شكلت الظروف التي توالت على محافظة ديرالزور، منذ عام 2011، وحتى يومنا هذا، إعصاراً عصف بمقومات الحياة في أغلب مناحيها، فتغيرت مفاهيم وغابت أخرى، انهدمت قيم وظهرت بدائل لها، حتى وجد أهالي ديرالزور أنفسهم، في فترة من الفترات، في عزلة تامة عن الكوكب، بعد حصار مزدوج من قوات الأسد وحلفائها الروس والإيرانيين من طرف، وتنظيم داعش من جانب آخر.
في هذه الحقبة من الزمن والتي استمرت منذ عام 2014 وحتى بداية 2018، عاشت ديرالزور وأهلها في عزلة تامة عن باقي سكان الأرض، بسبب معركة كسر العظم بين داعش ونظام الأسد، وتسيّد داعش للمنطقة وإرساء قواعد حياة التقشف والإبتعاد عن كلّ ماهو (محّدث)، وطبق التنظيم هذه السياسة على أبناء ديرالزور بسطوة السيف وإراقة الدم بأحكام لم تعرفها الكتب السماوية ولا حتى القوانين الوضعية، فأريقت دماء أبناء ديرالزور بغزارة لم يشهدها التاريخ، ومنعوا من الكثير من أساسيات الحياة، كاختيار اللباس، حيث أرغمهم التنظيم على ارتداء لباسٍ معين يعاقب من يرتدي غيره، أو تشغيل التلفاز، حيث منع التلفاز عن أهالي ديرالزور، وحتى الذهاب إلى الحلّاق أصبح جريمة يعاقب عليها داعش، أما بما يخص الأطفال، فكان للتنظيم تدابير معينة تكاد تكون
بمثابة سلب الأطفال من أهلهم بطرقٍ شيطانية، أولى هذه التدابير هي حرمانهم من حقوق أساسية كالتعليم واللعب والعيش في بيئة آمنة، كما عمل داعش على غسل أدمغة الأطفال واستقطابهم ومعاقبة ولي الأمر الذي يمنع الطفل من مبايعة “الدولة الإسلامية” في حين أراد ذلك
الأمر الذي خلف حالة من التشتت الأسري بسبب استغلال الأطفال و (سرقتهم).
أما من جانب نظام الأسد، فكان الحصار الإقتصادي وقصف الطيران من الآليات الناجعة بالإنتقام من أهالي ديرالزور المحتجزين أصلاً لدى تنظيم دموي فاق إجرامه كل التنظيمات التي شهدتها الخليقة، فكانت أرواح أبناء ديرالزور تحصد بقذائف طائرات الأسد والروس بحجة التنظيم، ما أجبر الآلاف من أبناء ديرالزور في نهاية المطاف إلى النزوح وترك أراضيهم ومنازالهم بفعل آلة القتل الشعواء التي مارسها عليهم نظام الأسد وأعوانه.
خلفت هذه الظروف التي طبقت على أبناء ديرالزور صغاراً وكباراً، أطفالاً ونساءاً، أمراضاً مجتمعية لاتزال آثارها إلى وقتنا الحاضر، ولم تزُل تلك الآثار في وقت قريب، فبسبب غياب مفهوم حقوق الإنسان عن الفصائل التي توالت على حكم ديرالزور، غابت أدنى حقوق الإنسان عن حياة أهالي ديرالزور، فلا حق للأطفال بالتعلم الأساسي كما هو مطلوب، أو اللعب، أو الحياة في بيئة صحية جيدة، ولا حق للكبار في الحياة، أو العيش في حرية وكرامة، بل عادت حياة الانكسار في أبهى حللها.
ما يسعى إليه أبناء ديرالزور اليوم، بعد مضي ثمان سنوات من عمر الثورة السورية ضد نظام الأسد، هو حق الحرية وحق العيش بأمان وسلام، يعدّ في باقي بقاع الأرض أمور أساسية جوهرية لايمكن المساس بها، إذ أنها حقوق ضروريّة لاستمرار حياة الإنسان والتي من حق أي إنسان وبصفته إنساناً أن يحصل عليها.