This post is also available in: English
رامي أبو الزين – ديرالزور 24
عمل تنظيم داعش منذ أحكام سيطرته على محافظة دير الزور، أن يظهر بصورة مثالية في التنظيم المدني والعسكري، فعمل على وضع هيكلية دويلة مصغرة، أقام فيها المكاتب والدواوين التي تقوم بتسيير الأمور وتنظيمها في شتى المجالات, ليظهر تميزه عن باقي الفصائل, ويحكم قبضته في جميع مناحي الحياة، فأوجد المحاكم الخاصة به، وديوان العقارات، ديوان الزكاة، ديوان الركاز (النفط والآثار)، ديوان المظالم، ديوان الصحة، مكتب شؤون المجاهدين، مكتب العلاقات العامة، وديوان الخدمات، في تنظيم يشبه لحد كبير تنظيم الخلافة الإسلامية الغابرة والتي يتذرع بها طونه يعتقد بأنه هو دولة الخلافة المنتظرة.
المكتب الخدمي لدى تنظيم داعش (ديوان الخدمات )
يقوم هذا المكتب بإدارة الأمور الخدمية في مناطق سيطرة داعش، والتي تتضمن قطاعات المياه والكهرباء والأمبيرات والطرقات والأسواق.
في بداية سيطرة تنظيم داعش حاول بعض أبناء دير الزور المبايعين للتنظيم، أن يمثلوا الدور الحقيقي لهذا المكتب من خلال تكثيف جهودهم لرفع مستوى العمل في تحسين آلية ايصال المياه للمنازل، و ترميم بعض مراكز المياه المتضررة، وتشغيل بعض السواقي المتخصصة بالري والتي كانت متوقفة لفترة طويلة، وتنظيف الشوارع وتغذية المنازل بالكهرباء لعدة ساعات في اليوم، بعد انقطاعها لمدة طويلة بعد سيطرة التنظيم.
إلا أن حقد التنظيم على محافظة دير الزور، أدى إلى تدهور القطاع الخدمي بعد فترة وجيزة، حيث عمد التنظيم إلى عزل القائمين على القطاع من أبناء البلد وتكليف مهاجرين بدلا منهم، ما أدى بدوره إلى تردي الأوضاع الخدمية من جديد مع طوق خانق من الأجور والضرائب فرض على المدنيين، فالكهرباء أصبحت حكراً على مقاتلي التنظيم، أما المدنيين فباتوا مجبرين على الإشتراك بمولادات عملاقة خاصة متعارف عليها (الأمبيرات ) ذات الأسعار الباهضة نظراً للوضع المعيشي الحالي، والتي يشرف عليها المكتب الخدمي أيضاً.
بعد عدة شهور منح المكتب الخدمي، الكهرباء للمدنيين لمدة ساعتين يومياً لكل منزل مقابل فاتورة تترتب على كل بيت تصل لـ 6000 آلاف ليرة تتضمن الكهرباء والمياه والهاتف بشكل دوري، ومن يتأخر عن الدفع يتعرض للمسائلة وتقطع عنه الكهرباء والهاتف الأرضي، أما المياه فقد فقدت الكثير من تقنيات التصفية بسبب قلة اهتمام القائمين عليها فأصبحت تصل للمدنيين بشوائبها وتشابه إلى حد كبير المصدر الرئيسي نهر الفرات، فتفاقمت على إثر ذلك الأمراض المعوية وأمراض الدم وتعاظمت هموم الأهالي بالحصول على مياه نقية صالحة للشرب.
وفي الأسواق، سيير المكتب الخدمي دورياته في كافة الأسواق ضمن مناطق سيطرته لمتابعة حركة الأسواق وفرض الضرائب على المحلات والتجار والتحكم بالأسعار، كما عمل المكتب الخدمي الداعشي بفرض أجور على أصحاب البسطات في الأسواق، وفي مرحلة لاحقة تصنيع محلات صغيرة (أكشاك ) وتأجيرها للمدنين بمبلغ 5000 ليرة سورية.
وكذلك المراكز الصحية والمستوصفات والصيدليات والمستشفيات التي كانت تعود للقطاع العام، قاموا بتأجيرها واستثمارها بمبالغ ضخمة والدفع بالدولار، حيث أن هذه المراكز كانت تعمل بالمجان قبل سيطرة التنظيم .
كانت سياسة المكتب الخدمي في مرحلة إدارة المهاجرين تتوجه نحو جمع الأموال، وقد اتخذ عدة إجراءات لضمان أكبر قدر من الإيرادات المالية كفرض الضرائب على التجار والمحلات وحتى البيوت، والتحكم بواردات وصادرات السوق ووضع رسوم على البضائع، حيث أصبح قطاعا استثماريا أكثر من كونه خدمياً، وحتى استخراج المواد الرملية من النهر عبر (المقالع ) يتسلط المكتب الخدمي عليه حيث يفرض رسوم باهضة على صاحب المقلع وعلى صاحب الشاحنة، كما عمل المكتب الخدمي على مصادرة بعض الأراضي وجعلوا منها كراجات بغرض أخذ الضريبة من أصحاب السيارات.
يقوم المكتب الخدمي بإجراءاته ضمن النهج الدموي للتنظيم، فالاعتراض مرفوض، وعواقبه وخيمة، والتأخر عن الدفع يقابله فقدان الخدمة والوصول للسجن في بعض الأحيان، والتركيز على جمع الأموال أدى إلى تدهور القطاع الخدمي بكافة المجالات، فالمياه غير صالحة للشرب والكهرباء ضيفا خفيف الظل تستمر زيارته في أحسن الأحوال لثلاث ساعات في اليوم، والعمل يترتب عليه دفع مستحقات المكتب الخدمي في ظل ركود عام في مختلف مجالات العمل، وكل هذا يترتب على حياة ابن دير الزور الذي بات في دوامة لا يعرف لها مخرج.