This post is also available in: English
تقرير خاص بقلم محمد حسان
عامين بالتمام والكمال مضت على حصار تنظيم “داعش” لمناطق سيطرة قوات الأسد بديرالزور، والذي بدأ منذ مطلع الشهر الأول لعام 2015 ومازال مستمراً إلى يومنا هذا، حصار خانق ومميت يعيشه الأهالي دون وجود لأي بادرة أمل بالخلاص منه، ما تسبب بوضع أنساني كارثي على المدنيين بدءً من الموت جوعاً ومرضاً إلى الموت بقصف تنظيم “داعش” الذي يستهدف تلك الأحياء، إلى منع قوات الأسد المدنيين من مغادرة تلك الأحياء وسرقتها للمساعدات الإنسانية التي تلقيها طائرات الشحن التابعة لبرنامج الغذاء العالمي.
قوات الأسد وداعش شركاء بالحصار
يعتبر تنظيم “داعش” وقوات الأسد شريكان في حصار أكثر من 115 ألف مدني في ديرالزور، ممن بقي في أحياء الجورة ، والقصور، وهرابش، الواقعة تحت سيطرة قوات الأسد.
تنظيم “داعش” بدأ الحصار على المناطق المذكورة في مطلع الشهر الأول من عام 2015 حيث قام بقطع الطرق البرية المؤدية إلى تلك الأحياء، ومنع دخول المواد الغذائية والصحية كما منع دخول إي شخص إليها.
كما قام التنظيم بقطع التيار الكهربائي عن الأحياء المحاصرة وقطع الكابل الضوئي الخاص بخدمة الهاتف المحمول من جهة بلدة الشولا جنوب المدينة، ما تسبب بانقطاع تلك الأحياء عن العالم الخارجي ليعيش المدنيين فيها بظلام دامس منذ بداية هذا الحصار.
قوات الأسد هي شريك أخر في حصار المدنيين في مناطق سيطرتها، فقد منعت خروج المدنيين الذين أنهكهم جوع الحصار ومرضه من مناطق سيطرتها باتجاه مناطق سيطرة التنظيم أو غيرها، ولم تقم بتأمين الغذاء والدواء لهم رقم مقدرتها على ذلك عبر الطائرات اليوشن , ما تسبب بنتائج كارثية للحصار.
مساعدات إنسانية مسروقة
مع فرض تنظيم “داعش” للحصار وبدء ظهور علامات نقص المواد الغذائية، بدأت قوات النظام بنقل البعض من المواد الغذائية عبر الطيران المروحي إلى الأحياء المحاصرة، في محاولة للتخفيف من أثاره لكن تلك الحمولات كانت تباع إلى المدنيين بأسعار خيالية من قبل التجار المتعاملين مع قوات الأسد وضباطها في ديرالزور .
استمرار الحصار والمناشدات التي تم توجيهها للمنظمات الدولية وخاصة بعد سقوط وفيات نتيجة الجوع والمرض دفع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، للبدء بعمليات اسقاط جوي للمساعدات الإنسانية على الأحياء المحاصرة.
هذه المساعدات تتضمن مواد غذائية مختلفة من رز وطحين وسكر وزيوت ……إلخ ومستمرة بشكل منتظم منذ أكثر من 9 أشهر، بمعدل 26 شحنة في كل عملية إسقاط .
جميع المواد التي تلقيها طائرات الشحن التابعة لبرنامج الغذاء العالمي، يتم استلامها من الهلال الأحمر السوري الذي يقوم بنقلها إلى مستودعات تابعة له، ومن ثم توزيعها على المدنيين.
لكن الكثير من تلك المساعدات يتم سرقتها من قبل ضباط النظام في تلك المناطق، ويوزع القسم الأكبر منها والذي بقدر بـ 70% على عناصر قوات الأسد والميليشيات التابعة لها والعائلات المحسوبة عليها، فيما يذهب جزء قليل منها إلى المدنيين المحاصرين والتي لا تسد إلا جزء قليل من احتياجاتها.
أحمد من أهالي حي الجورة المحاصر أكد لـ ديرالزور24 أن” القسم الأكبر من المساعدات التي يلقيها برنامج الغذاء العالمي يتم سرقتها من قيادة قوات الأسد، وتباع في السوق السوداء عبر تجار محسوبين على هؤلاء الضباط بأسعار خيالية تصل لعشرة أضعاف سعرها الحقيقي”.
قتلهم الحصار
القصف الذي يستهدف الأحياء المحاصرة ونقص الغذاء والدواء تسبب بوفاة أكثر من 210مدنيي ، بينهم نساء وأطفال وكبار سن.
أكثر من 100 منهم قضوا نتيجة قصف “داعش” للأحياء المحاصرة, إضافة لأكثر من 100 جريح بينهم أعاقات دائمة كما تم توثيق وفاة أكثر من 52 مدني نتيجة الجوع ونقص الغذاء وقتل ما يقارب 30 شخص أثناء محاولتهم الخروج أو الدخول إلى المناطق المحاصرة، بينما أعدم تنظيم داعش أكثر من 58 شخصاً بتهمة إدخال المواد الغذائية إلى المناطق المحاصرة.
وجميع الذين قتلوا نتيجة الحصار وتراكماته هم من المدنيين بينهم أطفال ونساء وكبار سن .
لا كهرباء.. مياه قليلة .. والحطب للتدفئة
يعيش المدنيين في المناطق المحاصرة ظلاماً دامساً منذ شهر نيسان 2015 وحتى يومنا هذا بعد قطع تنظيم “داعش” التيار الكهربائي عنها، فالتنظيم هو من يتحكم بالتيار الكهربائي بسبب سيطرته على نقاط التحويل والتوزيع في المحافظة.
انقطاع التيار الكهربائي أجبر الأهالي على استخدام الشمع والقناديل البدائية للإنارة، كما تسبب انقطاع الكهرباء بتوقف عمل محطات المياه بشكل كبير.
ففي الأحياء المحاصرة لا توجد سو محطتين مياه تعمل لعدة ساعات كل أربع أيام، وهي غير قادرة على تأمين مياه الشرب لجميع المتواجدين في المناطق المحاصرة وحتى وأن عملت يكون ضخ المياه بشكل خامي لعدم توافر مواد التعقيم والتنقية.
أحمد من أهالي حي الجورة قال لديرالزور 24 أن ” انقطاع التيار الكهربائي وعدم تأمين قوات الأسد لمادة الديزل من أجل تشغيل محطات المياه تسبب بنقصها، ما يجبر الأهالي على نقل المياه من نهر الفرات بشكل خامي عبر العربات والحمير إلى منازلهم دون تعقيم أو تنقية”.
ومع قدوم فصل الشتاء ومضي عامين على حصار ديرالزور ، ونتيجة انعدام المحروقات ، وارتفاع أسعارها في حال توفرها، توجه الأهالي لاستخدام الحطب في التدفئة وطهي الطعام ، فسعر لتر المازوت بلغ أكثر من 2000 ل.س في حال توفره وهذا ما يعجز عنه الاغلبية في الأحياء المحاصرة والذي لا يتجاوز متوسط دخلهم مبلغ 50 ألف ليرة سورية.
فسعر كيلو الحطب يبلغ 200 ليرة وتعتبر أشجار الحدائق والشوارع مصدر الحطب ،وبحسب المتواجدين في المناطق المحاصرة فأن 90 % من الأشجار في تلك الأحياء تم قطعها من قبل المدنيين لاستخدامها في التدفئة والطهي.
نقص في الأدوية ومشفى وحيد عاجز
بعد عامين من الحصار تم اغلاق جميع الصيدليات الخاصة والعامة بعد فقدان الأدوية وعدم مقدرة التجار نقلها إلى الأحياء المحاصرة، ويعتبر مصدر الدواء الوحيد حالياً هو الهلال الأحمر السوري، ولكن بكميات قليلة جداً تقتصر على حبوب الالتهاب والمسكنات.
الدكتور ع.س من ديرالزور قال لـ د24 أن” أدوية الأمراض المزمنة غائبة كلياً ، كأدوية القلب والسكر والضغط ،والأدوية المتوفرة بين أيدينا هي عبارة عن حبوب مضادة للالتهاب والمسكنات، وهذه أيضا لا يتم الحصول عليها بسهولة بل تحتاج لمعاناة كبيرة أمام مراكز الهلال الأحمر.
وأضاف ع.س أن ” الأمر بدء في التحسن في الشهر الأخير من عام 2016 بعد أن بدأت منظمة الصحة العالمية بإلقاء شحنتي أدوية من أصل كمية 14 طن تعتزم نقلها إلى المناطق المحاصرة وتحتوي مواد طبية وسير ومات وغيرها ولكنها غير كافية مقارنة بأعداد المدنيين المحاصرين”.
أما المشافي في هذه المناطق فلا يوجد سوى مشفيين، الأول هو المشفى العسكري، والذي يختص فقط بعلاج عناصر قوات الأسد والمليشيات الموالية لها ولا يستقبل المدنيين إلا في حالات نادرة، ومشفى الأسد الذي يستقبل المدنيين، ولكنه توقف منذ أشهر بسبب سيطرة داعش عليه لعدة أيام قبل انسحابها منه، حيث قامت بسرقة معداته وتخريب ما تبقى منها، ما فاقم من تدهور القطاع الصحي في مناطق قوات الأسد.
تعليم مستمر بصعوبة
يستمر التعليم في مدارس المناطق المحاصرة، ولكن بصعوبة كبيرة حيث من الممكن أن يقوم المدرس الواحد بتدريس أكثر من مادة، كما يوجد بعض من الطلاب البكلوريا ضمن العملية التدريسية لا يملكون أي خبرة ، ما يخلق حالة فلتان وفوضى وعدم ضبط العملية التعلمية لهذا السبب.
كما تسبب الجوع وحالات الإرهاق والتعب التي تنال من الطلاب المحاصرين، في تراجع استيعابهم وعدم القدرة على التركيز، كما دفع الفقر الكثير منهم إلى سوق العمل ،أو التطوع في ميليشيات الدفاع الوطني تحصيلاً للقمة العيش.
وعلى صعيد التعليم الجامعي، فالوضع أكثر صعوبة وتعقيداً، بسبب مغادرة أغلب الكوادر التدريسية للمناطق المحاصرة، ما تسبب بتوقف بعض الكليات بشكل كامل، فيما يستمر التدريس في الكليات التي لازالت تملك كوادر تدريسية ، ولكن الامر يتم بصعوبة بالغة.
كما أن التعليم الجامعي متاح فقط للطلاب المتواجدين في المناطق المحاصرة، لأن تنظيم “داعش” منع منذ بداية الحصار دخول الأشخاص إلى تلك المناطق مهما كان السبب.
تجنيد إجباري
بعد بدء الحصار بستة أشهر، بدأت قوات الأسد بشن حملات تجنيد إجبارية طالت العديد من الشباب في مناطق سيطرتها بديرالزور ، لمحاولة صد تقدم التنظيم والحفاظ على مناطق تواجدها شرق سورية.
هذه الحملات كانت تشن من الفروع الأمنية، بشكل حملات صغيرة غير مستمرة ، استثني منها موظفو الدوائر الحكومية وطلاب الجامعات والمعاهد.
لكن الأمر أختلف بعد سيطرة تنظيم “داعش” على حي البغيلية ومستودعات عياش ومركز الصاعة غرب المدينة حيث توسعت حملات الاعتقالات والتجنيد لتشمل كل شخص بين الـ 18 والـ 45 عاماً .
حيث يتم نقل المعتقلين إلى مقرات النظام في اللواء 137 ومعسكر الطلائع، للخضوع لدورة تدريبية لا تتجاوز مدتها 10 أيام ثم يتم زجهم على جبهات القتال، ودائما ما يكون مصيرهم الموت بسبب عدم امتلاكهم الخبرة الكافية ، في القتال واستخدام السلاح.
مع استمرار الحصار المشترك من داعش وقوات الأسد للمدنيين في محافظة ديرالزور للعام الثاني على التوالي، يبقى الأهالي في حالة ترقب ولسان حالهم إلى أي مدى سوف يتعاظم وحش المجاعة …. وكم من الأرواح سيفتك في طريقه.. وإلى متى سوف يستمر الحصار ….!!