محمد حسان-ديرالزور24
الصديق القديم حسين، عيناه العسليتان لا تنفكّان عن الدوران في محجريهما، حتى حين يتحدّث، شاربه الكث يختلط سواده ببشرته الحنطية، ووجهه المستدير يوحي لك بأنّ صاحبه لا يخلو من التواضع الذي يحمله بين جوارحه، هو رجل جميل أن تتعرف به وتتعلّم منه أشياء كثيرة.
لا أدري كنت ألتقيه كل يوم، وبعد حين أصبحنا نلتقي صدفة، ثم تباعدنا حتى صارت أخبارنا تصل عبر وسطاء، أرى بهاء، وهو صديق مشترك، فيقول لي رأيت حسين وهو يسلم عليك، فأقول له سلّم لي عليه، ليس ذلك فحسب بل يمكن القول إننا لم نعد نهتم لسماع أخبار بعضنا، أو أنّها صارت كأنها شيء أقل من العادي، وببساطه أكثر يمكن أن أكون أو يكون في الجوار ولا يعلم أحدنا بالآخر، ولا يمر لإلقاء التحية، لكننا حين نلتقي فنحن أصدقاء يعانق بعضنا الآخر بحرارة نسأل عن بعضنا باشتياق المودّع ونهتم لأمورنا قليلاً ونمضي كل في سبيله.
ما الذي ذكّرني بحسين اليوم لا أدري، ربما رأيته حلماً جميلاً بين الكوابيس الليلية التي صارت ليس جزءاً من حياتنا اليومية بل الكل بكامله، لا أدري حلمت بأنّ حسين قُتل ورُميت جثته هكذا على قارعة الطريق، وفي الحقيقة شاهدت عيناه العسليتان تدوران في محجريهما بسرعة كبيرة، وأكثر من ذلك فإنّ سرعتهما قد زادت عندما وقفت أمامه، أو ربما أمام رأسه، لم أعد أذكر، لهول المنظر استيقظت مذعوراً، ظل المشهد يتأرجح في مخيلتي للحظات طويلة.
بعد أن استيقظت، أمسكت بالهاتف بحثت عن رقمه وسارعت بالاتصال به، لم يجب، حاولت وحاولت، لكنه لم يجب والجهاز مغلق أو خارج نطاق التغطية، كيف سأتأكّد، تذكّرت بهاء صديقنا المشترك، حين جاء صوته من الطرف الآخر قلت: مرحباّ بهاء كيف حالك؟ رد بحرارة: أهلاً محمد الحمد لله، هل ترى حسين هذه الايام، قال لي: ألم تعلم؟ ماذا؟ ذهب حسين ليصور اقتحام الأمن لبلدته الخريطة ولم يعد من يومها، بالأمس فقط وجدوه ملقى على جانب الوادي، هل كانت عيناه تدوران في محجريهما؟ ردّ بهاء: ماذا؟ عيناه لا لم تكونا موجودتان في مكانيهما أصلاً، لقد قلعتا.