This post is also available in: English
ظهر متزعم تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي، في تسجيل مصور مدته نحو 18 دقيقة، وذلك للمرة الأولى منذ القضاء على آخر معاقل التنظيم في دير الزور، واختفاء البغدادي بعدها دون معرفة مصيره، وهي كذلك المرة الثانية منذ إعلان قيام ما سمي “دولة الخلافة”.
وظهر البغدادي محاطاً بعدد قليل من أعوانه، بخلاف ظهوره الأول خطيباً في مسجد ممتلئ بالموصل، ويبدو أنه بصحة جيدة ولا يعاني من أي إصابة على عكس المئات من مقاتليه الذين جرحوا أو أصيبوا بإعاقات دائمة، لينفي بذلك الأخبار الكثيرة التي تحدثت عن مقتله أو إصابته، وليفتح الباب أمام سؤال تم تداوله في صفوف التنظيم مؤخراً، وهو: هل شارك البغدادي في معارك الباغوز أم كان مختبئاً في مكان بعيد عن أرض المعركة؟
وكان هذا السؤال مثار جدل كبير بين أفراد التنظيم، وخصوصاً المقاتلين الأجانب، الذين قالوا إن غياب البغدادي أثر على معنوياتهم بشكل كبير ودفعهم للاستسلام بأعداد كبيرة في نهاية معركة الباغوز.
توقيت ظهور البغدادي أثار العديد من علامات الاستفهام، فعلى الرغم من غيابه لسنوات، واكتفائه ببعض الكلمات الصوتية، وامتناعه عن الظهور للتعليق على أحداث كبيرة تعرض لها التنظيم، ظهر البغدادي فجأة بعد أن كثُرت الدعوات لخلعه، وخصوصاً بعد صدور كتاب عنوانه “كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي”، دعا كاتبه إلى خلع البغدادي واختيار شخص آخر لقيادة التنظيم.
ويبدو أن البغدادي وجد الأمر خطيراً، وأن الصراع الداخلي في صفوف التنظيم بلغ حدا لا يمكن السكوت عنه، خصوصاً أنه تعرض سابقاً لمحاولات انقلاب، كان آخرها قبيل معركة الباغوز بفترة وجيزة، فظهر البغدادي ليؤكد أنه سليم معافى وعلى قيد الحياة، وأنه ما يزال مؤهلاً لقيادة التنظيم، وأنه يملك من الأتباع ما يجعله محصناً من الانقلابات، وحاول إظهار ملفات لما أسماها “الولايات”، كان يتدارسها مع أعوانه، ليثبت أنه ممسك بأمور التنظيم، وليدحض ما جاء من أحاديث عن انشقاقات في صفوف التنظيم.
لكن، وفي نفس الوقت، محاولات البغدادي لتأكيد أحقيته بقيادة التنظيم أكدت بشكل أو بآخر حجم الشرخ الكبير داخل صفوف التنظيم، فالبغدادي الذي امتنع عن الظهور عند حدوث هزات كبرى داخل التنظيم، كخسارة الموصل والرقة، المعقلين الأساسيين للتنظيم خلال فترة قوته، وجد نفسه مضطراً للظهور وإعلان وجوده على الساحة قبل أن يتم خلعه وطرده من التنظيم.
وخلال التسجيل المصور تحدث البغدادي عن استمرار المعركة بعد الهزيمة العسكرية الساحقة التي تلقاها التنظيم، داعياً إلى خوض “حرب استنزاف”، والسؤال المطروح هنا، كيف يمكن لتنظيم مفكك من داخله ويعاني من صراعات داخلية خوض حرب استنزاف؟
كذلك لم يشر البغدادي إلى ماهية تلك الحرب في ظل الهزيمة التي يعيشها داعش على كافة الأصعدة، فعلى الأرض التنظيم مهزوم وبالكاد يجد مكاناً للاختباء، وفي الفضاء الالكتروني يجد أنصار التنظيم أنفسهم محاصرين في المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وحتى خلايا داعش النائمة لا تكاد تجد مجالاً لتتنفس في ظل الملاحقة التي تتعرض لها، فعن أي حرب استنزاف يتحدث البغدادي؟
بناءً على ما سبق، لم يكن ظهور البغدادي حدثاً عادياً، بل هو قمة جبل الجليد الذي يخفي أسفله صراعات داخلية طاحنة يعيشها التنظيم، وهو على ما يبدو فعل استباقي لآخر يلوح في الأفق، قد يكون انقلاباً قادماً داخل التنظيم، أو انشقاقات تؤدي إلى تشظي التنظيم وظهور تنظيمات أخرى.
بقلم: عمر أبو ليلى
المدير التنفيذي لشبكة ديرالزور24