This post is also available in: English
السماء تمطر حمماً ، حممٌ مختلفة الأنواع و الأحجام ، لكنها متشابهة في هدفها المنشود ، و هو القضاء على جميع من يعيشون على هذه البقعة المعزولة عن كوكب الأرض .
بهذه الكليمات افتتح أبو محمود حديثه عبر برنامج الواتساب مع أحد أقربائه في ريف ديرالزور الشرقي عن مأساتهم التي يعيشونها منذ عدة شهور في بلدة السوسة بالقرب من مدينة هجين و قرية الباغوز التي يتحصن بها تنظيم داعش كآخر حصنٍ له في محافظة ديرالزور .
يضيف الرجل الخمسيني :
” الحياة لدينا الآن عبارة عن محاولاتِ هروب من الموت ، فمن يحالفه الحظّ بالنجاة من قذائف طيران التحالف و القذائف التي تصبّ على رؤوسنا من كل حدبٍ و صوب ، فعليه أن يسعى أن لا يموت جوعاً أو حتى عطشاً ، حيث لم يعد هناك مواد غذائية في المنطقة منذ أكثر من أربعين يوماً ”
تتعدد الأسباب و الموت واحد لآلاف المدنيين المحاصرين من أبناء ديرالزور ، بين مطرقة تنظيم داعش و سندان قسد و التحالف و مشاركة الميليشيات الإيرانية و قوات الأسد.
يرزح أكثر من ٣٠ ألف مدنيّ من ديرالزور في بلدات ( هجين ، السوسة ، الباغوز ) ، يعتبرهم التنظيم أداةٌ استراتيجية كدروع بشرية يستخدمها للضغط على الأطراف الأخرى في المعركة ، و يمارس عليهم هوايته السادية في القتل بحججٍ ذات قوالب جاهزة ، التعامل مع التحالف الدولي ، و لا يخجل التنظيم من أن يبث التسجيلات التي تتضمن التفنن بقتل أعداد منهم ليبعث من خلالها رسائله لأعدائه أنّ دمويته لم تتأثر بالصفعات التي تلقاها خلال الفترة الماضية .
الموت جوعاً ، أحد الأسلحة المسلّطة على رقاب المحاصرين ، فقسد و التحالف يمنعون دخول المواد الغذائية و الطبية إلى المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش منذ ما يقارب الـ ٩٠ يوماً ، متجاهلين وجود آلاف الأطفال و النساء المدنيين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم من أبناء هذه المحافظة التي أصبحت ساحة لتصفية الحسابات الدولية.
يقول أبو محمود :
” منذ أكثر من شهر ، نعيش على فتات من الخبز عندما يتوفر ، و نقتصد بشرب الماء ، فالحصول على ماء الشرب يتطلب انتظار أيام و أيام بسبب القصف المتواصل ، لعدة أيام تناولنا الحشائش بسبب انقطاع الطحين و غياب الخبز و خلو المنازل من الطعام، فكانت الحشائش سبيلنا الوحيد للاستمرار ”
في حربهم المزعومة على الإرهاب ، يعتبر التحالف الدولي و قسد مدنيي ديرالزور المحاصرين أهدافاً مشروعة لتحقيق غايتهم ، ربما الأمر غير معلن من قبلهم ، لكن باستهدافهم المشافي والمساجد و ارتكابهم المجزرة تلو الأخرى باستهداف منازل الريفيين البسيطة التي يستخدمونها كملاجئ من غارات الطيران الحربي بشتى أنواع الذخائر المشرّعة دولياً و المحرمة منها ، و حرمانهم من الطعام و الدواء و الشراب ، خير دليل على شرعنتهم لقتل أبناء ديرالزور المأسورين من قبل التنظيم .
ليس لديهم أيّ سبيل للفرار والنجاة من المستنقع المملوء بالموت و المحيط بهم من كل جانب ، يقول أبو محمود :
” الهروبُ من الموت هنا أمرٌ مستحيل ، فإذا تمكنت من الفرار من براثن عناصر التنظيم ، فربما تكون فريسة لحقول الألغام التي زرعها تنظيم داعش حول المنطقة التي تعتبر كسجنٍ كبيرٍ لنا ، الحل الوحيد هو أن تمتلك آلاف الدولارات و تكون على معرفةٍ بأحد عناصر التنظيم ، آنذاك من الممكن أن تنجو من هذا الموت المحتم ”
يمنع داعش خروجهم و يطبق عليهم شقّ الحصار ، يشاطره به التحالف الدولي و قسد ، والضحية واحدة ، يعيش آلاف الأطفال من المحاصرين حالات الخوف والهلع المتواتر ، مع نقص حاد في الغذاء و حرمانٌ تام من الدواء واللقاحات ضد الأوبئة ، تكتنف ذويهم حالة من اليأس و قلّة الحيلة في ظل هذا السكوت المخزي من المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان و غضّ الطرف من قبل المجتمع الدولي عن التجاوزات التي تصل إلى حدّ الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها التحالف الدولي بقيادة أمريكا و ذراعه قسد .