This post is also available in: English
تمكن الجيش العراقي من إلقاء القبض على المدعو صدام الجمل، المعروف باسم صدام الرخيتة الذي كان يشغل منصب المسؤول الأمني لدى داعش في مدينة البوكمال شرق محافظة ديرالزور بعد استدراجه لكمين في الأراضي العراقية.
من هو صدام الجمل:
بدأت حياته كرجل عشائريٍ بسيط عمل في تهريب التبغ قبل الثورة السورية، ثم شهدت سيرته تغيرات جذرية بعد عام ٢٠١١، فتنقل من قيادي محلي خلال بدايات الثورة على مستوى محافظة ديرالزور، ثم قيادي بارز في هيئة الأركان التابعة للجيش السوري الحر، تلتها مرحلة الانضمام إلى تنظيم داعش .
“صدام الجمل” أو كما يعرفه أهالي المحافظة بـ “صدام الرخيته” شخصيةٌ دار حولها الكثير من الأسئلة والجدل، وتعكس طبيعة وخلفية قسم من المنتسبين إلى تنظيم داعش وكيف تحولوا من شخصيات عادية بسيطة إلى قادة قساة يمارسون أبشع أنواع القتل.
مولده ونشأته:
ولد صدام الجمل في مدينة البوكمال السورية، الواقعة شرق محافظة ديرالزور على الحدود السورية العراقية عام 1978، لعائلة فقيرة مكونة من ٩ أشخاص، يملك والده محل لبيع وشراء الخردوات في السوق “المقبي” وسط المدينة ، وينحدر من عائلة تدعى “النوادرة” وهي أسرة هاجرت من مدينة “عانة ” العراقية، وهي تقع غرب مدينة الرمادي العراقية، إلى مدينة البوكمال منذ أكثر من ١٠٠ عام، ويقول أفراد العائلة أنهم ينتمون إلى عشيرة “النعيم” العربية، التي يقطن قسم قليل منها في المدينة.
درس الجمل، الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس البوكمال، وتوقف عن الدراسة بعد حصوله على شهادة الثانوية الصناعية “البكالوريا”. بعد توقفه عن التعليم عمل مع والده في محل الخردوات، ثم ترك العمل وبدأ ببيع عرانيس “الذرة” في المدينة لمدة، لكنه لم يستمر لينتقل بعدها للعمل في تهريب الممنوعات من العراق إلى سورية.
وجود مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، وحالة الفلتان الأمني التي شهدها العراق بعد الغزو الأميركي، ووجود أقارب الجمل في الشق العراقي المقابل لمدينة البوكمال ساعده في عمله بالتهريب، حيث عمل على تهريب “التبغ”، التجارة الأكثر رواجاً في تلك الفترة، ما وفّر له دخلا جيداً.
تعرّض الجمل، أثناء فترة عمله بالتهريب للاعتقال من قبل نظام الأسد عدة مرات ولفترات متفاوتة، لكنه كان يعود لعمله في كل مرة تلي خروجه من السجن.
لم يكن لصدام الجمل في تلك الفترة أي مزاج أو ميول سياسية، وكان من غير الملتزمين دينياً وكان يشرب الكحول على ما يقول عدد من أبناء بلدته.
في الثورة السورية
مع بدء أحداث الثورة السورية عام ٢٠١١، أنخرط صدام الجمل في صفوفها، عبر المشاركة في التظاهرات التي كانت تُقام في مدينة البوكمال، وتعرض للاعتقال أكثر من مرة من قبل أجهزة الأمن السوري، بتهمة التحريض على التظاهر.
ومع بدء ظهور علامات عسكرة الثورة، كان صدام من أوائل من حملوا السلاح ضد النظام السوري، على مستوى مدينة البوكمال وعموم محافظة ديرالزور، حيث عمل مع بعض المجموعات على عمليات اغتيال ضباط قوات الأسد وضرب فروع الأمن داخل المدينة.
في مطلع الشهر الثامن من عام ٢٠١١ قامت قوات الأسد باقتحام مدينة البوكمال، ما أضطر صدام الجمل والكثير من المقاتلين للخروج من المدينة، حيث استقرّ في مدينة “القورية” شرق ديرالزور، وأسس هناك سرية “زيد بن حارثة” التابعة لكتيبة “الله أكبر”.
بعد أشهر من العمل مع كتيبة “الله أكبر”، أنفصل صدام عنها وعاد إلى مدينة البوكمال وشكل لواء “الله أكبر”، الذي قام بعمليات عسكرية في المدينة ومحيطها ضد قوات الأسد، وبدأت قوته العسكرية بالتنامي حتى تمكن بالاشتراك مع مجموعة فصائل من إخراج قوات الأسد من مدينة البوكمال ومطار الحمدان العسكري عام ٢٠١٢. وما زاد من قوة الجمل وفصيله العسكري هو استيلائه على الكثير من الأسلحة والمعدات، وسيطرته على آبار نفطية في المنطقة.
بعد السيطرة على البوكمال، انضم صدّام الجمل إلى تجمّع ألوية “أحفاد الرسول” بقيادة الرائد “ماهر النعيمي”، وأصبح القائد العام للتجمع في المنطقة الشرقية، وشارك مع التجمع في معارك عدة بريف ديرالزور الشرقي، ثم انتقل إلى القتال خارج محافظة ديرالزور وخاصة محافظة الحسكة في منطقة الميلبية واليعربية ومناطق أخرى.
بعد عقد مؤتمر “أنطاليا” في تركيا نهاية عام ٢٠١٢ لتوحيد عدد من الفصائل المسلحة تم اختيار صدام الجمل في موقع متقدم هو مساعد نائب رئيس هيئة الأركان في المنطقة الشرقية.
في تلك المرحلة تلقى الجمل دعماً عسكريا ومالياً كبيراً، وبسبب علاقته مع قيادة الأركان وجهت له “جبهة النصرة” اتهاماً بأنه انخرط في حلف ضدها. إثر هذا الخلاف فجرت جبهة النصرة منزل صدام الجمل واغتالت أخيه الأصغر عامر، وبعدها قُتل أخوه الثاني خطاب في ظروف غامضة.
بدأ صدام بالتخفي، خوفاً من “جبهة النصرة” وأكدّ الكثير من أصدقائه أنه كان يتواجد في مدينة القورية بريف ديرالزور الشرقي، بحماية مباشرة من لواء “القعقاع” الذي يربطه بقائده محمود المطر صلة مصاهرة وصداقة.
وهنا حاول تنظيم داعش، الدخول على الخط مستفيداً من حالة العداء بين الجمل و”جبهة النصرة”، لكسب الجمل إلى صفوفه خاصة بعد توعد الأخير “الهيئة الشرعية” و “جبهة النصرة”، بالانتقام منهم لقتلهم شقيقيه وتفجير منزله.
محاولة “جبهة النصرة” اعتقاله دفعت صدام الجمل للاختفاء، غابت أخباره منذ أواسط عام ٢٠١٣، وبعد غياب دام أشهرا ظهر صدام الجمل في نهاية عام ٢٠١٣، في إصدار بثه تنظيم داعش، يُظهره وهو يعترف بعلاقة هيئة الأركان وفصائل الجيش الحر بأجهزة مخابرات عربية كانت تدعم تلك الفصائل وتحدث عن اجتماعات جرت لدعم عمليات عسكرية على مستوى محافظات شرق سورية، لتقوية الجيش الحر ومحاولة تحجيم الفصائل الإسلامية ، تحضيراً للتخلص منها في فترات لاحقة.
بعد هذا الظهور قام الجمل ومن معه من عناصر لواء “الله أكبر”، بمبايعة تنظيم داعش، وتمّ تعيينه قائداً عسكريا في صفوف التنظيم .
بعد بدء الخلاف بين فصائل الجيش الحر والكتائب الإسلامية مع تنظيم داعش، وطرد التنظيم من محافظة ديرالزور بشكل كامل عام ٢٠١٤، خرج الجمل مع عناصر التنظيم الهاربين إلى الرقة والحسكة ومدن العراق المجاورة للحدود السورية، وقام التنظيم بالاعتماد على صدام في العمليات العسكرية الهادفة للسيطرة على ديرالزور، وخاصة محور المحافظة الشرقي من جهة مدينة البوكمال مسقط رأسه.
وكان أول هجوم للتنظيم على البوكمال بقيادة الجمل في خريف عام ٢٠١٤ والذي فشل بالسيطرة على المدينة وتسبب الهجوم بمقتل ٧٠ عنصراً من الجيش الحر تم اعدام البعض منهم ميدانياً على يد صدام وعناصر التنظيم، كما تسببت المعارك بمقتل “نادر الجمل”، الأخ الأصغر لصدام وهو من عناصر التنظيم.
وبعد محاولات عدة تمكن تنظيم داعش، من السيطرة على مدينة البوكمال في٢٠١٤ بعد أن بايعت “جبهة النصرة ” الموجودة في المدينة التنظيم، وأعلنتها ولاية تابعة للتنظيم ما أتاح للجمل العودة والاستقرار داخل المدينة، وتنفيذ عمليات اعتقال واغتيال طالت العديد من أعدائه السابقين، وخاصة المرتبطين بـ “جبهة النصرة” التي لم ينس قتلها لثلاثة من إخوته.
ارتبط أسم صدام الجمل، في مرحلة القتال مع فصائل الجيش الحر والكتائب الإسلامية بالكثير من المجازر الدموية التي لعب الجمل دوراً كبيراً فيها، من بينها مجزرتي البوكمال أثناء محاولة السيطرة عليها والتي راح ضحيتها أكثر من ١٢٠ شخصاً، ومجزرة الشولا التي ظهر فيها الجمل واقفاً على رؤوس عناصر من “أحرار الشام” والجيش الحر و”جبهة النصرة” وهي مقطعة ومشوهة بمادة الأسيد، كما شارك الجمل في مجزرة “الشعيطات” التي راح ضحيتها أكثر من ١٠٠٠ مدني.
صدام بعد خدماته للتنظيم في السيطرة على محافظة ديرالزور تقلد الكثير من المناصب، منها نائب والي ” ولاية الفرات” التي تضم مدينة البوكمال السورية ومدينة القائم العراقية، و مناصب أخرى في الجهاز الأمني للتنظيم.
ولابد من الإشارة فيما يتعلق بتفاصيل حياة صدام الجمل مأخوذة من مادة نشرت على موقع “درج” تحت عنوان ” قتلَ أكثر من ألف سوري..رحلة “جزار الفرات” من الجيش الحر إلى تنظيم الدولة”.