قبل سنوات وتحديداً مع بدء الحملة الدولية لمحاربة تنظيم داعش فيما يُسمّى بالتحالف الدولي لمحاربة داعش، وبالشراكة مع قوات عسكرية محلية وهي المجالس العسكرية في عدة مناطق؛ مجلس دير الزور العسكري وغيره، بدأت المعارك الفعلية ضد تنظيم داعش الذي كان قد وصل إلى أوج انتصاراته منتشياً بالرعب الذي زرعه في قلوب أهالي المنطقة، الذين اضطر من لم يفرّ منه أو لم يجد ملاذاً آخراً إلى التعايش معه، مع هذه المعارك، بدأ النزوح الفعلي في الداخل السوري، وموجات النزوح من العراق، ليتم افتتاح مخيّم الهول الذي سيغدو فيما بعد من أشهر المخيّمات في العالم.
مخيّم الهول شرق الحسكة، مرّ بأربع مراحل، فقد تأسّس في العام 1991 عقب حرب الخليج الأولى في بلدة الهول، وثم أعيد افتتاحه عقب حرب الخليج الثانية 2003، وأعيد افتتاحه مرة أخرى لكن عن طريق الإدارة الذاتية عام 2016، وبلغ ذروته عقب آخر معارك الباغوز 2019، ليضم سوريين وعراقيين وأجانب.
السوريون في الهول:
بلغ عدد السوريين في أعلى إحصائية لها عقب معارك الباغوز شرقي ديرالزور في أوائل العام 2019 إلى أكثر من 28 ألفاً، لكن هذا العدد بدأ بالتناقص تدريجيا، مع جهود إعادة النازحين إلى مواطن سكناهم الأصلية، والسوريون في الهول ليسوا كلّهم من مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، أو المناطق التي حرّرها التحالف بالشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية، بل هناك أعداد كبيرة من السوريين من مناطق تخضع الآن لسيطرة النظام السوري.
يبلغ عدد السوريين حالياً أكثر من عشرة آلاف شخص، حوالي ستين في المائة نساء، وحوالي النصف منهم أطفال.
وقد عملت الإدارة الذاتية لإعادة النازحين ممن يقعون في الخط الإداري التابع لها، واتخذت عدة خطوات في هذا الاتجاه، بداية عن طريق إعادة نازحين بناء على كفالات عشائرية، خرج المئات بهذه الطريقة، ثم عن طريق تسيير رحلات للراغبين بالخروج، وخرج المئات أيضاً، لكن الرتم كان بطيئاً في كافة الأحوال.
يقول معارضون إنّ الإدارة الذاتية تستغلّ ورقة الهول لمكاسب سياسية، وتلقي مساعدات دولية، وضمان أطول لتواجد قوات التحالف الدولي وعلى رأسهم أمريكا.
ولا يبدو أنّ هناك استراتيجية واضحة للتعامل مع ملفّ الهول، لا على أجندة الإدارة الذاتية ولا على أجندة التحالف الدولي، وسط مخاوف تتزايد من كون هذا المخيّم قنبلة موقوتة، وهي تنفجر هنا وهناك لكن على شكل تحرّكات خلايا وعمليات اغتيالات وعمليات فرار وحسبة تدير المخيّم بسرية وزيادة النسل عن طريق زواجات متكررة من أطفال بطرق سرية.
البقاء كُرهاً:
مع أنّ الحديث يتكرّر كثيراً أنّ العراقيين وقسماً من السوريين لا يريدون العودة إلى مواطن سكناهم الأصلية بسبب الخوف من حالات الثأر ووصمة العار، وسوء الوضع وخسارة كلّ شيء كتدمير المنازل والإعالة وفقدان قسم من العائلة، إلا أنّ هناك قسما من السوريين يرغبون في العودة دون أن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا، ففضلا عن الدراسات الأمنية المعقّدة والطويلة لقوائم الأسماء من الراغبين بالخروج، فإنّ قيد النفوس الذي يثبت انتماء هؤلاء لمناطق تخضع حاليا لنظام الأسد، يجعل منها العائق الأكبر أمام العودة.
وذلك أنّ نظام الأسد لا يسعى إلى إعادة أي أحد، فضلاً عن أنّ تخوفا كبيراً لدى النازحين هؤلاء من العودة لمناطق سيطرة نظام الأسد خوفاً من الانتقام والسجن، والاستفزاز، إضافة إلى أنّ نظام الأسد لجأ أساساً إلى مصادرة أملاك الكثيرين منهم معتبراً إياهم إما معارضين أو منتمين لداعش، وكذلك إرضاءً لميليشياته التي تعتاش بطرق غير شرعية كالاستيلاء على الممتلكات وبيع المخدرات وغيرها من الأساليب القذرة.
كما أنّ الإدارة الذاتية يبدو أنّها غير جاهزة حتى الآن لتقبّل هؤلاء في مناطقها، دون أن تستطيع جهات محايدة كالمنظمات الدولية لعب دور وسيط يستطيع معه هؤلاء الخروج من جحيم المخيّم.
العائدون الخاسرون:
يحسد قاطنو الهول من السوريين الخارجين من جحيمه، وكأنّه خروج من سجن كبير إلى الحرية، لكن ما إن يخرج هؤلاء خارج بوابات المخيّم حتى يُحسّوا بالأهوال التي تنتظرهم، فمعظمهم فقد منزله وأعماله، والكثير منهم فقدوا معيليهم.
هناك في الخارج تبدأ الرحلة الأصعب، حيث يبدأ العديد منهم حياتهم من الصفر، وفضلاً عن وصمة العار التي تلاحق معظم العائدين وخاصة النساء، فإنّ الحصول على فرصة عمل توفر مصروفا كبيرا يتألف من آجار المنزل وتكاليف الحياة اليومية، في وقت يعاني فيه معظم السكان الوقوع تحت خط الفقر، يُضاف إليه انعدام الموسم الزراعي ومعه فقدان الفرص المرتبطة به.
لا يجد هؤلاء عملاً بسهولة، وإن وجدوا عملاً فإنّ مردوده لن يغطي بالكاد سوى كفاف العيش، ومع أنّ عشرات المنظمات تعمل في المخيّم، إلا أنّها لا تقدّم برامج متسلسلة للتعامل مع قاطني الهول أو الخارجين منه، بشكل يساعدهم على تأمين فرص عمل، وتنحصر جهود المنظمات الفعلية في تقديم الخدمات ضمن المخيّم، وبعض جلسات الدعم النفسي، ذات الأثر الضئيل.
كما يصعب على العائدين الحصول على وثائق رسمية سواء من الذين فقدوها في ظروف الحرب والانتقال إلى المخيّم أو الذين تزوّجوا فلم يثبتوا زواجاتهم أو يسجلوا أطفالهم، وهؤلاء يضطرون لدفع مبالغ كبيرة، حتى يستطيعوا استخراج وثائق عن طريق الرشوى لأطراف متعددة من موظفين ومحامين وسلسلة يضطر معها لدفع مبالغ كبيرة.
من سيغلق أبواب المخيّم:
على الرغم من أنّ الإعلام ينقل دوماً أخباراً عن رحلات للعائدين من الهول، إلا أنّ الواقع الفعلي يشير إلى أنّ هذه الرحلات لا تحمل معها سوى القليل منهم، في ظلّ العدد الكبير من القاطنين.
ومع أنّ الحديث تزايد في السنوات السابقة حول إنشاء محكمة لعناصر داعش والذين يرتبط الكثير منهم بذويهم داخل المخيّم، إلا أنّ الأمر جرى تسويفه، كما أنّ هناك عددا من قاطني الهول لا يرغبون أساسا في الخروج إما لأنّهم ينتظرون ذويهم من عناصر التنظيم في السجون أو الأبناء في مراكز التأهيل، أو للأسباب التي سردناها سابقا من الخوف من الثأر وغيره.
العنف في المخيّم لا يتوقّف وعمليات الاغتيالات بكواتم الصوت والأدوات الحادة وعمليات الفرار من المخيّم لا تتوقف هذا كلّه يمثّل واقعا صعبا للغاية ومعقّدا لدرجة كبيرة، ومع كل ذلك تقوم إدارة المخيّم بحملات أمنية كل فترة، تكتشف خلاله أسلحة وكواتم وأنفاق وشبكات حسبة سرية، وغيرها.
وتقوم إدارة المخيّم منذ بداية العام 2023 بإجراءات فصل جيدة بين قطاعات المخيم عبر فاصل من شباك معدنية وبوابات، وإنشاءات أكثر تحصينا، ما يدلّ على أنّ الإغلاق لا يبدو قريبا.
فالدول لا تأخذ رعايا إلا برتم ضعيف لا يُنتظر معه حلّا للأجانب، والعراقيون الذين إن ظلوا على هذا الرتم فقد يصل الأمر لسنوات حتى ينتهوا من نقل هؤلاء اللاجئين، فيما السوريون الباقون ربما يرتبط مصيرهم بتسويات سياسية لا تلوح في الأفق القريب.
في المحصلة، يبدو أنّ أمر المخيّم وإغلاق بابه هو أمر معقد كالحال السورية ذاتها، التي لا تلوح في الأفق أي حلول لها.
توصيات عامة:
تحسين أوضاع القاطنين في المخيّم وخاصة السوريين، وتقديم تعليم جيّد للأطفال، لكي لا تعمّ الأمية كل خارج من المخيّم.
مساعدة القاطنين على استخراج ثبوتيات على الأقل من قبل الإدارة الذاتية، أو السماح لهم بتوكيل محامين لاستخراجها من دوائر حكومية عبر رشاوي.
تحسين الواقع الصحي، ومساعدة المرضى على الخروج لإجراء العمليات الضرورية والحالات الخاصة، وتقديم برامج تأهيل مهني مكثفة للراغبين بالخروج.
محاولة التنسيق مع منظمات خارج المخيمات لمساعدة العائدين وتقديم بعض المساعدات حتى يستطيوعوا البدء من جديد، والتعامل بجدية أكبر مع المخيّم واعتبار القاطنين فيه ضحايا.
تسريع الرحلات والتخفيف من الإجراءات، وإعادة نظام الكفالات العشائرية لأن ذلك من شانه تسريع تسيير الرحلات.