This post is also available in: English
دراسات – ترجمات ديرالزور24
أدت أولوية روسيا في الحفاظ على موقعها في سوريا إلى التعامل السياسي والعسكري مع إسرائيل.
في 6 أيار 2020 أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت، أنّ الغارات الجوية الإسرائيلية على إيران (فيلق القدس) ستستمرّ حتى انتهاء وجوده في سوريا، وفي اليوم نفسه، قال عدد من مسؤولي الدفاع الإسرائيليين لوسائل إعلام إسرائيلية إنّ إيران تقلّص قواتها وتُخلي قواعدها في سوريا.
جاءت هذه التصريحات بعد غارة جوية إسرائيلية على مركز السفيرة للبحوث العلمية بالقرب من حلب شمال سوريا يوم 6 مايو/ أيار 2020، نُناقش في هذا المقال تضارب المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية لإيران وروسيا في سوريا ودور روسيا في تقليص الوجود العسكري الإيراني في جنوب سوريا.
تغيّر استراتيجية فيلق القدس في سوريا من مكافحة الإرهاب إلى مواجهة إسرائيل
بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة في جنوب وجنوب غرب سوريا، وخاصة في المناطق المُتاخمة لمرتفعات الجولان، الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية عام 2017، غيّر فيلق القدس استراتيجيته العسكريّة من مواجهة عسكرية مع الجماعات الإرهابية إلى مواجهة مع إسرائيل، وبعد ذلك قرّرت تشكيل فرقة جديدة وإنشاء عدّة قواعد عسكرية على أطراف دمشق ومصياف، وأدى تركيز القوة على الصراع العسكري مع إسرائيل إلى ضربات جوية إسرائيلية واسعة النطاق ضدها، مما تسبّب في خسائر فادحة.
يعود ذروة التصعيد إلى 12 شباط 2017، حين حاول فيلق القدس إرسال طائرة استطلاع بدون طيّار فوق إسرائيل لالتقاط الصور ومقاطع الفيديو في ذلك الصباح، لكن تم إسقاط الطائرة بدون طيار بسرعة بواسطة مروحية حربية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي من طراز AH-64D فوق مرتفعات الجولان، ثم نفّذت ثمانية مقاتلات اسرائيلية من طراز F-16I هجمات واسعة النطاق على أهداف تابعة لفيلق القدس في سوريا، قُتل خلالها عشرات من قوات الحرس الثوري الإيراني والمليشيات السورية واللبنانية، بينما خسرت إسرائيل مقاتلاً واحدًا فقط.
استمرّت الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع فيلق القدس وميليشياته في جنوب سوريا، حيث نفّذت مقاتلات إسرائيلية عدّة غارات جوية على سوريا دون تخوّفات من استهدافها من قبل المقاتلات والأنظمة الدفاعية السورية، وبلغت ذروتها في 10 أيار 2018 ، أثناء العملية العسكرية “بيت البطاقات” ، حيث أطلقت 28 مقاتلة من سلاح الجو الإسرائيلي 70 صاروخ كروز على سبعة أهداف تابعة لفيلق القدس والجيش السوري في الكسوة ودمشق ومناطق أخرى، عبروا فيها مرتفعات الجولان وقتلوا العشرات من القوات الإيرانية والسورية.
الضوء الروسي الأخضر لإسرائيل
منذ سبتمبر 2015 ، وعندما انخرطت روسيا بشكل مباشر في الحرب السورية، تم إنفاق عشرات المليارات من الدولارات لمحاربة الجماعات الإرهابية، مما أدى إلى القضاء على داعش في أجزاء كثيرة من سوريا وتحرير العديد من المناطق التي كانت الجماعات الإرهابية قد هيمنت عليها.
الهدف الأساسي للحكومة الروسية هو زيادة الاستقرار والأمن في سوريا وتوفير ظروف دائمة لوجودها العسكري في محافظة اللاذقية، ووجود يُساعد البحرية الروسية على السيطرة على مياه شرق البحر الأبيض المتوسط. إنّ أولوية روسيا في الحفاظ على دورها ومكانتها في هذه النقطة الاستراتيجية من العالم تقتضي منها التعامل مع إسرائيل سياسيا وعسكريا وعدم التعرّض ومنع هجماتها على فيلق القدس.
كان تغيير أولوية السياسة الاستراتيجية لفيلق القدس والقوات التابعة لها بعد تحرير جنوب سوريا عام 2018 من مكافحة الإرهاب إلى التوجه بالصراع صوب إسرائيل، يتعارض مع المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية لروسيا في سوريا وشرق البحر المتوسط وعاملا مهما لمحاولة إسرائيل وروسيا تقليص الوجود العسكري للجمهورية الإسلامية الإيرانية في جنوب سوريا.
بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سافر رئيس الوزراء الإسرائيلي ومجموعة من السياسيين الإسرائيليين إلى موسكو لحضور موكب يوم النصر في 10 أيار 2018 ، وتم مناقشة الضربات الجوية الإسرائيلية على فيلق القدس، والتي جرت في اليوم التالي.
نتيجة لهذه المفاوضات، تم اتفاق السلطات الروسية مع الجانب الإسرائيلي، من أجل منع وقوع إصابات وأضرار مادية للقوات العسكرية الروسية، كما قامت بعدم تمنع غارة جوية إسرائيلية واسعة النطاق خلال عملية (بيت الورق) في 10 أيار/مايو.
التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، يوم الأربعاء 11 تموز / يوليو 2018 ، مرة أخرى مع الرئيس الروسي في موسكو، ناقش خلاله هجوم القوات الجوية الإسرائيلية على منشأة صواريخ باليستية سورية ومصنع في مصياف.
مرة أخرى، أعطى المسؤولون الروس الضوء الأخضر لإسرائيل لشن هجوم على مواقع إيرانية في جنوب سوريا، وبعد ثلاثة أيام، تعرّض خط التجميع النهائي لصاروخ تشرين الباليستي، وهو نموذج أولي لصاروخ فاتح 110 الإيراني للهجوم في مدينة مصياف، دون أن تتعرّض لها المضادات الروسية طويلة المدى S-400 ومقرّها اللاذقية وتمنعها من القيام بذلك.
ضغوط روسية على إيران لمغادرة جنوب سوريا
بسبب حماية قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية من قبل روسيا بأنظمة دفاع S-400 و S-1 والأمان الذي تحظى به هذه المناطق، أنتجت مصانع الدفاع السورية المواد اللازمة لبناء صواريخ تشرين الباليستية (الاسم السوري لصاروخ فاتح 110 الإيراني) في اللاذقية.
بعد ذلك، في 17 سبتمبر / أيلول 2018، شن سلاح الجو الإسرائيلي غارة جوية على هذه المصانع.
ردت قوات الدفاع الجوي التابعة للجيش العربي السوري بإطلاق عشرات صواريخ أرض – جو لتدمير صواريخ كروز ومقاتلات إف -16 التي كانت تحلق فوق البحر الأبيض المتوسط ، مما نتج عنه إسقاط طائرة تجسّس درون وتم استهداف الصاروخ الإلكتروني Ilyushin Il-20M التابع لسلاح الجو الروسي بطريق الخطأ بواسطة نظام دفاع سوري من طراز S-200 ، مما أدى إلى تدميره وقتل 17 من أفراد الطاقم.
لقد كان هذا إنذار خطر لروسيا، التي سلّمت لاحقًا أنظمة S-300PM-2 إلى قوات الدفاع الجوي التابعة للجيش العربي السوري كخطوة عقابية لكن استفزازية لإسرائيل، لصدّ الضربات الجوية على سوريا لعدة أشهر.
كما ضغط المسؤولون الروس على نظرائهم الإيرانيين لتجنّب الوجود العسكري بشكل متزايد في جنوب سوريا حتى لا تتعرّض مصالح روسيا في المنطقة للخطر. كانت هذه بداية لعملية نقل واسعة النطاق لقوات فيلق القدس وتركيز وجودها العسكري في المنطقة الشرقية من سوريا بعد هزيمة داعش في دير الزور. بعد ذلك، قام فيلق القدس والقوات التي تتبع لها بالسيطرة على منطقة البوكمال بعد هزيمتها لتنظيم داعش في محافظة دير الزور السورية، وتحويل المنطقة إلى قاعدة رئيسية لوجودهم في سوريا.
هل يغادر فيلق القدس سوريا؟
بعد عجز فيلق القدس عن إعادة بناء وإقامة قواعده العسكرية في جنوب سوريا بسبب عدم تقديم روسيا لها الدعم السياسي والعسكري، في أواخر عام 2018، بدأ بناء قاعدة عسكرية تسمى الإمام علي بالقرب من البوكمال شرقي سوريا.
وذلك بطلب من روسيا لعدم تواجد عسكري إيراني كبير في جنوب سوريا يجعلها مكانا بالإمكان انطلاق صواريخ باليستية منها قادرة على استهداف إسرائيل من مسافة 500 كيلومتر، وقد تم إنفاق بضع مئات من مليارات التومانات على قاعدة الإمام علي، حيث تم إنشاء هذه القاعدة بالقرب من الحدود العراقية السورية.
لأول مرة في 3 سبتمبر / أيلول 2019 ، نُشرت في وسائل الإعلام صور الأقمار الصناعية لقاعدة الإمام علي العسكرية، التي كانت على وشك الانتهاء، وبعد ستة أيام فقط استهدفها سلاح الجو الإسرائيلي، مما أسفر عن مقتل 21 عنصرًا من الحرس الثوري الإيراني. استهدفت الغارة الإسرائيلية فيلق القدس ومليشياتها العراقية ودمرت كميات كبيرة من أسلحتها.
خلال العملية، حيث استخدم سلاح الجو الإسرائيلي لأول مرة مقاتلات رادار من طراز F-35I تسمى “أدير”، وبحسب صور الأقمار الصناعية، بعد حوالي أسبوع من الغارة الجوية، لم يتوقف بناء وتطوير هذه القاعدة الضخمة التي تبلغ مساحتها 20 كيلومترًا مربعًا.
في وقت لاحق، وبسبب عدم قدرة القاعدة على حماية نفسها من الضربات الجوية الإسرائيلية، تم بناء شبكة من الأنفاق تحت الأرض لتخزين المعدّات، بما في ذلك الصواريخ الباليستية، التي تمّ الكشف عنها لأول مرة من خلال صور الأقمار الصناعية في نوفمبر من العام الماضي، ودفعت هذه القضايا إسرائيل إلى مواصلة غاراتها الجوية على القاعدة.
شنت مقاتلات F-35I غارة جوية على القاعدة في 10 كانون الثاني / يناير 2019 ، تم خلالها تدمير عدد من الأسلحة وقتل ثمانية من مليشيات حزب الله وسيد الشهداء، ونُفذت غارة جوية مماثلة على قاعدة الإمام علي بالقرب من البوكمال في 12 آذار / مارس 2019 ، قتل خلالها 26 من عناصر الحشد الشعبي، ولا يبدو أنّ قادة فيلق القدس قد قرّروا تقليص أو سحب قواتهم من سوريا.
أدت الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على مواقع الحرس الثوري الإيراني في وسط وجنوب سوريا، لا سيما في دمشق، وكذلك ضغوط الحكومة الروسية على إيران إلى مزيد من تخفيض عدد مقاتلي الحرس الثوري الإيراني في هذه المناطق، وهذا لا يعني أنّ الحرس الثوري الإيراني قد انسحب بالكامل من سوريا، حيث لا يزال فيلق القدس يعيد بناء الأجزاء المتضرّرة من قاعدة الإمام علي وبناء أجزاء جديدة منها في منطقة البوكمال شرقي سوريا.
وهذا يعني أنّ الضربات الجوية الإسرائيلية على أهداف فيلق القدس في سوريا ستستمرّ وأنّ مقاتلي هذه القوة سيُقتلون وسيتم تدمير معداتها، ونظراً لبعد القاعدة عن اللاذقية والمناطق الاستراتيجية التي تُسيطر عليها روسيا في سوريا، لا يبدو أنّ السلطات الروسية مستعدّة لإجبار إيران على مغادرة المنطقة.
بقلم: بابك تقوايي/ خبير أمني وعسكري إيراني.
المقال مترجم من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية.
للاطلاع على رابط المادة الأصلي، يرجى النقر على هذا الرابط.