“أنت مرتد، وجميعكم كفار، كل من يتوانى عن مبايعة الدولة الاسلامية هو مرتد ويجب محاسبته”.
“كان هذا آخر كلام أسمعه من أخي البالغ من العمر 15 عاماً، الذي أكبره ب20 سنة، ومن بعد ذلك، غاب …. ولم نسمع عنه شيئاً” يقول أبو خالد خلال حديثه لنا، وتابع:
“منذ ذلك الوقت، غاب خليل، أخي الأصغر، فقد سمعنا أنه ذهب إلى العراق رفقة جماعة من تنظيم داعش، ونفذ عملية انتحارية”.
كان حال خالد، حال المئات من أبناء ديرالزور الذين غرر بهم التنظيم، وغسل أدمغتهم، ليستخدمهم وقوداً لحربه الساعي من خلالها لتوسيع رقعة نفوذه، وتشكيل مجد لثلة من المتطرفين الذين اتخذوا الإسلام ذريعة لتحقيق مطامعهم الشخصية.
منذ قدوم التنظيم وسيطرته على المجتمع الديري، بدأت ملامح الاختراق تظهر على المجتمع، من خلال استهداف التنظيم لمجموعة القيم التي تشكل المنظومة الأخلاقية والسلوكية لأهالي ديرالزور، فبدأ تحقيق مشروعه عن طريق استهداف الأسرة، والأطفال والشباب على وجه الخصوص، من خلال مسح الأدمغة وزرع أفكار التطرف داخلها، والتي من شأنها القضاء على المبادئ التي تعيش عليها كل أسرة، وإحلال شريعة التطرف عوضاً عنها.
فكان حضّ الأطفال على عصيان أوامر والديهم، وتحويل الولاء من الأسرة والوالدين، إلى الشيخ المتطرف الذي لايعرف ماهي خلفيته الثقافية أو الدينية، في إحدى الحوادث المشهودة في ديرالزور، قام أحد الأطفال بجلب ما يسمى بجهاز الحسبة لوالده، بتهمة أنه وهو غاضب سبّ الدولة الإسلامية، وكان هذا السلوك عبارة عن شيء أشبه بالثأر، فقد أراد الطفل الإنتقام من والده الذي كان يضربه في سابق الأيام كنوع من أنواع التربية.
كما عمل تنظيم داعش على محاولة تفكيك البنية العشائرية التي يقوم عليها مجتمع ديرالزور، وذلك من خلال تدابير وسلوكيات طبقها على مجتمع ديرالزور منذ أن بسط سيطرته عليه، فبدأ بمجزرة كبيرة جداً تعد من المجازر الجماعية الكبيرة في الثورة السورية، وهي مايعرف باسم (مجزرة الشعيطات)، نسبة إلى اسم العشيرة التي قتل قرابة ال1000 شخص على يد التنظيم، كعملية انتقامية من العشيرة المعروفة بمواقفها الداعمة للثورة السورية، وقد خلفت هذه العملية أو المجزرة، أحقاداً لدى أفراد العشيرة، لضلوع العديد من أبناء العشائر من المنطقة من المبايعين لتنظيم داعش فيها.
اتسمت مرحلة داعش في ديرالزور بالدموية، فكانت الجرائم التي ارتكبها عناصره في ديرالزور ريفاً ومدينة، من أبشع الجرائم التي عرفتها البشرية، حيث أظهر أحد إصدارات التنظيم ذات مرة، قيام مجموعة من التنظيم بربط شاب من أبناء ديرالزور ( في الشعيطات )على شجرة، واستهدافه بقذيفة آر بي جي، ويقتل على إثرها في منظر تقشعر له الأبدان، في حين تبين لاحقاً أنّ الشاب من ذوي الإعاقة الذهنية، لكن همجية داعش السادية لم تراعي ذلك، وفي حادثة أخرى، مسجلة في سجلات التنظيم الأكثر إرهاباً، وكان المكان هو مدينة القورية بريف ديرالزور الشرقي، حيث طرق عناصر التنظيم الباب، ففتحت لهم الأم، وطلبوا منها أن ترافقهم إلى السيارة، مشت معهم الأم وهي تتسائل ماذا يحدث، وعندما وصلت السيارة وكانت من نوع بيك آب، كانت الصدمة، فقد كانت جثتي ولديها الشابين في صندوق السيارة، وعليها آثار النحر والدم يملأ المكان، وتهمتهما أنهما من عناصر الجيش الحر!، وفي حادثة أخرى، يقول أحمد، كنت نائماً في منزلي، بأمان الله، وتفاجأت بأحدهم يوقظني وفوهات البنادق مصوبة باتجاه رأسي، كنا في غرفتنا الخاصة، وزوجتي بجانبي، صحت بها أن استري نفسك، من أنتم؟ وكيف تدخلون غرفتي هكذا؟ صاح واحداً منهم، نحن ” الدولة الإسلامية “، أين أخوك فلان؟ قلت لهم في تركيا، قالوا ستذهب معنا حتى يأتي، وعرفت لاحقاً أنّ تهمته أنه كان منتسب للجيش الحر، اعتقلوني لمدة شهرين، عذبوني بأشد أنواع العذاب، وكنت كل يوم أحمد الله أنهم لم “يقصوني” اليوم، بعد شهرين أخرجوني بقدرة قادر، بعد أن أصبحت قاب قوسين أو الأكثر من أن أصبح مريضاً نفسياً.
عاشت محافظة ديرالزور، في فترة سيطرة تنظيم داعش، مرحلة من أقسى مراحلها تاريخياً، حيث طغى على هذه الحقبة الجهل، في محاولة من التنظيم لعزل المحافظة عن بقية بقاع الأرض، لزرع أفكاره حسب أهوائه، فأغلق المدارس وأصبح جيلاً كاملاً ممنوعاً من التعليم، ومنع الاتصالات، كما حظر التلفاز وجهاز الإستقبال الفضائي، تحت طائلة العقوبة التي تصل إلى الموت لمن يعارض أوامر التنظيم، ليعيد المحافظة إلى تاريخ كان قد انقضى منذ مئات السنين.
كل ما تم ذكره في هذه السطور القليلة، يعدّ غيضٌ من فيض، للممارسات الظلامية التي طبقها تنظيم داعش على ديرالزور، والتي حولت المحافظة لسجنٍ كبير، تقام فيه طقوس القتل والتفنن بالممارسات السادية ضد أبناء ديرالزور والثوار منهم على وجه الخصوص، فمن عاصر تلك الفترة من سيطرة التنظيم، أصيب بأقل ما توصف به وهي الأذية النفسية، بعدما حول داعش ديرالزور لنفق مظلم الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود.