من شهر و لم تفِ بوعدها حتى اللحظة، وهذا ما يشكل خطراً حقيقياً على استمرار التعليم في المنطقة، إذ سيضطر المعلم إلى ترك التدريس التطوعي و اللجوء لعمل في مجال آخر يضمن حصوله على المال اللازم لمعيشته وعائلته “.
يقف المجلس المحلي التابع لقسد مكتوف اليدين حيال معضلة التعليم في أماكن سيطرة قسد، و يقتصر تأثيره على الوعود بتحسين الأوضاع للمدرسين والطلاب وبعض البوادر الخجولة كتوزيع القليل من القرطاسية على الأطفال.
أجيال كاملة في ديرالزور يتهددها خطر داهم متمثل بالجهل والأمية نتيجة انقطاعهم عن التعليم لعدة سنوات مضت و غياب البيئة المناسبة في الوقت الراهن لسير التعليم بشكل يضمن استدراك ما فاتهم في ظل عدم اهتمام محلي و دولي بمدى خطورة هذه الآفة التي تهدد المجتمع بأسره.
مقال بقلم:
رامي أبو الزين