This post is also available in: English
شّن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش )، خلال الأيام القليلة الماضية هجوما عنيفا على قوات الأسد، المتواجدة في ديرالزور في أكثر من جبهة , حيث تسيطر قوات الأسد، على عدة أحياء في المدينة كحيي الجورة والقصور في الجهة الغربية من المدينة، يلاصقها مركز الطلائع الذي أصبح ثكنة عسكرية و اللواء 137، وحيي هرابش وقسم كبير من حي الطحطوح في القسم الشرقي من المدينة يجاورها المطار العسكري وقرية الجفرة المتاخمة له، يوصف هذا الهجوم بالأشرس منذ قدوم التنظيم وسيطرته على محافظة ديرالزور في أواخر عام 2014.
واعتمد التنظيم في معركته الأخيرة ضد قوات الأسد، على عنصرين اثنين هما عنصر المباغتة وعنصر الخداع , متبعا اسلوب في القتال يصفه بعض المراقبون ب ،،الجديد،، مقارنة بنمط القتال المعتاد للتنظيم, فمن المعروف عن التنظيم عسكريا اعتماده على العمليات الانتحارية في بدء معاركه، عن طريق تفخيخ السيارات والعربات العسكرية و تفجيرها قرب النقاط المراد اقتحامها، فتكون هذه المفخخات بمثابة نذير لبدء المعركة، مما يدفع بالقوى المستهدفة إلى الاستنفار والاستعداد الفوري وعادة ما ينتهي الهجوم بالفشل، في المعارك الأخيرة التي خاضها التنظيم ضد قوات الأسد.
في دير الزور اتخذ التنظيم اسلوب جديد يختلف في تكتيكه عن سابقه مرتكزا على عنصرين هما، عنصر التمويه( الخداع )، حيث عمد التنظيم على اتباع تكتيك مشاغلة العدو في جهة والضرب في جهة مغايرة، حيث يقوم التنظيم بحشد عناصره وعتاده الثقيل في جبهة معينة ويوهم جيش الأسد بأنه سيقتحم هذه الجبهة، ليفاجئه باقتحام نقطة ثانية في جهة مغايرة، كحشده لقوات ضخمة على مشارف قرية الجفرة المتاخمة للمطار.
وأوهم قوات الأسد أنه سيشن هجوم على القرية، وبعد أن جذب أنظار قوات الأسد لهذه النقطة واستقدام قوات لتدعيم الجبهة وصد الهجوم، كان الهجوم الحقيقي للتنظيم في الجهة الأخرى من المدينة على اللواء 137، كما قام بحشد السلاح الثقيل وعدد كبير من العناصر على أسوار المطار، بينما كان الهجوم الحقيقي بمنطقة المقابر على الجبل المطل على أحياء مدينة ديرالزور.
وأما العنصر الثاني هو عنصر المباغتة، حيث اتبع التنظيم تكتيك القتال بمجموعات صغيرة (انغماسية ) تخترق نقاط العدو بغتة لتحدث اختلال وارباك في صفوفه، ممهدة الطريق للعناصر الموكل إليهم أمر الاقتحام وبسط السيطرة على تلك النقاط.
ومن الأسباب التي رجحت كفة التنظيم في هذه المعركة، اعتماده على قوات النخبة المدعمة بقادة عسكريين ذوي باع طويل في القتال من الذين كانوا متواجدين في العراق، إضافة إلى العتاد الذي اغتنمه التنظيم في معركة تدمر.
وبدا الهدف الاستراتيجي القريب للتنظيم من المعركة الأخيرة التي شنها على قوات الأسد، هو تقطيع أوصال قوات الأسد في المدينة ومحاولة عزل الأحياء الخاضعة لسيطرتها عن بعضها، أي عزل القسم الغربي عن القسم الشرقي، ومحاولة قطع طريق الإمداد البري بين المربع الأمني في الجهة الشرقية و المطار العسكري في الجهة الغربية والذي يمر بمنطقة المقابر الموصولة بطريق عسكري يمر من الجبل المطل على حي هرابش وصولا للمطار.
وبالفعل، نجح التنظيم في الأيام الأولى من المعركة من تحقيق هدفه القريب من المعركة، حيث استطاع السيطرة على عدة نقاط استراتيجية داخل المدينة كمنطقة المقابر على جبل العمال التي تعتبر جسر حيوي لقوات الأسد، والسيطرة على كراج البولمان ومعامل البلوك والقرميد وقسم كبير من شارع بور سعيد ذو الأهمية الاستراتيجية الكبيرة، كما استطاع التقدم في عدة محاور على جبهات القتال ضمن أحياء المدينة.
وتتلخص الأسباب التي دفعت التنظيم لشن المعركة في هذا الوقت حول سعيه في معركته الأخيرة في دير الزور إلى تحقيق انتصار يعود عليه بعدة مكاسب على عدة أصعدة منها، رفع الحالة المعنوية المتردية لمقاتليه بعد الخائر التي تعرض لها التنظيم في معاركه ضد الحشد الشعبي والقوات العراقية في الموصل .
وخطوة استباقية لما يجري من أحداث جديدة في الثورة السورية، بعد التحركات الدولية الأخيرة لمحاولة توطيد وقف إطلاق النار في كافة الاراضي السورية واستثناء مناطق سيطرة التنظيم، وما سيترتب عليه من معطيات ستصب في تكثيف القوى العسكرية لقتال التنظيم بعد هدوء الجبهات التي تقاتل فيها قوات الأسد وحلفاؤه، وستكون دير الزور نقطة انطلاق لهذه القوى كونها نقطة متقدمة في مناطق سيطرة التنظيم الممتدة من الريف الحلبي وحتى حدود العراق، مما جعل التنظيم يفكر ببسط سيطرته على كامل المحافظة ليجعل منها حصنا منيعا لمقارعة أي عدوان بري محتمل في قادم الأيام.
كذلك محاولة التنظيم تحقيق انتصار عسكري على قوات الأسد، في ديرالزور يكسب من خلاله تأييد شعبي من الحاقدين على نظام الأسد، واكتساب حاضنة شعبية في مناطق سورية أخرى، تتجه أعين التنظيم إليها كمحافظة إدلب على سبيل المثال.
في حال استطاع تنظيم داعش من تحقيق أهدافه ومساعيه والسيطرة على كامل محافظة ديرالزور، والتي تعتبر ثاني أكبر محافظة في سوريا من حيث المساحة الجغرافية حيث تبلغ 33 ألف كم2، ووصلها بمناطق سيطرته في مدينة تدمر بريف حمص من جهة، و الرقة والريف الحلبي من جهة أخرى.
ويرسم بذلك التنظيم حدود اقليم مستقل وحصن عتيد، لن يكون تحريره بالأمر السهل، إضافة لمخاوف من مجازر دامية سينفذها التنظيم بحق المدنيين في الأحياء التي تقع تحت سيطرة قوات الأسد، حيث قام التنظيم بفرض حصار خانق على تلك الأحياء التي يسكنها أكثر من مائة ألف مدني، منذ أكثر من عاميين واعتبرهم مرتدين يجاز قتلهم، واستمر التنظيم بقصف تلك الأحياء السكنية بكافة أنواع القذائف وأوقع العشرات من الشهداء والإصابات.