تميز تنظيم داعش الذي بلغ ذروة البزوغ في المرحلة الممتدة بين عامي 2014-2017 بمركزية القيادة و التنسيق على مستوى عالي في البناء الهرمي على المستوى الداخلي للتنظيم رغم المساحات الشاسعة التي سيطر عليها في سوريا والعراق و الحروب التي كان يخوضها على أكثر من جبهة في كلا البلدين.
بدأ التصدع يضرب جسم التنظيم في نهاية 2017 مع الهجمة المشتركة التي شنها التحالف الدولي من جهة و الروس والإيرانيين برفقة قوات الأسد من الجهة الأخرى على آخر معاقل تنظيم داعش وهي محافظة ديرالزور شرق سوريا.
حافظ التنظيم على جيب في محافظة ديرالزور بعد انسحابه من معظم المناطق لصالح الأمريكان والروس على ضفتي نهر الفرات الذي يتوسط ديرالزور، تقدر مساحة جيب التنظيم المتبقية على الضفة الشمالية من نهر الفرات بحوالي 200كم²، ويعتبر الحصن الأكبر في شرق سوريا للتنظيم الجريح الذي فقد الكثير من قوته على كافة الأصعدة في فترة زمنية وجيزة أصابت جميع المتابعين بالذهول، نتيجة ماكان يتمتع به التنظيم من القوة والترابط في “دولته” التي امتدت من ريف حلب الشمالي في سوريا مروراً في الرقة وديرالزور وأجزاء من الحسكة و مساحات شاسعة من البادية السورية و مناطق من درعا وحمص وحماة والسويداء ودمشق في سوريا وصولاً إلى الموصل و مناطق من الأنبار و البادية العراقية في العراق.
يتصل جيب التنظيم المتبقي في ديرالزور بمناطق نفوذ للتنظيم في بادية ديرالزور الجنوبية (بادية الشامية) حيث يتخذ من الجبال الممتدة في البادية مقرات لجماعته الصغيرة المنتشرة هناك.
تضم مناطق وجود تنظيم داعش معظم قيادات وعناصر التنظيم الذين كانوا يقاتلون في ديرالزور والرقة والعراق بعد انسحابهم إلى هذا الجيب و تحصنهم به.
الظروف الجديدة لتنظيم داعش و النكسات التي تعرض لها و حالة عدم الإستقرار التي فرضت على التنظيم أدت لحالات صدام بين قيادات التنظيم المتواجدين هناك مما أدى لحالة من التحزب و الإضطراب عصفت في الحصن الشرقي للتنظيم في سوريا.
أبوحسام (اسم مستعار ) أحد أفراد مجموعة تابعة للجيش الحر قاتلت تنظيم داعش في البادية السورية بداية عام 2017، ومتابع لأخبار التنظيم عن طريق مصادر له في تنظيم داعش كشف عن سبب الخلاف الأخير الذي حصل في ديرالزور ضمن التنظيم.
يقول أبو حسام : ” حصل اقتتال بين تيارات ضمن تنظيم داعش في نهاية الشهر الثالث من العام الجاري في ديرالزور ، سبب الإقتتال كان غياب القائد (الأمير) المسمى من “خليفة المسلمين” أبو بكر البغدادي بسبب التشرذم الذي ألمّ بمفاصل تنظيم داعش و انتقال مركز القيادة إلى بادية محافظة السويداء السورية “.
و أضاف أبو حسام: ” مما أدى إلى تسلط تيار معروف في أواسط التنظيم بغلوّه إلى تسييد الموقف في ديرالزور وهو تيار ” الحازميون” و يشكل المهاجرون من المغرب العربي (تونس الجزائر ، المغرب ،ليبيا) سواد هذا التيار، وقاموا بمبايعة أمير مغربي الجنسية ليكون القائد العام في الجيب الشرقي و قاطع البادية، الأمر الذي رفضته مجموعات من التنظيم من الجنسيات العراقية والسورية و الكزخية وبعض الجنسيات الأخرى و اتهموهم بأنهم خوارج التنظيم و حدث اقتتال بين الطرفين استمر لعدة أيام أدى لمقتل عدد من العناصر من الطرفين عرف منهم أبو صهيب التونسي من تيار الحازميون “.
و أردف : ” أدى الإقتتال داخل التنظيم في ديرالزور إلى تحزبات، و استنفار داخلي في صفوف التنظيم في حالة السلم، بينما يتقلص ذلك الاستنفار في حالة مواجهة الأعداء، وكان من نتائجه أيضاً ذهاب الفريق الذي يضم الأنصار (المقاتلين من الجنسية السورية ) إلى توظيف الحاضنة الشعبية في الصراع القائم، و فتحوا قنوات تفاوض عن طريق وساطات عشائرية مع قوات قسد بهدف إرساء هدنة تتضمن تبادل أسرى بين الطرفين و ربما عملية تسليم لبعض المناطق التي تسيطر عليها تلك الأحزاب لقوات قسد دون قتال.
وأكد الناشط الإعلامي ” فراس علاوي ” في حديث لديرالزور 24 أنه حدث صدام بين مجموعات داخل التنظيم في ديرالزور في منطقتين هما “الشعفة ” و ” أبو الخاطر ” خلال الأيام الماضية.
وأضاف العلاوي : ” يوجد تيارين أساسين داخل التنظيم حالياً هما تيار يضم المتشددين من المهاجرين بصفوف داعش والذين يتمسكون بفكرة القتال للرمق الأخير وتكفير من لا يحمل فكرهم المتشدد، والتيار الآخر هم من العناصر المحليين الذين يحاولون تجنيب المنطقة والمدنيين الخطر الذي من الممكن أن يلحقها جراء العمليات العسكرية وهذه الأفكار تحظى بحاضنة شعبية في المنطقة خاصة أن عدد من الواجهات الاجتماعية والقبلية تعمل على تسليم المنطقة لقوات قسد عبر التواصل مع المقاتلين المحليين “.
و ختم العلاوي حديثه بقوله : ” حصل الاقتتال في المنطقتين إثر هجوم تيار المغالين على تيار المحليين بتهمة تهريب الأنصار والمحليين لأسرى لدى التنظيم و نيتهم تسليم المناطق لأطراف معادية”.
أدى الإقتتال الداخلي لدى التنظيم في ديرالزور إلى حالة من التوتر و الإضطراب تعم مناطق تواجد تنظيم داعش في محافظة ديرالزور أثرت بشكل واضح على عمليات التنظيم ضد قوات الأسد والمليشيات الإيرانية في الضفة الجنوبية لنهر الفرات في ديرالزور، والتي شهدت خلال الشهريين الماضيين نشاط ملحوظ لدى التنظيم في عملياته ضد المعسكر ( الروسي- الإيراني – الأسدي ) أوقفها الخلاف الجاري في التنظيم بديرالزور في غياب واضح للمركزية في الحكم التي كان يتمتع بها تنظيم داعش خلال السنوات الماضية.
مقال بقلم:
رامي أبو الزين