This post is also available in: English
تقرير خاص بشبكة ديرالزور24
يعتبر المجتمع في محافظة دير الزور مجتمعاً محافظاً دينياً نوعاً ما، يعتمد على الفطرة في تعاملاته وعلى قواعد دينية وموروث شعبي في العلاقات الاجتماعية حيث المرأة بشكل عام لها مكانة اجتماعية في المجتمع ريفاً ومدينة، فقد كانت تعمل في الزراعة وتساعد زوجها في أعماله، وفي تربية الحيوانات وكذلك عملت كممرضة في المستشفيات، ومعلمة في المدرسة كما عملت في تربية الحيوانات في منزلها.
في الثورة “خوات رجال”
محافظة على الموروث الديني والأخلاقي الذي نشأت عليه، حيث كانت الأخلاق هي ميزة تمتاز بها نساء المحافظة ، وكان يطلق عليهن بالموروث الشعبي (خوات الرجال) وذلك لتمتعهن بالأخلاق الحميدة وقيم الشرف، ومع انطلاق ثورة الكرامة السورية شاركت نساء دير الزور فيها منذ البداية، وفي جميع المجالات خاصة مجالات الإغاثة والإسعاف، وكانت المرأة في ديرالزور مثالاً للتضحية والتفاني حيث إرتقت الكثيرات منهن شهيدات وجريحات ، وفقدت الكثيرات من الأمهات أزواجهن وأولادهن ، وبعضهن قدمْن أكثر من شهيد على جبهات القتال ولم يبخلْن بالعطاء.
ومع دخول تنظيم داعش إلى محافظة دير الزور والذي شهد قتالاً مع الفصائل العسكرية الموجودة في المحافظة، انتهت بانتصاره وخروج الفصائل منها , عمد التنظيم إلى فرض هيبته وسطوته عليها، وذلك من خلال ممارسة أعمالاً قمعية تبعث الخوف في نفوس الأهالي، فقام بسلسلة من الإجراءات الوحشية على الأرض، حيث قتل العديد من المقاتلين في صفوف الفصائل المقاتلة، واعتقل الكثير منهم ولاحق الناشطين، ولم تسلم النساء من هذه الملاحقات، حيث اعتقل العديد منهن بتهم مختلفة، منها الانضمام للجيش الحر، أو مساعدته أو نشاطات الإغاثة وغيرها.
بدأ التنظيم بفرض سطوته عن طريق تطبيق ما سماها الأحكام الشرعية والتي بدأ بتطبيقها على النساء والرجال، حيث بدأ بفرض اللباس الشرعي على النساء وفرض عليهن عدم الخروج من منازلهن، كانت شروط اللباس التي فرضها التنظيم تقتضي أن يكون أسوداً غير مزركش وفضفاض لا يشف، ولا يشبه لباس الرجال، ولا لباس المشاهير، ولا تبان منه ملامح الجسد.
كذلك فرض على المرأة ارتداء مايسمى (الدرع )، وهو قطعة من القماش الأسود مؤلفة من ثلاث قطع توضع على الرأس، وتسدل على الوجه لتغطيه بشكل كامل مع العينين، وكان شرطه ألا يكون شفافاً، فتبان منه العينين، وقد كان عناصر الحسبة يخالفون المرأة التي لا تلبس الدرع، وقد تدرجت تلك المخالفات، كما فرض على المرأة التي تخرج مضطرة للسوق ارتداء اللباس الشرعي كاملاً، إضافة لكفوف اليدين السوداء والجوارب السوداء، ولا يسمح لها بحمل حقيبة يد أو ( جزدان) وهو ما توضع به النقود فوق لباسها الشرعي، أي تخفيه تحت لباسها، وكان لا يسمح لها بوجود أي لون آخر مهما كان صغيراً على لباسها.
مخالفات الحسبة
كان المكلّفين بمتابعة مخالفات النساء هم عناصر الحسبة، وهم يتمتعون بفضاضة في التعامل مع الرجال والنساء على السواء، يستخدمون سيارات حديثة عليها مكبرات صوت، يدعون فيها الناس للتقيّد بأوامرهم، أثناء تجوالهم في الأسواق والشوارع.
مخالفات اللباس متدرجة وتبدأ بجلد الرجل ( ولي أمر المرأة المخالفة ) أربعين جلدة ، بتهمة تبرج زوجته أو أخته والتبرج بنظرهم هو مخالفة هذا اللباس حتى لو كانت المرأة ضمن منزلها، بمجرد رؤية رجال الحسبة، حيث نقلت حالات كثيرة تمت فيها مخالفة المرأة بتهمة التبرج وهي في منزلها أو خرجت لأمر اضطراري ومن هذه الحالات، أم ناصر تقول: كان باب المنزل مفتوحاً،وخرج ابني الصغير مسرعاً باتجاه الشارع المكتض بالسيارات وبدافع الخوف وغريزة الأمومة خرجت خلفه وأنا محجبة وارتدي لباسي الشرعي لكنني لا أرتدي الدرع، وكانت سيارة الحسبة مارة في الطريق فقاموا بالتوقف وأخذ اسم زوجي الذي راجعهم لمكتب الحسبة، حيث قاموا بتغريمه مبلغ خمسة آلاف ليرة وكتب تعهد بعدم تكرار ذلك.
حالة أخرى تذكرها إحدى نساء الريف تقول خرجت من بيتي إلى حظيرة الأبقار، وكما هو معروف فإن العمل بالزراعة لا يتم والمرأة ترتدي الدرع، لكنها محجبة ومنقبة لكن الدرع يعيقها عن مثل هكذا أعمال، لكن عناصر الحسبة قد مروا بذات اللحظة، وبذلك وجهوا لي تهمة التبرج، واضطر زوجي لمراجعة مكتب الحسبة الذين قاموا بجلده تعزيراً أربعين جلدة.
تعدي سافر
ما قام به عناصر الحسبة من مضايقات كان كثيراً، وصل لمرحلة التعدي على النساء وأخذهن عنوة لمكتب الحسبة حتى حضور أولياء أمورهن، الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من أبناء المنطقة، حيث لم يعتادوا على أن تعامل نساؤهم بهذا الشكل حتى وإن كان الأمر ظاهرياً باسم الإسلام ، وعملياً هو عملية إخضاع للمنطقة ، فكان هناك العديد من ردود الفعل خاصة أنّ بعض عناصر الحسبة كان لديهم تاريخ أخلاقي سيء، وأهالي المنطقة يعرفونهم جيدا،ً لذلك فقد وصلت بعض تلك الأعمال إلى اشتباكات مسلحة مع عناصر الحسبة، وقتل العديد منهم كما حدث في مناطق (البوكمال – المياذين – صبيخان – الغبرة )، رغم أن الحشمة والحجاب هي ميزة لباس نساء تلك المناطق، وقد أصبحت تجارة بيع اللباس الشرعي رائجةً في مكاتب الحسبة، حيث كان النقاب يباع ب 500 ليرة سورية واللباس بمبلغ 5000 آلاف ليرة وكانت كل إمرأة تخالف يتم إجبارها على شراء لباس شرعي من الحسبة، وكان عناصر الحسبة يقومون بقص لباس المرأة المخالفة بالمقص، وإجبارها على شراء لباس جديد.
الأمر الآخر الذي قام عناصر الحسبة بتطبيقه والذي قالوا بأنه تطبيق للشرع ثم تراجعوا عنه جزئياً هو قضية ( المحرم )، وهو الرجل الذي تكون قرابته للمرأة من الدرجة الأولى ، وقد غالى عناصر الحسبة في هذا الأمر، فقد كان في البداية لا يحق للمرأة الخروج من منزلها حتى إلى منزل جيرانها، والذي يقع في نفس الحارة إلا بوجود محرم، وقد شهد الأمر صدامات عديدة مع الأهالي أيضاً.
ومن ثم تراجع عناصر التنظيم عن ذلك وبدأوا تطبيقه فقط على سيارات السفر مهما كانت المسافة، وأيضاً غالوا بهذا الموضوع فقد كانت النساء يضطررن للخروج إلى مناطق قريبة في المدن الكبرى كالبوكمال والميادين، ومعظمهن لا يوجد معهن رجل محرم إما بسبب استشهادهم أو لجوءهم، أو أنهم مقاتلين وكان عناصر التنظيم يجبرون النساء على النزول على حواجزهم لحين حضور المحرم، ومن ثم معاقبته حسب ما يصدر عن أمير الحسبة.
الحسبة النسائية
ومع تطور الهيكل التنظيمي لداعش، أُنشأ ” جهاز الحسبة النسائية ” الذي مهمته ملاحقة النساء والتجسس عليهن، وقد شوهدت نساء من عناصر التنظيم يمشيْنَ في الأسواق ويقمْنَ بتفتيش النساء وجرهنّ بالقوة إلى الحسبة، كما تواجدن على حواجز التنظيم من أجل تفتيش النساء، كما كانت هذه المجموعات من النساء تقوم بدوريات على المشافي والعيادات، ويجبرن النساء على ارتداء الدرع حتى الطبيبات داخل عياداتهن كان عليهن الالتزام باللباس المفروض، كذلك منع التنظيم النساء من العمل وفصل بعض المناطق التي اضطره الأمر لعملهن كالمشافي إلى فصل النساء وتخصيص مشافي خاصة لهن.
وقام عناصر الحسبة أيضاً بفصل قاعات الإنترنت وتخصيص قاعات للنساء ومراقبتها من قبل عناصر الحسبة، ووصل الأمر للتجسس عليها عن طريق إدخال نساء تابعات للتنظيم إلى هذه القاعات والتجسس على النساء الموجودات فيها ونقل ما يدور داخلها.
غير أنّ أبرز ما كانت تعانيه النساء بوجود التنظيم هو منع الأطباء الذكور من علاجهن على الرغم من وجود إختصاصات، لا توجد طبيبات كاختصاص العظمية والبولية، وقام بمنع أطباء النسائية من معالجتهن وبالتالي إزدياد معاناتهن أكثر مما هي عليه.
تزداد معاناة النساء أضعافاً مضاعفة فبالرغم ما تعانيه المرأة من ظروف الحرب وفقد الأبناء والأزواج وهموم اللجوء والابتعاد القسري، استخدم التنظيم النساء كورقة ضغط على المجتمعات التي سيطر عليها تحت ظل فتاوى جعلها ذريعة لامساك أهالي المنطقة وإحكام السيطرة عليهم , وفي ذات السياق فإنّ داعش تلعب على وتر حساس جداً فاتورته عاجلاً أم آجلاً ستكون باهظة الثمن , ألا وهو موضوع الشرف والنساء.