This post is also available in: English
انتشرت مؤخراً في أوساط أبناء دير الزور، تسجيلات صوتية ومقاطع فيديو تتشابه في محتواها وهي محاولة استقطاب لأبناء دير الزور وجذبهم تحت مظلة نظام الأسد، عبر آلية مايسمى بالتسوية وتشكيل جيش وطني.
التسجيلات الصوتية تلك صادرة عن أشخاص تم انتقائهم من قبل نظام الأسد و مخابراته بعناية، فهم من الأشخاص المشهود لهم بالتلون وعدم ثبات الموقف وفق مايخدم مصالحهم.
تلك الشخصيات أوكلت إليهم المخابرات مهمة تشكيل ميليشيات من أبناء المحافظة، بسبغة وطنية حسب ما فاضت إليه اغلب تلك التسجيلات، التي تختلف في طريقة السرد و انتقاء الكلمات لكنها موحدة المضمون.
اللعب على الوتر العشائري من جديد، كان لنظام الأسد باع طويل في استخدامه ، بمايخدم خططه في إرساء قبضته على المحافظة، ذات النسيج العشائري طيلة فترة حكمه.
حيث عمل على استخدام شيوخ العشائر كرجال دولة في مناطقهم، عبر تقريبهم ومنحهم امتيازات، كان جلها ممثل بأن يشغل شيخ العشيرة كرسي من كراسي مجلس الشعب المعدة للتصفيق والتطبيل لنظام الأسد في أحسن الأحوال، وإطلاق يدهم في مقرات الأمن والمخابرات ليكونوا صلة الوصل بين المخابرات والشعب في مناطقهم.
مع بزوغ فجر الثورة السورية، غاب دور هؤلاء الشيوخ وعادوا عدة خطوات إلى الوراء , فمنهم من التزم الصمت واتخذ موضع المحايد والشخصية التي تقوم بحل المشاكل الاجتماعية المعتادة، ومنهم من ركب موجة الثورة لما كانت في أوج قوتها ورمى نفسه من قاربها، و عند تخلخل قارب الثورة عاد البعض منهم الى حضن نظام الأسد، وليبرز دورهم جلياً في الآوانة الاخيرة بعد أن استعادت قوات الأسد مدعومة بالميليشيات الطائفية والقوات الروسية احتلال الضفة الجنوبية للمحافظة “الشامية”، فأوعز لهم أن يجنّدوا عناصرهم من الشخصيات العشائرية و الشخصيات الموالية لنظام الأسد من اصول عشائرية، من أجل تشكيل ما اسموه ( الجيش الوطني ).
حيث يقوم الشخص المعتمد من قبل نظام الأسد، باستخدام مكانته العشائرية بالتواصل مع أفراد عشيرته وإقناعهم بالالتفاف حوله والإمتثال لأوامره، مقابل إجراء تسوية لأوضاع من حمل السلاح في وجه نظام الأسد من جميع الفصائل، باستثناء من انتمى لتنظيم داعش، ومن ثم إمدادهم بالسلاح وتنسيبهم لميليشيات مناطقية، تكون ذراعاً مسلحاً يأخذ أوامره من قيادات قوات الأسد.
ليس شيوخ ووجهاء العشائر وحدهم من زجهم نظام الأسد في مشروعه الجديد، بل اعتمد أيضا على لاعبين أساسيين هم عبارة عن شخصيات من أبناء المحافظة، ممن لهم تاريخ طويل مشوب في خدمة حزب البعث والعائلة الأسدية وغرف الاستخبارات، حيث استمروا على عهدهم في خدمة الأسد والبعث الحاكم.
فسارعوا على تسخير أنفسهم لتنفيذ المشروع العشائري في ديرالزور خاطبين ود الأسد من جديد، وآملين في تحسين ظروف عبوديتهم ورفعهم لمراكز مرموقة في دهاليز العبودية، فهرعوا إلى التنسيق بين أفرع المخابرات ومكاتب الوزراء و بين أبناء عشائرهم وقبائلهم لتركيز نواة الجيش الوطني.
ماهي مخاطر تشكيل مليشيات العشائر المزمع تشكيلها بالتنسيق بين قوات الأسد وبعض وجهاء العشائر ؟
حافظت ديرالزور على نسيجها العشائري سواءً ماقبل الثورة أم بعدها، و قد كان المجتمع القائم على العشائرية العنصر الأهم في معادلات جميع المحتلين للمحافظة ابتداءً بقوات الأسد وصولاً لتنظيم داعش وليس آخراً قوات قسد.
التحديث الذي حصل في أطوار الثورة السورية هو تكشّف الوجوه الحقيقية لكثير من شيوخ ووجهاء العشائر بتبعيتهم للأقوى، حيث سجلت الأحداث في المحافظة مبايعة وجهاء من عشائر المحافظة لتنظيم داعش على السمع والطاعة، و تجنيد بعضاً منهم نفسه عنصراً في صفوف نظام الأسد، في حين كانت النسبة الأكبر من أبناء هذه العشائر منخرطين في الثورة بكافة مجالاتها العسكرية والسياسية والمدنية، فأصبحت العشيرة باب استخدام لدب الفتنة والخلاف والإنقسام, ولذلك يسعى نظام الأسد من جديد لاستخدام العشيرة في إرساء وتثبيت سطوته وعليه، فإن إرتدادات هذا المشروع سوف تنعكس على المحافظة بمخاطر عدة منها :
1- تمزق وتهشم النسيج العشائري في المحافظة :
حيث يتسبب هذا المشروع حال تشكيله إلى إنقسام العشيرة على نفسها بين صف الثوار من أبناء العشيرة وصف المنتسبين إلى لجان المصالحة في نظام الأسد .
2- خلق بيئة للثأر والإنتقام :
في حال إتمام نظام الأسد لمشروعه وتسليح أبناء العشائر فإن السلاح سوف يكون مسخراً بالدرجة الأولى للإنتقام والثأر في مجتمع عاش حقبة دموية في عهد تنظيم داعش والذي لعب بدوره على الوتر العشائري وخلط أوراق القرى والمدن في المحافظة، ممايجعل المنطقة مقبلة على اصطدامات دموية بين العشائر وخصوصاً أن نظام الأسد عازم على تجنيد عشائر وغض الطرف عن أخرى .
مخططات ظلامية تحاك للمحافظة المهمشة إعلامياً والتي تعد من أهم المحافظات السورية إذ تعتبر ديرالزور إحدى رؤوس المثلث الضامن لاستقرار سوريا بعد حلب و دمشق، و منذ انطلاق الثورة السورية استشرس نظام الأسد في البقاء فيها في رقعة لاتجاوز الــ 5 % من نسبة امتداد المحافظة بعد تحرير مايقارب الـ 95%على أيادي الثوار.
و يعود الآن من جديد بمحاولة إعادتها لحظيرة السلطة الطائفية عبر استخدام العامل العشائري للمحافظة و نشر الفتنة بين أبناءها و إسقاطها في مستنقع جديد من الدماء.
بقلم:
رامي أبو الزين