This post is also available in: English
معاوية الخضر – دير الزور24
في ذاكرة الفرات، الكثير أسماء تأبى النسيان، و قصص لشهداء أبرار سطروا أروع صفحات الفداء، والتضحية فقضى بعضهم برصاص الأمن و آخرين تحت التعذيب في أقبية نظام الأسد.
فيما اختار بعضهم الآخر أن يدافع عن حلمه بالحرية والكرامة وقدم حياته في ساحات القتال، بعد أن رسموا في مخيلاتهم حلمين لا ثالث لهما إما النصر أو الشهادة في سبيل تحقيق الهدف، فحققوا الحلم الثاني تاركين لرفاق سلاحهم فرصة معانقة الحلم الأول الذي لم يعد بعيد المنال، بدأت الثورة فلبى ندائها عشاق الحرية من ابناء دير الزور المتواجدين في محافظات اخرى جمعهم ذلك في ثورة الحرية والكرامة.
في دمشق الشاب مرفق سليمان الملقّب عبود وهو من دير الزّور 1978 حي الجورة، طالب دكتوراه بكلية الهندسة الزّراعيَّة سكن دمشق لتحضير رسالة الدكتوراه فقد كان يحضّـر أطروحته في تغذية الإنسان حيث كان الوحيد في الشّرق الأوسط الَّذي قام بتطوير بكتيريا تُستخلص من التّربة للاستفادة منها في معالجة الكثير من الأمراض حصل على منحةٍ لمتابعة دراسته وإكمال بحثه.
ومع بدء الثّورة السوريّة لحق مرفق بركب مظاهرات الحريَّة والكرامة وخرج في مظاهرات مسجد الرّفاعي في كفر سوسة.لم يستطع مرفق مثله كمثل أبناء سوريا الأحرار أن يتحمّل الظلم، والقهر الذي مارسه نظام الأسد على المتظاهرين السلميين.
وبعد أن حوصر مع المصلّين في مسجد الرّفاعي بغية منعهم من الخروج في مظاهرة بعد الصّلاة وبعد مفاوضاتٍ شديدة مع الشّيخ الرّفاعي قرّر المصلّون أن يخرجوا إلى بيوتهم دون تظاهر ولكنَّ مرفق عزَّ عليه ذلك فكان آخر من خرج من المسجد وشاهد عندها الأمن والشَّبيحة يوجّهون لهم كلمات قاسية ونابية فلم يهن عليه فحمل حذاءه ورمى به المقدّم ثمَّ فرَّ مسرعًا ولم يتمكنوا من الإمساك به، لكن ذوو القلوب السَّوداء أفرغوا حقدهم على جسده فيما بعد لازال الشارع السوري يغلي .
وفي يوم الجمعة العظيمة الموافق لـ 22/4/2013 كان مرفق سليمان وصديقه يصلّون الجمعة في برزة بعد إغلاق مسجد الرّفاعي ثمَّ خرج المصلّون معًا بمظاهرة سلميَّة، لكنَّ الأمن والشَّبيحة كعادتهم أطلقوا النَّار بكثافة على المتظاهرين العُزّل فتفرَّقوا وبقيت مجموعة منهم محاصرة من قبل قطعان الشَّبيحة والأمن، فرآهم مرفق وصديقه فاتَّخذ قراره دون تردّد وقام مع صديقه بالرّكض أمام الأمن ليلفت انتباههم فيتمكّن الأشخاص المحاصرون من النّجاة بأرواحهم فأطلقت قوات الامن الرّصاص الحي عليهم وصوّبوا نيرانهم على أجسادهم الطَّاهرة فأصيب مرفق بفخذه الأيسر وسقط أرضًا ثمَّ قام رجال الأمن الجويّ بجرّه عبر الشَّارع واقتادوه معهم.وبعد فترة وجيزة تسلَّم أهل الشَّهيد ابنهم بتاريخ ٢٨/٤/٢٠١١ من مشفى المواساة ولكن أصابتهم الدّهشة لوجود ثلاث طلقات إحداها بالفخذ الأيمن وإنْ دلَّ على شيء يدلّ على تصفية الشَّهيد في فرع الأمن الجويّ الَّذي كان معتقلاً داخل قضبانه.وأكَّد الاشخاص الَّذين كانوا معه أنَّ إصابته الأولى كانت من خلال طلقةً واحدةً فقط.
ويُذكر أن والدة مرفق كتبت قصيدة مؤثرة عن ابنها المعروف بلقب عبود تقول في مطلعها:
دمك مرفق روى الشَّام ٠٠٠٠٠وعيون العادي ماتنام
شلون تنام عيوني وليدي٠٠٠٠٠ وأولادك بعدك أيتام
ياوليدي يلمتت ابرزة٠٠٠٠٠٠٠٠٠ قتلوك أوغاد النظام
تابع ابناء ديرالزور عملهم الثوري فتعرضوا للاعتقال، الشهيدة رحاب العلاوي ابنة ديرالزور ومدينة موحسن انتقلت مع اهلها إلى مدينة دمشق عام 1994.ومع بداية الثورة، كانت رحاب طالبة في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق، حيث بدأت هناك الانخراط في العمل الثوري.
فلم تتوانَ رحاب عن المشاركة في المظاهرات السلمية التي كانت تجوب مدينة دمشق، لتنتقل من حي إلى حي، وتقوم بالمشاركة بتجهيز اللافتات والعبارات المكتوبة التي كانت ترافق المظاهرات مع مجموعات من الشبان والشابات.
ولم يتوقف عمل رحاب عند هذا الحد، بل انتقلت إلى العمل الإغاثي ونشطت بشكل كبير في هذا الجانب، حيث كانت تساعد بإيواء العوائل النازحة من المناطق المنكوبة والمتضررة، وفي تامين بيوت تستأجرها لهم، كما تؤمن حاجياتهم من غذاء ودواء ومستلزمات ضرورية.
ودأبت رحاب على مساعدة بعض المعتقلين المفرج عنهم بوجهها الجميل، فكانت تأخذ بيدهم للوصول إلى بلداتهم وبيوتهم. ظلت رحاب تعمل على هذا النحو إلى أن حدث ما كانت تخشاه، ففي ليلة 16/1/2013 تم اعتقالها من بيتها في ضاحية الأسد من قبل المخابرات الجوية، ومن ثم تم تحويلها إلى فرع الأمن العسكري 215 بتاريخ 21/3/.2013، حيث تعرضت للتعذيب الشديد بأنواعه، فلم يتحمل جسدها كل هذا العذاب فارتقت شهيدة بتاريخ 15/2/2013.
وتم التعرف على رحاب الشهيدة من خلال الصور المسربة من الفرع 215، بينما كانت والدتها تنتظر عودة ابنتها. دفنت رحاب في المقبرة الجماعية التي أقامتها قوات الأسد في منطقة نجها بريف دمشق.
عمل نظام الأسد على اعتقال من يصاب في المظاهرات من المشافي و قام بالإجهاز على الكثير من المتظاهرين تلاها العمل العسكري الثوري فقام الأطباء و الممرضين الثوار بعمل المشافي الميدانية الذي كان ضرورة يقتضيها العمل الثوري.
ومن شهداء دير الزور الذين قضوا خارج أرضها ضاربين أروع أمثلة الفداء والتضحية والعطاء بأرقى معانيه وهو عطاء النفس الشهيد البطل الدكتور أحمد الفتيح -مواليد محافظة دير الزور عام 22- 5 -1985 الذي استشهد على ثرى مدينة معضمية الشام بتاريخ 28 – 11- 2012 وكان الفتيح قد تخرج من كلية الطب في جامعة دمشق عام 2008-2009 , وهو طالب دراسات عليا – اختصاص الجراحة العصبية في السنة الرابعة.
وشارك في أول مظاهرة خرجت بدير الزور بتاريخ 25-3-2011 , وعند تعرض بابا عمرو في مدينة حمص إلى هجمة شرسة من قبل العصابات الأسدية في شهر شباط عام 2012, لبى نداء الاستغاثة من قبل أطفال ونساء بابا عمرو ودخل الحي المنكوب وساهم في عدد كبير من العمليات الجراحية في المدينة بكل ما أتيح له من مواد طبية بسيطة. لينضم بعدها إلى اتحاد الأطباء السوريين الأحرار , وساهم في علاج عدد كبير من الجرحى في مناطق عدة من دمشق وريفها، كما ساهم في علاج عدد كبير من الجرحى بعدة مناطق من الريف متنقلا بين الحجر الأسود ويلدا ومناطق أخرى في الريف الدمشقي.
وعند تعرض مدينة معضمية الشام لقصف عنيف للغاية من قبل الفرقة الرابعة ومطار المزة العسكري براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة وطائرات الميغ الحربية , وسقوط عشرات الشهداء والجرحى في فترة لا تتجاوز العشرة أيام والحصار الخانق التي تتعرض المدينة من كافة المداخل من قبل قوات الأسد، بهدف منع دخول المواد الغذائية والإغاثية إلى المدينة.
لبى الفتيح نداءات الاستغاثة المتتالية من المدينة ,مستجيباً لصرخات ودموع أطفال مدينة معضمية الشام. وبتاريخ 28-11-2012 وعند أول زيارة له لأهله في بيته الثاني مدينة معضمية الشام وما هي إلا ولحظات على دخوله المدينة من على أحد الحواجز الأمنية المنتشرة على أطراف البلدة إلا استهدفته يد الغدر المجرمة بصاروخ استهدف سيارته التي كان يقودها بشكل مباشر , ليفارق الحياة بلحظات مع زميله الممرض برجس عثمان ليسجل التاريخ من جديد قصة أشخاص رفضوا القتل والظلم , وسعوا بكل ما يملكون في سبيل إنقاذ ما تبقى من هذا البلد الذي استباحته يد الغدر والظلم والعدوان.
مع بداية العمل العسكري في الثورة بدأت الانشقاقات عن قوات الأسد ففي قبر بسيط بمقبرة مسرابا بريف دمشق يرقد جثمان الشهيد المقدم عمر طه الحسين – قائد كتيبة في لواء شهداء دوما المعروف بأبي خطاب أسد الفرات كما سماه المقاتلون في الغوطة وهو من أبناء قرية الدحلة بريف ديرالزور الشرقي.
وحصل الحسين المعروف بلقب ابو ساعة أيضاً على الشهادة الثانوية وتطوع في الكلية الحربية وتخرج من الكلية ضابط لامع وشريف ملم باختصاصه وعندما بدأت الثورة رفض الحسين الوقوف مع قوات الأسد فأنشق لينضم إلى ثورة الشعب السوري في الغوطة، وساهم هناك بتنظيم وتشكيل المجلس الثوري في الغوطة و تسلم لاحقاً مهام قائد كتيبة حفظ النظام في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الحر، بتاريخ 10 / 3 / 2012 وعند اقتحام كتيبة الصواريخ التابعة للدفاع الجوي في بلدة العتيبة بالغوطة الشرقية بعد محاصرتها كان للشهيد المقدم عمر شرف المشاركة في الاقتحام فنال شرف الشهادة قبل أن تتم السيطرة على الكتيبة.
تبقى تضحيات أبناء دير الزور راسخة في عقول أبناءها فهم سفراء ها الشهداء للمحافظات الأخرى، وكان شعلة للمدينة التي رفضت البقاء تحت حكم نظام الأسد ومليشياته واختارت طريق الحرية حالها كحال بقية المحافظات السورية.