This post is also available in: English
تقرير خاص لديرالزور24
ديرالزور والتي همشت من قبل الأسدين الأب والابن، والتي كانت حتى وقت قريب لا تحوي على جامعة أو فروع جامعية باستثناء كلية الزراعة، وبعض المعاهد تتمتع بعدد جيد من الكفاءات، ومع ذلك لم يكن لها النصيب الكبير من التعيين، ضمن المحافظة، فأكثر الإدارات كان يشغلها أشخاص من خارج المحافظة، مما اضطر أبنائها للهجرة الداخلية أو الخارجية كدول الخليج .
ومع انطلاق الثورة انحاز كثير من هؤلاء إلى صفوف الثورة وانخرطوا فيها، وخرجوا في مظاهرات الحرية والكرامة، وتعرض العديد منهم للاعتقال والتصفية خاصة من طلبة الجامعات، أو الأطباء والصيادلة، وأطباء الأسنان، والحقوقيين والمهندسين، وغيرهم، حيث قامت قوات الأمن باعتقال العديد منهم من مقرات عملهم،وتمت أهانتهم والاعتداء عليهم ووضعهم في سجون مع المجرمين وأرباب السوابق.
مع الثورة في أصعب ظروفها
تحول الثورة العمل المسلح جعل دور الأطباء يطفو على السطح بشكل ملحوظ، بعد أن كان دورهم يقتصر على إسعاف المصابين من المتظاهرين برصاص الأمن بشكل سري في عياداتهم أو منازل الممرضين، ابتــداءً من حزيــران عام 2012، وحتى الشهر نفسه من عام 2014، وهي المدّة بين تحرير معظم أجزاء محافظة دير الزور ثم احتلالها من قبل داعش؛ تمكن النشطاء الطبّيون في المحافظة من بناء منظومة خدمات صحية عامة شكّلت إلى حدٍّ كبير بديلاً فعالاً عن منظومة الصحة الحكومية التي تراجع دورها وتآكلت بنيتها لأسبابٍ عدّة، أبرزها سياسة العقاب الجماعي التي انتهجتها قوات الأسد ضدّ سكان المناطق المحرّرة، والآثار المختلفة للحرب على هذه المنظومة.
فخرج عن العمل كلاً من مستشفى الفرات والمستشفى الوطني في الجزء المحرّر من مدينة دير الزور، نتيجة وقوعهما في ساحات المعارك أو على خطوط القتال، ثم خرج عن العمل لاحقاً كلاً من المستشفى الوطنيّ في الميادين ومستشفى الباسل في البوكمال، قبل أن يعاود الأخير نشاطه بشكلٍ جزئيٍّ ومرتبك، في حين تولى الناشطون الطبيون تشغيل وإدارة مستشفى الطبّ الحديث في الميادين، بعد أن تخلت مديرية الصحة عن رعايته، وكذلك الحال بالنسبة إلى مستشفى التوليد في الكسرة بالريف الغربيّ لدير الزور.
وفُصل من الوظـيفة، لأسـبابٍ سياسيةٍ أكثر من 2000 موظف من ملاك مديرية صحة دير الزور البالغ 7500 موظفاً ، بحسب مصادر مؤكدة من هذه المديرية، في حين توقف أكثر من 3500 موظف كانوا لا يزالون ضمن ملاك المديرية – يستلمون رواتبهم الشهرية منها – عن القيام بوظائفهم بشكلٍ فعال.
بلغ عدد المؤسسـات الــصحية المستحدثة من قبل الثوّار 18 مؤسسة ، بين مستشفىً ومركز عـــــياداتٍ ومســـــتوصف، توزّعت عفوياً على جغرافيا المحافظة، وتفاوتت في درجة الكفاءة، وكذلك في قدرتها على الاستمرار بعد تأسيسها بحسب توافر الكفاءات الطبية والظروف السائدة في كلّ بلدةٍ أو مدينة، تضاف إلى تلك المجموعات وحدة الإسعاف السريع التي اختصّت بنقل الجرحى ذوي الحالات الحرجة من الجزء المحرّر لمدينة دير الزور، إلى مستشفيات الريف ذات الإمكانات الأفضل نسبياً، أو إلى معبر تلّ أبيض الحدوديّ مع تركيا.
في المراحل الأولى من عمل هذه المؤسّسات الناشئة، كان للتبرّعات الأهلية لأبناء كلّ منطقةٍ دورٌ هامٌّ في استمرار عملها، قبل أن تتولى منظماتٌ دوليةٌ رعاية كلّ مؤسسةٍ على حدة، وبشكلٍ منسّقٍ إلى حدٍّ ما، مع تسجيل أخطاءٍ وثغراتٍ تبدو طبيعيةً في ظروف الحرب.
إلا أن الفضل الأكبر للنجاحات التي حققتها هذه المؤسّسات يعود إلى كوادرها بأدائها المتفاني والشجاع. إذ عمل كثيرٌ منهم، ولأشهرٍ طويلةٍ، دون أجرٍ، في ظروفٍ شديدة الخطورة، ولا سيما في الأجزاء المحرّرة من مدينة دير الزور، لعبت هذه المنظومة دوراً بطولياً في تقديم الرعاية الصحية لسكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بالنظر إلى مجموع عدد عامليها المنخفض مقارنةً بحجم الأعمال والأنشطة والخدمات المقدّمة.
إذ لم يتجاوز مجموع من عملوا في هذه المنظومة 400 شخصٍ، بينهم أقلّ من 80 طبيباً من أصل 1152 مسجّلين في فرع نقابة الأطباء في دير الزور قبل الثورة، ومع دخول تنظيم داعش إلى محافظة دير الزور كانت النخب خاصة التي وقفت مع الثورة، في طليعة من استهدفهم التنظيم، وكأنه أراد لأصحاب العقول أن يهجروا محافظتهم، لتسهل له السيطرة على عقول من تبقى.
داعش التي هجرتهم
فكثير من هذه الكفاءات لم تخضع لشروط التنظيم ولن ترض الرضوخ له أو الانصياع لقوانينه، خاصةً إذا رأينا التخبط الواضح في قراراته، حيث منع عمل القضاة والمحامين بل وكفرهم واعتبرهم مرتدين، كما أوقف العمل باختصاصات طبية كثيرة كالنسائية للأطباء الذكور والجلدية وضيق على الباقي، تحت ذرائع شتى، أغلبها أن هذه الأعمال تنافي الشريعة الإسلامية، حيث تناقص عدد الأطباء والممرضين إلى ما دون النصف، وفي بعض المناطق أغلقت النقاط الطبية بشكل كامل بسبب ضغوط داعش عليهم.
سبب أخر هو توقف معظم المؤسسات عن عملها جعل هذه الكفاءات تتحول إلى البطالة وهو ما لا تقبله العقول العاملة والمبدعة خاصة فكانت موجة النزوح الأخرى، كانت تركيا هي الوجهة المفضلة لهذه الكوادر، فقد وجد الكثير منهم أنفسهم بلا عمل، فتحولوا إلى لاجئين يقطنون خيم النزوح ، جمعيهم جاؤوا إلى تركيا وعندهم الرغبة والطموح ليحققوا الكثير وليساعدوا أبناء بلدهم لكن عوائق كثيرة وقفت في وجههم قوانين البلد لم تكن تسمح بالعمل، وكذلك الجمعيات الاغاثية لم تكن بالمستوى المطلوب في التعامل فقد وصل الفساد إلى مفاصلها.
المهندسين والفنيين والمدرسين لم يكن حالهم أفضل حال من الأطباء حيث شكلت هذه الفئات حجر الأساس في إعادة بناء المؤسسات الحكومية داخل المناطق المحررة، ففي ذات الفترة بين تحرير أغلب مناطق دير الزور، واحتلالها من قبل داعش فصل ما يقارب ١٠٠ مهندساً و ٣٥٨ مدرساً من كافة الإختصاصات ، حيث شكّل المهندسون والفنيون ما يسمى المجالس المحلية والتي أعادت الحياة لمدينة دير الزور حيث ركزوا اهتمامهم على الجانب الخدمي لضعف الإمكانيات المتوافرة وبالرغم من تلك الصعوبات إلا أنهم تمكنوا من تسيير أمور المدينة.
استطاع المدرسون خلال الفترة ذاتها من إنشاء منظومة تعليم حرة، استغنوا فيها عن مديرية تربية وتعليم النظام، حيث وصلت المناطق التعليمية في المحافظة إلى ١٨ منطقة، وتمكنوا من إجراء الامتحانات الدورية للطلاب.
تركيا وبعدها ألمانيا
كانت تركيا الخيار الأول لتلك الكفاءات، والتي ساهمت وبشكل كبير في رفع مستوى الخدمات الطبية والتعليمية والخدمية في المناطق المحررة، إلا أنّ الواقع الصعب الذي عاشوه في تركيا، أجبرهم على ركوب البحر علهم يجدون بلد آخر، حيث كانت ألمانيا هي الوجهة الوحيدة، فهناك يتواجد ما يقارب ١٠٠ طبيب وممرض كان لهم دوراً كبيراً في الثورة السورية وبناء المنظومة الصحية قبيل دخول داعش فيها .
كما قدر عدد المهندسين والمدرسين حوالي ٢٠٠ مهندساً ومدرساً من مختلف الإختصاصات، جلّهم حاول البقاء في دير الزور إلا أن التضييق التي مارسته داعش، وصعوبة مزاولة مهنهم في تركيا، أجبرهم على النزوح إلى ما وراء البحار على أمل أن يعودوا في الأيام القريبة لبلدهم.
ويبقى بناء الوطن هو الهدف الذي يقتضي توحيد الجهود، لكي تبدأ عملية النهوض والإعمار والتي تقتضي الاستفادة من إمكانيات الجميع، وطاقاتهم خاصة الكفاءات التي تترقب العودة من أجل سوريا الجديدة سوريا المستقبل، لكن ومن أجل تحقيق العدالة فإن سوريا الجديدة يجب أن تكون تلك الكفاءات، التي لم تتخل عن قضيتها، كما كانوا في طليعة الثورة يجب أن يأخذوا دورهم الحقيقي في عملية إعادة البناء.