This post is also available in: English
كثر هم من عملوا بصمت وكانوا سنداً للمتظاهرين دون أن يعلم أحد بهم، وكان أغلبهم من الشباب كل هذا طبيعي في ثورتنا، ولكن ان يقوم رجل كبير بالسن ناهز الستين من العمر بحض أبناءه و أبناء قريته على التظاهر واصطحابهم بنفسه الى المظاهرات هذا بحد ذاته تضحية لا تبدر من شخص عادي.
فياض الهبد أبو زيد أو أبو ياسر الدحلة كما هو معروف لدى الثوار في دير الزور، وحتى الأفرع الأمنية تعرفه بهذا الاسم، أبو ياسر لم يكن متظاهراً لكنه كان يحرص على التواجد بالقرب من كل مظاهرة دافعاً أبناءه وابناء أخوته للتظاهر ليقوم هو بدور المراقب والحفاظ على سلامتهم من بطش الشبيحة وعناصر الأمن.
عندما بدأت الامور تتأزم في المدينة عمد أبو ياسر الى نقل التظاهرات الى قريته خوفاً على شباب قريته من الاعتقال، فكان منزله دائماً يزدحم بالشبان المتظاهرين في الوقت الذي كان الكثير من جيرانه في القرى المجاورة يساندون النظام ويضيقون عليه وعلى أهل قريته، إلا أنه كرجل بعمر الستين لم يكترث لهم وبدأ ببناء شبكة علاقات مع القرى الأخرى المناهضة لنظام الاسد فكان ابو ياسر صلة الوصل بين قرى الشامية والجزيرة في ريف ديرالزور الشرقي.
أبو ياسر حيث كان يؤمن تنقل الشباب المطلوبين للنظام بين هذه القرى عبر نهر الفرات من خلال تأمين القوارب واستقبالهم في منزله ومن ثم الانطلاق الى المكان المطلوب، حيث كان النظام ينشر حواجزه في كل مكان.
كان منزل أبو ياسر نقطة التقاء لجميع الثوار من اغلب القرى المحيطة حيث كانت تعقد فيه الاجتماعات ووضع خطط العمل الثوري عندما بدأت تظهر ملامح عمل مسلح في المنطقة، في الوقت الذي كان النظام فيه يركز في اعتقالاته على الشخصيات المؤثرة في الشارع الثوري كان أبو ياسر يرفض الاستماع لتنبيهات زملائه والطلب منه عدم النوم في منزله.
نهاية عام ٢٠١١ وتحديداً في شهر تشرين الأول / أكتوبر اعتقل أبو ياسر الدحلة من قبل عناصر النظام وغيبته سراديب المعتقلات المظلمة لأكثر من ثلاثة أشهر تعرض فيها ابو ياسر لأبشع أنواع التعذيب دون مراعاة سنه او وضعه الصحي المتدهور.
كان أبو ياسر الاب الحنون لزملائه في المعتقل ومصدر صبر لهم عند الشدائد يشارك من معه بطعامه بحسب ما أخبرنا أحد المعتقلين الذي جمعته معه نفس الزنزانة ولا ينام اذا رأى احدً مريضاً قبل الاطمئنان عليه، في بداية عام ٢٠١٢ خرج ابو ياسر من المعتقل ليكمل مسيرته الثورية ولكن هذه المرة كان السلاح خياره بعد ان أيقن بأن نظام الاسد لا ينفع معه التظاهر السلمي فقط.
فحق عليه لقب شيخ المجاهدين ، واستكمالاً لمسيرته قبل الاعتقال قام ابو ياسر بتحويل منزله الى مقر عسكري ومشفى ميداني مصغر بمعدات بسيطة بالإضافة كان منزلاً للمنشقين من خارج المحافظة بعد ان قام بإرسال عائلته الى مكان آمن.
شارك ابو ياسر في أغلب معارك الحر مع النظام ولعب مع عناصر كتيبته دوراً اساسياً في تحرير بعض النقاط من كتائب النظام، عاد ابو ياسر ليكون نقطة التقاء للثوار من جديد فمن كان يرغب الذهاب الى قلب المدينة المحاصرة من قبل النظام كان يلجأ اليه لتسهيل عملية دخوله الى المدينة.
وفي معارك الحر مع النظام في خط الجزيرة كان منزل ابو ياسر يحول الى غرفة عمليات والتقاء القادة ووضع الخطط الجميع كانوا يتفقون على هذا الرجل او كما سمي لاحقاً شيخ المجاهدين، كان حاضراً مع عناصر كتيبته في معركة مطار دير الزور العسكري وقدم العديد من الشهداء في معارك المطار ولم يغب عناصره عن تلك المعارك.
أبى عام ٢٠١٣ الرحيل دون ان يصطحب معه شيخ المجاهدين وخيرة ثوارها فكان يوم ٢٨/١٢/٢٠١٣ يوماً فارقاً في تاريخ الثورة في دير الزور، حيث كان يوم استشهاد المجاهد ابو ياسر الدحلة على أسوار مطار دير الزور العسكري نتيجة نوبة قلبية حادة أصابته حيث تعرض قبلها بيوم لأزمة قلبية وتم اسعافه إلى المستشفى الميداني في مدينة موحسن ورفض ترك جبهة القتال والذهاب الى المنزل، ليستشهد في اليوم التالي لتحزن عليه دير الزور بكاملها، فنادراً ما نجد رجلاً يتفق عليه الثوار بالكامل، فباستشهاده خسرت دير الزور ابً حنوناً كان قد احتضن المتظاهرين ومن بعدهم المجاهدين وقدم كل ما يستطيع في سبيل الثورة.
أن تكون ثائراً فهو شيء ضريبته عالية جداً وقد تستنزف منك كل شيء هذا ما حصل مع عائلة ابو ياسر بعد استشهاده فأبنائه تابعوا مسيرة الجهاد وكانت داعش قد وضعتهم على قائمة المطلوبين، مما تسبب باستشهاد اثنين من ابنائه في المعارك التي دارت بين الحر وداعش قبل سيطرة داعش على المنطقة، وخروج من تبقى من عائلته باتجاه الشمال السوري.