This post is also available in: English
حصار ديرالزور …تراجيديا والجوع والاستغلال والنزوح
يمنع تنظيم داعش الدخول ويحظر النظام السوري الخروج فتتفاقم معاناة الأهالي في أحياء دير الزور المحاصرة في ظل تشديد طرفي الصراع الحصار على المنطقة ، مما أدى لتحول مئات الناس إلى جحيم مع انعدام المواد الغذائية وغلاء أسعارها إن وجدت بلإضافة لانتشار الكثير من الأمراض المعدية والسارية.
يسيطر النظام على أحياء الجورة والقصور في غرب مدينة دير الزور وحي هرابش الملاصق للمطار العسكري شرق المدينة فيما يسيطر تنظيم داعش على باقي المحافظة، ولا يختلف الوضع كثيراً بين منطقة يسيطر عليها التنظيم وأخرى يسيطر عليها النظام فالحرمان والاعتقال والموت صفات مشتركة بين الحاكمين لهذه المناطق والمتضرر الوحيد هو أبناء دير الزور الذي يعيشون تحت وطأة الظلم الذي يمارسه التنظيم والاعتقال الجماعي الذي يمارسه النظام.
حصار تدريجي للأهالي
منذ ١٥-١-٢٠١٥ يخضع المدنيون في الأحياء المسيطر عليها من قبل النظام لحصار مزدوج يفرضه كل من تنظيم داعش والنظام السوري، حيث ازدادت الاوضاع الإنسانية سوءاً فهناك يتواجد قرابة ٢٠٠ ألف مدني نصفهم من النساء والأطفال وفق إحصائيات الهلال الأحمر السوري،حيث بدأ التنظيم حصاره للأحياء الواقعة تحت سيطرة النظام في محاولة منه للضغط عليه كخطوة أولى لاقتحام هذه الأحياء بحسب زعمه حيث مر هذا الحصار بعدة مراحل أولها كان منع دخول النساء إلى مناطق النظام من قبل التنظيم حيث أصدر تنظيم داعش قراراً يمنع دخول النساء من مناطقه إلى مناطق النظام بحجة أنها تخضع لسيطرة الكفار والمرتدين.
تلاها منع التنظيم بعدها دخول الرجال إلى تلك المناطق معللاً تصرفه بأنهم ينقلون أخبار وتنقلات التنظيم للنظام تدريجياً، حيث قام التنظيم بمنع دخول المواد الغذائية بأي شكل ليكون بهذه الخطوة قد أطبق الحصار على مناطق النظام، يسمح تنظيم داعش بخروج المدنيين من الاحياء المحاصرة فقط إلى الأراضي الواقعة تحت سيطرته وذلك بعد أن تختم جميع أوراق وثبوتيات الخارجين بأختام التنظيم.
كان المدنيون يسلكون المعابر البرية والمائية للخروج من مناطق الحصار حيث كان طريق عياش يعتبر أهم تلك المعابر ومن لا يستطيع الوصول إليه يلجأ إلى السفينة ليعبر نهر الفرات باتجاه قرية الجنينة حيث استمر بهم الحال لقرابة الأربع أشهر أما النظام فبعد أن خشي البقاء وحيداً قام بمنع المدنيين من الخروج وذلك بفرض حواجز صارمة على مناطق التماس كما يقوم الجيش وكياناته بالاتجار بالناس عن طريق استغلال حاجتهم للخروج من الأوضاع الصعبة في المدينة ، حيث يفرض على من أراد الخروج من وتلك الأحياء دفع مبلغ ٢٥ ألف ليرة سورية على الفرد الواحد لحاجز النظام الذي يسمح لهم بالعبور كما أصدر النظام قرارا منع بموجبه تحديد مراكز عمل 1631 معلماً خرجوا من الأحياء المحاصرة ومعتبراً إقامتهم خارج هذه الأحياء إجازة بلا راتب حتى عودتهم، ويأتي هذا القرار على الرغم من موافقة مدير التربية في دير الزور على تحديد مراكز عمل هؤلاء المعلمين.
هروب من الواقع المأساوي
هذا ما دفع القاطنين هناك إلى اتخاذ قرار الخروج عن طريق مخارج غير نظامية (تهريب) من هذه المناطق حيث يقول أحمد الذي ترك عمله في تهريب العائلات من داخل الأحياء إلى خارجها: نحن لا نطلب مبالغ باهظة لمساعدة العائلات الراغبة بالخروج من حي الجورة، ولكن يتوجب علينا شراء الطريق من عناصر النظام المنتشرين مثل حرس الحدود في محيط الأحياء ومداخله وهم من يطلب مبالغ مرتفعة لغض البصر لعدة دقائق فقط”
وأضاف : “ما جعلني أترك هذا العمل أن جنود النظام أطلقوا النار على عائلات بعد أن سمحوا لهم بالمرور، كانت شبه لعبة بالنسبة لهم ، ولم يكن هناك من يستطيع ردعهم أو محاسبتهم
”
استمر الحال قرابة سبعة أشهر حتى بدأ النظام بإعطاء موافقات أمنية تسمح للمدنيين بالخروج من مناطق الحصار وعلى الفور قام اللواء محمد خضور بتوظيف سماسرة لبيع الموافقات الأمنية والذي يعتبر هو المسؤول الأول والأخير عنها حيث أن المبلغ المالي المطلوب للحصول على هذه الموافقة ارتفع من 25 ألف ليرة منذ نحو ثلاثة أشهر إلى 150 ألفا، أما على من يرغب بالخروج جوا عليه دفع مبالغ تصل إلى 250 ألف ليرة سورية، مع استمرار منع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 45 عاما من الخروج، إلا في حال دفع مبلغ وصل في بعض الأحيان إلى 500 ألف، بمن فيهم المطلوبين للخدمة العسكرية.
إهانات داعش
لم تنتهي معاناة الأهالي عند هذا الحد فهناك اجراءات تنتظرهم على حواجز داعش لا تقل ببشاعتها واستفزازها عن إجراءات النظام
حاجز عين أبو جمعة ؛ هو الحاجز الأول الذي ينتظر المدنيين الذين يخرجون من الأحياء المحاصرة بعد شق الأنفس ودفع المبالغ الطائلة للنظام وتحمل الكثير من الصعوبات وعندما يصل هؤلاء المدنيين من النساء والأطفال يستقبلهم المدعو “أبو عبدالرحمن ” المسؤول عن حاجز عين أبو جمعة التابع لتنظم داعش وهو من قرية الحسينية ليبدأ بإهانة النساء والأطفال وضربهم ويتهم النساء بأنهن يمارسن الرذيلة مع ضباط النظام بعد ذلك تأتي سيارات تابعة للتنظيم لتنقلهم لمعتقلات تابعة للتنظيم في ريف دير الزور الغربي ويفرج عن العوائل التي لديها رجل كبير في العمر قد خرج معها ، وأما النساء التي لا يوجد لديها محرم على حد قولهم فتنقل إلى سجن الحسبة.
يعد النظام مساهماً في قتل المدنيين في مناطقه من خلال رفضه عدة طلبات للصليب الأحمر استخدام مطار المدينة الخاضع لسيطرته لإيصال المساعدات وبرغم من تراجع النظام السوري عن قراره والسماح لبعثة الصليب الأحمر بتاريخ ١٣-٤-٢٠١٥ بإدخال شحنة غذائية تتضمن “١٠” اطنان من مادة الارز و”١٠”اطنان من مادة السمن فإن هذه الكمية لا تكفي حتى ل ٢٠ بالمئة من المدنيين المحاصرين دير الزور ٢٤ تواصلت مع احد الناشطين والذي رفض الافصاح عن هويته قال: بأن تنسيقاً كبيراً جرى في شهر آب / أغسطس من هذا العام بين مسؤولي النظام السوري وتنظيم داعش والذي انتهى باتفاق الطرفين لادخال المواد الغذائية والمواشي في الريف الغربي الى الاحياء المحاصرة باسعار مرتفعة جداً، وذلك بتنسيق مع المدعو ” فيصل الهويدي ” الملقب “كناش” والذي يعتبر الذراع الايمن لرئيس الامن العسكري مازن الكنج.
كثيرون اتخذوا حصار دير الزور كمصدر للرزق
ففي الفترة الأخيرة برز قائد عمليات المنطقة الشرقية بدعمه للتجارة والتجار «الوطنيين»، بحسب تعبيره ضمن مناطق نفوذه العسكري والسلطوي، والذي يطال حركة مطار دير الزور العسكري وطيرانه، تحت شماعة حصار تنظيم داعش لمدينة دير الزور، حيث يسهل اللواء خضور تنقل ثلاثة من أكبر تجار المحافظات الشرقية إلى العاصمة السورية دمشق، عبر طائرات النقل العسكرية «اليوشن» لتحميل أنواع البضائع التجارية والتموينية، وبيعها في أسواق مدينة دير الزور المحاصرة ولكل من تجارته نصيب.
إلى ذلك، توسط اللواء خضور قبل أشهر لدى النظام السوري للتاجر محمد سعيد الأشرم المعروف بـ «أبي سعيد» أكبر تجار محافظة دير الزور، لتمرير تسهيلات له تساعده في نقل مواد تجارية غذائية وتموينية من دمشق إلى مدينة دير الزور المحاصرة من قبل داعش عبر الطيران العسكري «اليوشن»، مع تخصيص مرافقة مسلحة له، ضمن أسواق العاصمة دمشق، وفرز سيارة بسائق من لحظة وصوله إلى مطار دمشق، وحتى مغادرته. ويعود بيع المواد التي يجلبها الأشرم لقائد العمليات العسكرية خضور بأرباح وصفتها مصادر موالية بالمليارات، خاصة أن أسواق الأحياء المحاصرة في كل من الجورة والقصور خاوية على عروشها، إلا مما قد يكسيها به خضور والتجار الثلاثة، والذين يبيعون المواد بأضعاف مضاعفة من سعرها الحقيقي، وهؤلاء التجار بالإضافة إلى الأشرم هم صالح الخرفان، وذيب المحيميد الذي حفر له زملائه في المهنة، وقطعوا أمامه باب الرزق الآتي من التجارة في لقمة العيش، ليفسح لهم المجال في الانفراد بأسواق المدينة، وزيادة نسبة الأرباح أمامهم.
جهود لرفع الحصار
علي الرحبي أحد مؤسسي مرصد العدالة من اجل الحياة والذي اطلق حملة تدعو الى ايصال صوت المحاصرين في هذه المناطق تحدث لدير الزور ٢٤ عن الحالة الخدمية في تلك المناطق قائلاً : يتم تزويد الأحياء المحاصرة بالمياه كل يومين عدة ساعات ويلاحظ أن المياه مليئة بالأتربة مع عدم وصولها لبعض الأحياء فيضطر سكانها إلى شراء الماء من الصهاريج والتي تبيع برميل الماء 200 ليتر بـ 500 ليرة سورية. يستمر انقطاع التيار الكهربائي منذ تاريخ 25/3/2015 مع غياب نيّة النظام في إصلاحها كما بقيت أسعار الوقود مرتفعة وجاءت على الشكل التالي:
البنزين سعر اللتر الواحد :3500 ليرة سورية.
المازوت سعر اللتر الواحد 900 ليرة سورية.
الكاز سعر اللتر الواحد 850 ليرة سورية.
وبقي سعر كيلو الحطب على ارتفاعه 150 ليرة سورية .
ويضيف الرحبي متحدثاً عن الحالة الصحية: تكاد تكون الأحياء المحاصرة خالية من الأدوية الأساسية ويستغل هذا الوضع بعض التجار الذين يجلبون الأدوية من خارج هذه الحياء ويبيعونها الى الصيدليات القليلة المتبقية بأسعار مرتفعة إلى درجة اضطرار المدنيين على شراء حبة واحدة من الأدوية اللازمة لهم عند حاجتهم لها، وثقنا في مرصد العدالة من اجل الحياة في ديرالزور هذا الشهر وفاة 7 أشخاص بينهم طفلين وامرأتين بسبب المرض والجوع،ليصل عدد من توفي داخل المناطق المحاصرة منذ بدأ الحصار الى ٢٠ مدني جلهم من الأطفال.
أما عن الحالة الأمنية فهي سيئة لانعدام الرقيب والحسيب حيث قال الرحبي: قامت مليشيا الدفاع الوطني التابعة للنظام بالاستيلاء على السيارات الكبيرة المملوكة لمدنيين في الأحياء المحاصرة واستخدامها، إما للأغراض العسكرية أو الحاجات الشخصية لعناصرها، كما شن النظام عمليات اعتقال واسعة شملت الشبان اللذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 42 لسوقهم إلى الخدمة الإلزامية وكل شاب لديه تأجيل دراسي تتم محاولة إقناعه بالتطوع بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى.
في الذكرى الثانية لبدء حصار الأهالي في مناطق سيطرة النظام من قبل داعش يبدو واقع هؤلاء المدنيين على محك الموت والجوع والمرض فيما يبدو مستقبلهم بنظرهم غاية في السوداوية والتشأوم.