فراس علاوي-ديرالزور24
المتابع لوجود داعش خاصة في سوريا يجد تغيراً مضطرباً في سياستها من وقت لآخر حسب ما تقتضيه مصلحتها وضمان وجودها ، ففي بداية دخولها اعتمدت سياسة الترهيب والترغيب ومارست سياسة القتل العشوائي والوحشي مع استخدام للقوة المفرطة في قمعها لكل تحرك يبدو حتى ولو ظاهرياً مناهض لها، كما جرى في معارك الشعيطات حيث أراد التنظيم إظهار نفسه كقوة عسكرية كبرى في المنطقة.
قادة التنظيم يبدو وكأنهم اتبعوا دليل الارشاد لقيام الدول كما يقدمه الكتاب الغربيين من امثال مايلز كوبلاند صاحب كتاب لعبة الأمم، فهم قاموا بعدة خطوات لتثبت وجودهم أبرزها إثارة الصدمة باستخدام القوة المفرطة وبالتالي تحقيق هدف الانتشار الإعلامي وتحقيق الأهداف عن طريق بث الرعب بين السكان المحليين.
ثم بدأت بسياسة الترغيب ومحاكاة الغرائز البشرية عن طريق تقديم أعضائها أنفسهم على أنهم دعاة دينين وباختيار شخصيات لهذا الغرض، بذات الوقت عملت على تعبأة الناس في مؤسسات أشبه بمؤسسات الدول الاشتراكية لكن بمنظور ديني، من خلال ما سمي بدورات الاستتابة والدورات الشرعية وبالتالي ممارسة عملية غسل الأدمغة واستغلال الفقر الفكري والثقافي والفطرة الدينية وغريزة الانتماء.
بعد ذلك وبعد إحكام السيطرة اصبحت تصرفات التنظيم هي ردود فعل لما يجري مع نظرية الاعداء الداخليين والخارجيين التي تضمن من خلالها إشغال الاهالي عما يتم تطبيقه وتدبيره وإظهار التنظيم على انه يتعرض لمؤامرة خارجية وظلم من أبناء الجلدة أو أبناء الدين الواحد.
حتى يضمن التنظيم ولاء أفراده اتبع اسلوب اخر وهو وضع افراده خاصة ابناء المنطقة في الواجهة خاصة فيما يخص المجازر التي ارتكبها وبالتالي يضمن ولائهم، في الفترة الماضية وحين بدأ بالتقهقر العسكري وبدأت المساحات التي يسيطر عليها بالانكماش حاول التنظيم العودة للعب على وتر الحاضنة من خلال تصوير عدد من شيوخ العشائر وخاصة عشيرة الشعيطات وهم يوجهون نداء لابناء الجيش الحر والفصائل الاخرى بالعودة ومساندة التنظيم وبذلك يظهر التنظيم وكانه بدأ يمتلك حاضنة جديدة.
بذات الوقت عاد لممارسة سياسة الترهيب من خلال اصدار صناعة الوهم وهو اسم مستوحى من اسم برنامج قناة العربية صناعة الموت والموضوع ليس اعتباطياً، ففيه رسائل كثيرة موجهة فقادة التنظيم يدركون ان المعارك الكبرى قادمة وبالتالي لابد لهم من ضمان ولاء انصارهم وخوف الحاضنة الشعبية التي لا تستطيع ضمان ولائها لذلك عمل على الناحية النفسية والاعلامية من اجل اظهار انه لا يزال يملك القوة والتأثير خاصة في دير الزور التي قاتله ابناؤها لأشهر قبل ان يحكم سيطرته.
ما يمارسه التنظيم ليس موضوعاً عبثيا بل هو سياسة موجهاً، لكن هذه السياسة ذات حدين الاول قد ينجح مثلما نجح فيه منذ عامين تقريباً عندما فرض سياسة الرعب ومنطق القوة المفرطة والحساب، الثاني قد يكون له رد فعل عكسي قد لا يظهر الآن لكن قد ينفجر في أي لحظة خاصة في حال قيام أي تحرك مناهض للتنظيم ومدعوم بقوة تعطي أمل بالقضاء عليه في المنطقة كالتدخل الدولي سواء كان اقليمي او خارجي على ان يكون تدخلاً حقيقياً على الأرض.
ما يرجح احدى الفرضيتين على الأخرى هو عامل الزمن فإذا مر زمن على هذه التصرفات ولم يكن هناك رد فعل دولي يستثمر أخطاء التنظيم فسيربح التنظيم معركته في فرض منطق الصدمة وكذلك ضمان ولاء عناصره عبر توريطهم في عمليات قتل وإظهارهم في اصدارات له من اجل ربط مصيرهم ببقاء التنظيم الحفاظ على ولاء عناصره هو الاهم في حال فقد الحاضنة الشعبية الغير موجودة أصلاً ، لكنه اسكت صوتها عن طريق ممارسة عمليات أمنية كبيرة وعلى امتداد مناطق سيطرته هي من دعمت وجوده من خلال هذه القبضة التي مارسها من خلال أمنييه وشبكة جواسيسه وعملاءه المنتشرين بين الأهالي.
تغيير التنظيم لسياسته الإعلامية وإظهار وجوه بعض من ينفذ مجازره الهدف منها اشغال الحاضنة الموجودة بعمليات ثأر قد تكون مستقبلية ،وكذلك إلهاءها بصدامات مسلحة في منطقة تعتمد في منظومتها الاجتماعية على القبيلة، مما يخف من الاحتقان المتنامي ضد التنظيم فهي اعادة توجيه للأهداف في حال وقوع التنظيم تحت ضربات القوات القادمة للتحرير، مهما كان مصدرها مع الاعتراف بإن نوعية القوات التي ستقاتل التنظيم لها دور مهم في استجابة الحاضنة لهذه العملية
عمليات الثأر والمشاكل الاجتماعية، قد تكون إحدى الثغرات التي سيستخدمها التنظيم لإطالة زمن بقاءه في المنطقة من خلال خوف الحاضنة من شلال دم نتيجة الأعمال الانتقامية خاصة لاولئك الذين ظهروا في الإصدارات وعرفت انتماءاتهم او من تلك المناطق التي كان لها دور في دعم التنظيم.
في جميع الأحوال فأن التغيير في سياسة التنظيم الاعلامية وتغيير شبكة العلاقات الاجتماعية كما يحاول تصويرها هو دليل على استشعار قادة التنظيم للمستقبل الذي ينتظره، في ظل انتكاسة عسكرية واضحة في جميع الجبهات والحديث المتسارع عن المعارك الكبرى.