*فراس علاوي
قد تتشابه المدينتان في أشياء كثيرة في تاريخها وديمو غرافيتها وفي ديمومتها التاريخية وثقلها العشائري وفي كونها بحر النفط الذي ترسو عليه حكومات دولتيهما وقد تتشابه في المصير أيضاً.
الموصل ثاني محافظات العراق، ذات الأهمية الإستراتيجية والإقتصادية، سيطرت عليها داعش بما يشبه المسرحية أو الخيال، الآلاف من الجنود ومئات الآليات تسقط أمام مقاتلين يعدون بالمئات مسلحين بأسلحة خفيفة ومتوسطة وتسلم المدينة.
ليبدأ الحديث عن عملية استعادة الموصل والتي استمرت التحضيرات لها قرابة العام وكأنها ستالينغراد جديدة , التحضيرات التي كما يبدو مبالغ فيها ,أريد لها ان توحي ان القضاء على داعش في العراق سيكون في الموصل وأن الضربة القاضية ستكون هناك.
سياسياً…..
هناك أطراف كثيرة مستفيدة من معركة الموصل إن نجحت في طرد داعش واستعادة المدينة , ويمكن تقسيم هذه الأطراف إلى محلية وإقليمية ودولية.
محلياً ستظهر السلطة المركزية في بغداد بمظهر المنتصر والمسيطر على الأمور , وهو ما يقدم دعم لحكومة العبادي ضد خصومها السياسيين وبالتالي سيطرتها على العملية السياسية , لكن هذه التطلعات تصطدم بوجود الحشد الشعبي (الشيعي) والذي يتخوف الجميع من دخوله للموصل وقيامه بمجازر تشبه تلك التي حصلت في الفلوجة والأنبار , لذلك فقد تم الإتفاق على بقاءه خارج الموصل , كذلك هناك حكومة أربيل حيث يرى الأكراد أن لهم حصة في الموصل وعليهم أن يقتسموا الكعكة مع حكومة بغداد , ويشارك ايضاً ال ب ك ك بدعم إيراني فإيران التي تتبنى الحشد الشعبي وجدت لها فصيلا آخر تدعمه , يكون معادي لحكومة أربيل , كذلك الحشد الشعبي المدرب في تركيا والمدعوم من الأتراك , كل هذه القوى تتجهز للإنقضاض على الموصل ولكل منها أجندته المختلفة.
إقليميا تدخل الموصل ضمن الصراع الإيراني التركي على مناطق النفوذ بصورة مباشرة , و بمساندة سعودية خليجية لتركيا بصورة أقل , حيث تتحول الارض إلى حرب إقليمية بالوكالة والجميع يبحث عن موطئ قدم في أرض النفط ولا يخفى على أحد الدور التوسعي الإيراني في المنطقة خاصة أن السيطرة على الموصل ستطلق يد القوى المتحالفة مع إيران وستكون عنصر فعال في تحقيق الأجندة الإيرانية في المنطقة .
الأمريكان يبحثون عن نصر معنوي قبيل مغادرة أوباما للبيت الابيض , وبالتالي تقديم خدمة معنوية للمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون في صراعها للوصول للمكتب البيضاوي.
كذلك هم يبحثون عن نصر عسكري يعيد للقوات الأمريكية هيبتها التي بدأت تفقدها في سوريا والخليج العربي أي في الشرق الأوسط الذي كان يعتبر ملعبها وحليفها التقليدي .
هذا الصراع يجعل من الموصل محط الأنظار , خاصة بعد الحديث عن دور خفي للبريطانيين اصحاب الوجود التاريخي في الموصل .
على الطرف المقابل فإن داعش تدرك تماما ان معركة الموصل مفصلية بالنسبة لها وأنها ستكون القشة التي تقصم ظهر البعير في العراق وربما سوريا لاحقاً.
مما يبدو أن داعش غيرت من إستراتيجيتها بعد خسائرها الكبرى في سوريا والعراق . وبدأت بتغيير طموحها في التمدد والبقاء في المدن وربما التحول لاحقا لحرب العصابات لذلك فقد بدأت تحول من خطابها الفكري باتجاه القبول بالهزيمة واعتبارها( إمتحان الهي )كما كتب بعض منظريها في مجلة النبأ الناطقة باسم التنظيم والتي بدأت تروج لإمكانية الهزيمة
الشيء المؤكد عسكرياً واسترتيجيا أن داعش ستهزم في الموصل سواء بوقت قياسي سريع كما يتوقعه البعض , أو استمرار العمليات لعدة أشهر لكن إنهيار دفاعات داعش في المنطقة وخاصة في القيارة ومداخل مدينة الموصل أمام قوات البشمركة والجيش العراقي المتمثل بقوات مكافحة الإرهاب . تعطي الإنطباع بأن المعركة لن تطول والتي يبدو من الاستراتيجية الدفاعية لداعش أنها تحضر لحرب عصابات وليس حرباً مفتوحة مع جيوش , حيث يؤمن الطيران تغطية دائمة لها , لذلك منع الأهالي من الخروج وتجمع مقاتلوه في الأحياء الشرقية للموصل وهي ذات طبيعة شعبية فيها حارات ومداخل ضيقة تساعد على حرب المدن ونشر القناصة على أسطح الابنية واتخاذ المدنيين كرهائن إضافة لحفر الخنادق وملئها بالنفط وإحراقها كاستراتيجية دفاعية .
القوات المشتركة والتي يجمعها هدف محاربة داعش وتفرقها عشرات الأهداف الأخرى ربما تستطيع التقدم بسرعة في مناطق مفتوحة , لكن الألغام التي زرعتها داعش بالإضافة لاستخدامه السيارات المفخخة والهجمات الخاطفة كالذي حدثت في كركوك حيث تسلل مقاتلوه للمدينة وسيطروا على المباني الحكومية فيها قبل حصارهم من قبل قوات الببشمركة وخوض اشتباكات معهم , ومن ثم تحرير المدينة منهم بعد خسائر في صفوف قواتها الأمنية .
معركة الموصل لاتزال في بدايتها وربما ستشهد تطورات دراميتيكية كبيرة ومفاجئة .
رغم الحديث الذي تكرر عن ربط معركتي الرقة والموصل مع بعضهما البعض استراتيجيا وزمنيا إلا أن المشاكل التي اعترضت عملية تحرير الرقة خاصة تلك المتعلقة بمشاركة الأكراد فيها واعتراض الأتراك أخرت عملية الرقة مما حدا بالتحالف اتباع استراتيجيات جديدة تحسباً للتغيير الذي سينتج من معركة الموصل .
هذه الاستراتيجية كان مسرحها محافظة دير الزور والتي بحكم موقعها الجغرافي فهي صلة الوصل بين سوريا والعراق وهي الفاصل بين مكان المعركتين وهي ذات أهمية إقتصادية وجيو سياسية للتنظيم , لذلك اعتمد التنظيم على تقوية وجوده فيها كذلك فقد جعل منها ملاذاً لعائلات مقاتليه والتي أخرجها من الموصل حيث تشير التسريبات إلى وصول 200 عائلة تقريباً إلى دير الزور , كما أجرى التنظيم تغييرات ادارية تحسباً لهذه اللحظة كما تواترت الأخبار عن حشد التنظيم لعدد من مقاتليه ممن كانوا في دير الزور للتوجه للموصل لخوض المعركة هناك , سحب هذه العناصر خاصة من دير الزور فتح المجال للتقدم ولو جزئياً في بعض جبهات دير الزور.
التحالف عمل على تقطيع أوصال محافظة دير الزور وذلك باستهداف جسورها حيث دمر جميع جسورها في محاولة منهم لإيقاف تحركات التنظيم خاصة قدرته على نقل آلياته الثقيلة .
استهداف الجسور عمل على شل تحركات داعش وبالتالي قطع الطرق الإستراتيجية التي تتبعها داعش , والذي كان الهدف منه فصل القوات الموجودة في سوريا عنها في العراق , خاصة الاسلحة الثقيلة والمصفحات والسيارات المفخخة .
معانة أهالي دير الزور من هذا العملية بدأت منذ بداية استهداف الجسور وهي المنطقة التي تعاني اصلاً من حصار مزدوج من النظام وداعش , حيث بدت الاثار الاقتصادية هي المظهر الأكثر وضوحاً , جراء ارتفاع الاسعار وقلة المواد خاصة الغذائية وصعوبات نقلها والتي تحولت الى طرق بدائية حيث أُنشأت معابر لتنقل الناس والبضائع بطرق بدائية وحتى هذه المعابر لم تسلم من قصف الطائرات.
معاناة أخرى تضاف لسكان المحافظة تتمثل بازدياد شراسة عناصر التنظيم وعمليات القمع خوفاً من عمليات سرية أو انتقامية ضد عناصره , كذلك ازدياد عمليات مصادرة المنازل تحت ذرائع مختلفة وإسكان عائلات مقاتليه الوافدة من مناطق الاشتباكات في العراق .
معركة الموصل التي بدأت وسط خلافات سياسية تعمل الولايات المتحدة على لملمتها وبهدف استراتيبجي واحد هو تحرير المدينة , لكن باعتبارات مختلفة لأجندات تحملها جميع الفصائل المشتركة في المعركة , إختلاف هذه الأجندات بين الفصائل المشاركة ربما يعتبر عنصر قوة لداعش خاصة في ظل تعنت عراقي إزاء مشاركة الأتراك في العملية وإصرار تركي على المشاركة يرافقه عمل أمريكي على تقريب وجهات النظر .
كل هذا الخلافات جعلت اللاعبين الدوليين يبحثون عن طريقة للوصول إلى حل يرضي الجميع بدت عناوينه في الدعوة لإجتماع أممي حول الموصل.
بانتظار ماستسفر عنه معركة الموصل تبقى دير الزور تنتظر تحت حمم الطائرات , ونيران ترقب معركة قادمة يبدو أن داعش قررت أن تكون معركتها الأخيرة فهل ستكون معركة دير الزور المرتقبة هي آخر المعارك الكبرى , وما هي القوى التي ستخوضها وما هو حجم الخسائر التي سوف تلحق بالمنطقة , هذه الأسئلة تجيب عنها الأيام القادمة التي ستلي معركة تحرير الموصل.