لم تسلم الرموز الثقافية و الوجوه الأدبية في المجتمع السوري من نيران الحرب الجارية فلم تشفع لها قيمتها الحضارية و الثقافية من استهدافها خصوصاً من الجماعات التكفيرية التي تتخذ الدين ستاراً لممارسة قمعها لكل فكر يختلف معها و لنشر الجهل و الظلام الذي يسهل لها نشر أفكارها.
الشاعر محمد الفراتي و التي أقدمت مجموعة تابعة لجبهة النصرة على تفجير تمثاله في مدينة ديرالزور في عام 2013
يعد الفراتي من أبرز رموز ديرالزور الثقافية، ولد في عام 1890 بدأ مسيرته العلمية والثقافية في مسقط رأسه في مدينة ديرالزور حيث تلقى أول علومه ثم انتقل إلى مدينة حلب و أمضى فيها 3 سنوات، بعدها توجه إلى مدينة القاهرة لينتسب إلى الأزهر و الذي كان نقلة نوعية في تحصيله الثقافي، حيث سنحت له الفرصة للتتلمذ على يد أبرز أئمة الأدب و الفقه أمثال المرصفي والقاياتي وبخيت حيث كان من زملائه طه حسين وعبد القادر المازني وزكي مبارك.
بقى الفراتي في مصر حتى انطلاق الثورة العربية فسافر إلى الحجاز لينخرط في صفوف ثوارها، بعدها عاد إلى مصر ليشترك في ثورة سعد زغلول عام 1919، ثم عاد بعدها إلى مسقط رأسه ليعمل على محاربة الجهل و الأمية عبر بناء المدراس و الإنخراط في سلك التعليم.حيث كان الفراتي يعمل مدرساً في أحد المدراس ليستمر في النضال ضد المحتل من مكانه كمدرس عبر تحريض الناس للقيام في ثورة ضد الفرنسيين فكانت عقوبته من السلطات الفرنسية أن قامت بفصله و ملاحقته بعدها نجح في الفرار إلى العراق.
كان الفراتي يجيد ثلاث لغات غير العربية هي التركية والفرنسية والفارسية حيث كان يعمل ترجمان في وزارة الثقافة لعدة أعوام قبل ان يخرج للتقاعد بعد مسيرة مليئة بالعلم والبحث والنضال ضد الاستعمار.
للفراتي مكانة كبيرة لدى أبناء مدينة ديرالزور منهم الشاب فؤاد الأحمد أحد أوائل من انخرطوا في الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، كان فؤاد الأحمد حريصاً على تاريخ ديرالزور من الضياع حيث بدأ بالتنقيب بحثاً عن أشلاء تمثال محمد الفراتي بعد تفجيره كما قام فؤاد بأنقاذ ما تيسر له من كتب المركز الثقافي الذي احترق بصواريخ نظام الأسد.
انخرط فؤاد الأحمد في أول المظاهرات في دمشق ثم اعتقل على يد النظام لينتقل إلى مدينته ديرالزور بعد إطلاق سراحه، لم يثنه الاعتقال عن المشاركة في الثورة حيث استمر نشاطه الثوري في مدينة ديرالزور حين نزح معظم سكانها صيف عام 2012
نشط فؤاد الأحمد في مساعدة الجرحى الذين أصيبوا في قمع النظام.
ترك فؤاد عائلته المكونة من زوجته واطفاله الثلاثة في سبيل الالتحاق بالثورة ولم يراهم منذ انتقاله إلى النشاط في ديرالزور
غاب أبو غيفارا أو أبو أحمد كما تعود ثوار ديرالزور مناداته.
لم تشفع له سيرته الثورية و تضحياته في سبيلها من إجرام داعش التي قامت باعتقاله و تغييبه في سجونها
ليغيب معه آلاف صور وأسماء الجرحى والشهداء التي تشكل تاريخاً بحد ذاتها واختفى معه ما تبقى من تمثال الفراتي و ما حافظ عليه ذاكرة ديرالزور.
يبقى مصير فؤاد أحمد كما تمثال الفراتي شاهداً عن الدمار الذي لحق برموز ديرالزور الثقافية و الثورية والظلام الدامس الذي يفرضه المتطرفون على المدينة.