This post is also available in: English
بدأ الغزو الشيعي الإيراني لديرالزور في ثمانينيات القرن الماضي، في تلك الحقبة أخذ الغزو شكل (الغزو اللامباشر) أو الغزو بعيد المدى، وتجلت أدواته على شكل إرساء بذور التشييع في ديرالزور، حيث سعت إيران إلى زرع أشخاص معتنقين للمذهب الشيعي من أبناء المنطقة ليكونوا أدوات تشييع في المنطقة، وقد استطاعت تجنيد عدداً من الأشخاص لهذه المهمة، أبرزهم “ياسين المعيوف” وقريبه “حسين الرجا” حيث كانوا بمثابة نواة للتشييع في ديرالزور، عملوا على تنفيذ أوامر ولاية الفقيه بتسهيل من ذراع إيران في المنطقة ” نظام الأسد الأب “.
غياب الإعلام الحر وسيطرة نظام الأسد الشمولي على أدق التفاصيل في الدولة السورية غيّب عن الأنظار الممارسات الإيرانية في سوريا عامة و محافظة ديرالزور على وجه الخصوص.
نشط عملاء إيران الذين زرعتهم في ديرالزور في تلك المرحلة الزمنية والتي استمرت حتى قيام الثورة السورية، و دأبوا بتنفيذ الخطة الإيرانية في نشر المعتقد الشيعي في مجتمع ديرالزور ذو الطبيعية العشائرية “العربية”.
قرية حطلة التي تقع عند مدخل مدينة ديرالزور الشمالي الشرقي تعتبر عاصمة الشيعة في ديرالزور، إذ أنها مسقط رأس كلاً من “ياسين المعيوف” و “حسين الرجا” ومنها بدؤا بنشر الدعوة للتشيع، حيث لعبوا على وتري الجهل والفقر الذي يلف عدداً من قرى وبلدات محافظة ديرالزور.
فاستطاعوا إغراء أهالي بعض القرى الفقيرة بدفع مبالغ مالية كمرتب شهري لمن يتشيع، و بلغ المبلغ للمتشيع في ديرالزور 7000 ليرة سورية عام 2007، هذه الآلية جعلت عدداً من أهالي ديرالزور يرضخون للمغريات المادية و يعتنقون المذهب الشيعي وقد تفاوت أعداد المنتسبين من مكان لآخر كمدن وقرى وبلدات ( البوكمال ، جديد بكارة ، حطلة ، مراط ، زغير جزيرة ، الصعوة ، حمّار العِلي ، الكسرة ) حيث أوجدت الحسينيات بشكل واضح في قرى الخط الغربي “جزيرة” وحتى الأذان كان يرفع على المذهب الشيعي في بعض مساجد تلك البلدات.
بعد عام 2011 أي بعد قيام الثورة السورية، وكما الكثير من المشاريع التي كانت تحاك في الخفاء بعيداً عن الإعلان عنها وتسليط الضوء عليها، بدأ المشروع الإيراني في ديرالزور يطفو على السطح و تتكشف مآربه في المحافظة السنية ذات الموقع الإستراتيجي الهام المحاذي للعراق الذي تنشط أذرع إيران به منذ عام 2004 .
دخلت إيران الساحة السورية بعد عام 2011 بشكل صريح كلاعبٍ دولي داعمٍ لنظام الأسد في دمشق ظاهرياً، أما ضمنياً فكانت تسعى لتحقيق مشروعها الطائفي (البدر الشيعي) وتأمين الطريق الدولي طهران- بغداد- دمشق- بيروت.
بوابة الربط بين دمشق بغداد هي ديرالزور، لذلك صبت ولاية الفقيه جهدها في السيطرة على ديرالزور، ومع عام 2017 وفي الحملة التي شنها نظام الأسد للسيطرة على ديرالزور كان الوجود الإيراني حاضراً بقوة من خلال المليشيات الشيعية متعددة الجنسيات (لبنانية ، عراقية ، سورية ، أفغانية ) التي دخلت تلك الحملة بقيادة قاسم سليماني الجنرال الإيراني رفيع المستوى .
وبعد أن بسطت قوات الأسد والمليشيات الطائفية السيطرة على الضفة الجنوبية لنهرالفرات بديرالزور أواخر 2017، بدأت ملامح المشروع الإيراني بديرالزور بالتكشف بشكل واضح وبصورة سريعة.
حيث عملت إيران على البناء على نواة التشييع التي أوجدتها في المحافظة منذ عشرات السنين، وتفعيل الشخصيات التي تجندت لهذا الغرض، إضافةً إلى استخدام شخصيات جديدة من ديرالزور استطاعت تجنيدها لذات الغرض كـ نواف البشير أحد مشايخ قبيلة البكارة، حيث استخدم البشير كأداة لجذب شباب ديرالزور من أبناء عشيرة البكارة لإعتناق المذهب الشيعي من خلال إغرائهم بالمال و القوة و إقناعهم بوجود ترابط ترايخي ديني بين تاريخ قبيلة البكارة و آل البيت حيث أن نسب القبيلة يعود إلى آل البيت حسب ما يروّج له البشير .
كما عملت إيران على بناء دور العبادة (الشيعية) المتمثلة بالحوزات والحسينيات في ديرالزور، وتغيير أسماء عدد من المساجد التي كانت تسمى بأسماء الصحابة، كتحويل اسم المسجد العمري في ديرالزور إلى مسجد الرضوان، واستخدام بعض المساجد كمقرات لتوزيع المعونات الإغاثية كآلية لجذب أهالي ديرالزور إلى المعتقد الشيعي من خلال استخدام حاجة الناس الذين يقبعون في خط الفقر بعد ظروف الحرب التي عاشوها خلال السنوات التي انصرمت.
يقول ليث (لايستطيع الكشف عن اسمه) أحد أبناء مدينة الميادين في تركيا و على تواصل مع أحد أقربائه المتواجدون في مدينة الميادين: “هناك ميليشيا إيرانية في مدينة الميادين الآن تسيطر على حي كبير هو حي الأربعين، لاتسمح هذه المليشيا لأي أحد بالإقتراب من هذا الحي ، حتى أن الأسبوع الماضي حاولت مجموعة من قوات الأسد الدخول إلى الحي فقامت المليشيا بمعاقبتهم و إهانتهم وطردهم، لا أحد يعرف ما يدور هناك “.
ويضيف ليث : ” تنشط إيران الآن في إقامة بناء حسينية كبير في منطقة عين علي الآثرية في بادية القورية بريف مدينة الميادين، و على مايبدو يتم التجهيز لتكون مزاراً شيعياً في قادم الأيام “.
وتناقل ناشطون خلال الأيام الماضية معلومات مفادها أن المليشيات الشيعية قامت بإدخال عوائل عراقية شيعية من العراق إلى مدينة البوكمال شرقي ديرالزور، وقامت بمنحهم سندات تمليك لعقارات و ممتلكات تعود لأبناء المدينة المهجّرين، في محاولة لتوسيع دائرة التغيير الديموغرافي التي تسعى إيران لفرضه في سوريا و ديرالزور .
أدوات إيران في ديرالزور تراوحت بين استخدام أسلوب الترهيب و الإكراه بحق شباب ديرالزور للإلتحاق بالمليشيات الطائفية واعتناق المذهب الشيعي لحماية أنفسهم وعوائلهم، وبين استخدام أسلوب الترغيب من خلال تقديم المغريات المادية إلى جانب الإمتيازات التي تستند لنفوذ المليشيات الإيرانية في سوريا، في سبيل تحقيق هدفها بنشر التشيع و طمس معالم مدينة ديرالزور التاريخية والدينية و هدم النسيج الإجتماعي لمحافظة ذات أصالة وتاريخ عريق.
مقال بقلم:
رامي أبو الزين