تعود مدينة ديرالزور للواجهة مجدداً مجازر بالجملة وحركة نزوح للأهالي واستهداف للبنى التحتية من قبل طيران التحالف الدولي وطيران قوات الأسد و الطيران الروسي.
بعد توقيع اتفاق المناطق الآمنة وتوقف العمليات العسكرية في جبهات كثيرة بدأت قوات النظام السوري والمليشيات الموالية له التفكير مجدداً في العودة لديرالزور، التي يبدو أن مصيرها بات في حكم المجهول في ظل صراع كبير على النفوذ بين قوى متعددة سواء إقليمية أو دولية.
إيران التي رأت نفسها خارج اللعبة وعلى جانب الإتفاق الروسي – التركي وبدأت قوتها بالإنحسار التدريجي في سوريا بعد تفرد الروس والعودة الأمريكية القوية في سوريا.
بدأت تبحث عن مكان جديد لنفوذها والتي رأت في ديرالزور القريبة من مناطق نفوذها في العراق موطئ قدم لها، فبدأت بإرسال رسائل إستفزازية عبر ذراعها العسكري في العراق وهو الحشد الشيعي الذي بدأ بتسريبات عن نيته التوجه لديرالزور عقب الإنتهاء من معركة الموصل وهذا يؤكد النية الإيرانية للعودة من نافذة ديرالزور، هذه الاستفزازات التي بدت واضحة من خلال نقل عدد من عناصر تلك المليشيا عبر مطار دمشق الى شرق حمص وبالتالي ريف تدمر للسيطرة على البادية والتي تشكل الطريق البري والشريان الحيوي للمليشيا العراقية التي اقتربت من الحدود السورية العراقية.
كذلك الحكومة العراقية التي رأت فيما يحدث في الموصل جرعة معنوية لها بعد سلسلة الخيبات في الداخل والخارج والتي تريد فرض نفسها كشريك في ما يسمى محاربة الإرهاب وبالتالي إيجاد موطئ قدم لها في سوريا تحت ذريعة حماية الحدود المشتركة معها.
بذات الوقت يبدو أن هناك خطط أخرى ومشاريع تعمل عليها قوى داخل قوات الأسد تريد العودة إلى ديرالزور من أجل تحقيق نصر استراتيجي ومعنوي، من خلال الاعتماد على مليشيا أخرى أبرزها حزب الله اللبناني الذي زاد من عديد قواته في ديرالزور كذلك قوات الجليل الفلسطينية وقوات ما يسمى الدفاع الوطني ومليشيا محلية من أبناء المنطقة تعمل لصالح قوات الأسد.
بالإضافة لمليشيا يتم تصنيعها في أروقة قوات الأسد، من قبيل حشد الجزيرة والفرات والذي يبدو أنه لاقى صعوبة في قبوله من أبناء المنطقة فلجأت قوات الأسد لاستقدام شخصيات يعتقد أن لها تأثير على الحاضنة الشعبية في ديرالزور والتي لازال يعول على العشيرة وواجهتها الاجتماعية، حيث تسعى قوات الأسد لإلباس هذا الحشد ثوب العشائرية من خلال تلميع بعض الشخصيات الموالية له ، وكان لابد لنجاح هذه الخطة إلباسها لباس آخر حتى يضمن قبولها وذلك بتصويرها قوى وطنية همها تحرير المحافظة من الإرهاب على حد زعمها، فكانت عودة بعض الشخصيات للنظام من أجل استكمال هذا المخطط والذي يبدو أنها ستلعب دوراً محورياً في المرحلة القادمة من الأيام في تحديد ملامح الصراع على المنطقة.
بذات الوقت الأخبار القادمة من واشنطن تقول بأن الصراع في المنطقة الشرقية تحت إدارة ترامب والتي يبدو أن النفوذ الإيراني في المنطقة لا يروق لها سيكون كبيرا، رغم عدد وجود استراتيجية واضحة حتى اللحظة سوى دعم بعض الفصائل الثورية المحلية والتي حتى اللحظة تخوض معارك دفاع عن نفسها في إطار الاستهداف الممنهج لها من قبل قوات الأسد بدعم من الطيران الحربي الروسي.
وتجلى ذلك في استهداف رتل للمليشيات التابعة لقوات الأسد من قبل طيران التحالف الدولي بعد محاولة تقدمها باتجاه مناطق سيطرة تلك الفصائل الثورية ومعاقلها الرئيسية في البادية السورية والتي هي مفتاح أي عمل عسكري باتجاه ديرالزور.
هي ربما فرصة سانحة للقوى الكردية المتمثلة “بقوات حماية الشعب” والقوى الحليفة معها والتي تحظى بدعم أمريكي لكي تمد نفوذها نحو المنطقة الغنية بالنفط والتي على ما يبدو يسيل لها لعاب الإدارة الأمريكية القادمة من خلفية إقتصادية نفطية وليست إستراتيجية سياسية لكن هناك عوائق كبرى تقف في وجه هذه القوى ابتداء من عدم انتهاء معركة الرقة الى رفض الحواضن الشعبية للوجود الكردي كذلك أجواء عدم الثقة داخل تحالف قوات قسد ذاته بين المكونات العربية والكردية والتي تنبئ عن انشقاقات قد تحدث في حال انتهت الامور الى السيطرة على الرقة.
على الضفة الأخرى لا يزال التخبط وعدم وضوح الرؤية الاستراتيجية بل وعدم القدرة على تحديد مسارات حقيقية أو مشروع واضح من قبل الفصائل الثورية والتي تمثل القوى العسكرية للمنطقة والتي تغط في سبات عميق وخلافات كبرى على جميع الأصعدة العسكرية والسياسية والإعلامية هذه الخلافات دفعت القوى التي تعمل على الحل إلى تهميشها بشكل كامل.
بسبب غياب التنسيق والعمل الموحد وعدم وجود نخب سياسية وعسكرية حقيقية تمثل المحافظة في ظل الانقسام الحاصل وسيطرة الايديولوجيات الفكرية والاجتماعية جعل الفرصة تذهب من بين أيدي أبناءها وربما ستكون المنطقة عرضة لقوى أخرى خارجية تتحكم في مصيرها في ظل هذا الإنقسام وعدم وجود عمل حقيقي على الأرض لتوحيد جهودها.
الوقت بات ينفذ أمام جميع القوى العسكرية والسياسية لاثبات وجودها وملئ الفراغ الحاصل في المنطقة والذي سيحصل في حال خروج داعش منها.
بقلم:
فراس علاوي