This post is also available in: English
كان من أكثر الأشخاص مواظبة على حضور المظاهرات السلمية و حرصاً على استمرارها، ولكنه لم يكن ظاهراً فيها بشكل علني ولكنه قدم للمتظاهرين ما لم يقدمه كثيرون أخرون، حين احتضنهم في بيته في زمن كان الأمن السوري يحرق منازل المتظاهرين فما بالك بمتظاهر يتخذ الثوار من منزله مكاناً للاجتماع والتخطيط والتنسيق.
محمود يوسف المحيسن او كما هو معروف لدى الثوار الحج محمود ابن مدينة موحسن بريف ديرالزور الشرقي، الذي تربى في حي المطار القديم في المدينة، الحي الذي يقع جامع عثمان بن عفان بموقع القلي من الجسد والتي انطلقت منه قبل سنوات صيحات الحرية الأولى.
الخمس و أربعون سنة لم تمنع الحج محمود من المشاركة في المظاهرات منذ اللحظة الأولى لانطلاقتها، فهو كغيره من أبناء دير الزور عانى الكثير من ظلم نظام الأسد ولطالما انتظر فرصة كهذه.
كان الحج محمود من المتظاهرين الأوائل في دير الزور ولطالما ركز على دور المظاهرات في اسقاط النظام، فقد كان يرى في المظاهرات الوجه الحضاري للثورات من خلال الهتافات الدالة على ثقافة المتظاهرين، مع ازدياد وتيرة التظاهر في دير الزور كان لابد من وجود تنسيق بين المناطق والأحياء ولابد من وجود شخص ذو شخصية رزينة ومعروف بين أحياء ومناطق دير الزور فكان الحج محمود الشخص المناسب لمعرفته بشخصيات في جميع انحاء المحافظة وشخصية توافقية لدى جميع المتظاهرين فالكل يحبه ويحترمه.
لم يغلق الحج محمود باب منزله في وجه المتظاهرين خوفاً من عناصر الامن بل جعل من منزله مقراً ليلتقي الناشطين فيه لتنسيق عملهم، وبل وقام الحج محمود بإفراغ إحدى الشقق لجعلها مستودع لمعدات التظاهر واللافتات في الوقت الذي كان الجميع ملاحق من قبل الامن بما فيهم الحج محمود.
لم يكن يسعى لقيادات المظاهرات بقدر ما كان يسعى للتنسيق بين الأحياء والمناطق لتوحيد العمل الثوري واستمرارية المظاهرات، ولطالما قدم أشخاص لقيادة العمل الثوري لكي يحافظ على وحدة الصف رغم معرفته التامة بعدم كفاءة هذا الشخص للقيادة، مع دخول الجيش على مدينة دير الزور بمنتصف عام ٢٠١١ كان نصيب الحج محمود من حقد الأمن كبير فكان منزله أول منزل تم اقتحامه وتدميره ونهب محتوياته.
في هذه الأثناء كان الحج محمود كان قد غادر المدينة باتجاه موحسن ومتابعة نشاطه مع مجموعته هناك بحماية المتظاهرين وكان رافضاً لأي عمل مسلح في موحسن في تلك الأثناء لوجود عدد كبير من المدنيين كانوا قد نزحوا اليها قبيل اقتحام الجيش للمدينة وكان يكتفي بالتظاهر.
ومع ارتفاع وتيرة الأحداث في دير الزور لجأ النظام الى استخدام السلاح لقمع المتظاهرين وايقافهم إلا أنهم استمروا في تظاهراتهم ولكن تحت حماية الثوار، حيث لجأ الحج محمود الى تشكيل مجموعة صغيرة لحماية المتظاهرين في محاولة منه لاستمرار التظاهر فهو لطالما حث الشباب على الاستمرار في المظاهرات كانت الغاية منها عدم تعرض الامن للمتظاهرين في البداية ولكن مع تطور الأحداث تطور عمل هذه المجموعات الى نصب الكمائن لدوريات الأمن.
لجأ الحج المحمود مع رفاقه الى أسلوب ضرب الحواجز الأمنية ليلاً لمنعهم من التحرك واشغالهم عن قمع المظاهرات حيث نفذ مع مجموعته عدد من الكمائن كان لها تأثير كبير على الأمن ومنها:
عملية دوار غسان عبود : بعد استشهاد خالد الطباش أحد المتظاهرين على يد عناصر الأمن، ظهر الحج محمود مع رفاقه في حي المطار القديم لحماية تشييع الشهيد وبعد انتهاء الجنازة، قاد الحج محمود هجوم على حاجز دوار غسان عبود.
عملية جامع الفاروق: في حي الكنامات عندما حاول الأمن اعتراض إحدى المظاهرات ليجد مجموعة الحج محمود بانتظاره.
عملية الملعب البلدي: كعادتهم كان عناصر الأمن ينطلقون لاعتراض أي صوت ينادي بالحرية في دير الزور الا أن مجموعات الثوار في ذلك الوقت كانوا يتواجدون قريباً تحسباً لأي تدخل من عناصر الأمن، حيث تفاجأ الامن بتواجد الثوار فلم يسعفه الوقت للانسحاب حيث طوقهم الثوار ودارت معركة صغيرة معهم.
العملية الابرز التي شارك بها الحج محمود كانت عملية اقتحام حاجز المريعية، و الذي كان على اوتستراد دير الزور_ البوكمال حيث استطاعوا الثوار قتل ضابط برتبة ملازم أول وتأمين انشقاق عنصرين من عناصر الحاجز كانوا ينسقون معهم والاستيلاء على كمية من السلاح والذخيرة.
انتقل الحج محمود مع مجموعته إلى مدينة موحسن لتوحيد العمل والتنسيق مع باقي المجموعات في القرى الأخرى وتقسيم العمل وخلال هذه الفترة، حيث حاول الأمن بدعم من الجيش اقتحام مدينة موحسن ليتصدى له الجيش الحر له ويكبده خسائر كبيرة بالعدة والعتاد حيث استطاع الثوار تفجير عربات ب م ب وقتل عدد من عناصر الأمن وأسر عدد آخر ليظهر الجيش الحر بشكل علني في موحسن في ذلك اليوم.
عاد الحج محمود الى المدينة مع مجموعته واتخذ من حي الصناعة مقراً لعملياته ونفذ عدد من العمليات الناجحة ضد الأمن وألغى عدد آخر بسبب تواجد مدنيين بالقرب من دوريات الأمن، كل ما سبق ذكره كافي ليجعل من الشخص قائد إلا أن الحج محمود كان دائم التنازل لرفاقه وتقديم الآخرين على نفسه في سبيل إنجاح الثورة.
عام كامل من عمر الثورة قضاها الحج محمود في خدمة الثورة بشقيها السلمي والمسلح دون ان يبخل عليها بشيء، فكان شهر آذار / مارس من عام ٢٠١٢ نهاية المطاف لرجل كان محبوب من قبل جميع الثوار حتى الذين لم يعرفوه شخصياً.
استشهد الحج محمود في معركة الرصافة والتي كانت مفترق في زمن الثورة بعد أن حوصر عدد من رفاقه في حي الرصافة، ليهرع الحج محمود لنجدتهم لتغتاله رصاصة خرجت من رشاش من على إحدى الدبابات التي كانت تحاصر الحي، ولم يكتفي الامن بقتله بل اعتقل الجثة وبقيت عندهم ما يقارب الثلاثة الأيام ويسلمها لذويه ويشيع الحج محمود تشييع الابطال ويوارى الثرى في مقبرة الشهداء في مدينة موحسن بجوار رفاقه الذين سبقوه.