يسود الظن بأن مقاتلي تنظيم داعش هم بالكامل من المبايعين له، لكن جبهات القتال ضد قوات النظام في مدينة دير الزور تحوي فئةً -ليست قليلة العدد- تقاتل تحت إمرة التنظيم دون بيعةٍ تدعى بالمناصرين، فمن هم المناصرون…
سيطر تنظيم داعش على محافظة دير الزور في تموز 2014، بعد معارك طاحنةٍ استمرّت أكثر من ستة أشهر، استطاع التنظيم في نهايتها تصفية خصومه في المنطقة ممثلين بجبهة النصرة وأحرار الشام وعددٍ من فصائل الجيش الحرّ وأبناء العشائر، ليجد المئات من مقاتلي الجيش الحرّ على جبهات القتال ضد قوات النظام في مدينة دير الزور، ومثلهم في مطارها العسكريّ، ممن آثروا الرباط في هذه الجبهات على قتال التنظيم. كان هؤلاء يعيشون اضطراباً كبيراً بسبب الدعاية التي سبقت التنظيم وما رافقتها من مؤشراتٍ لم يستطع معها الكثيرون حسم أمرهم منه؛ فبين مشككٍ بماهيته وعلاقته بالنظام، إذ ساد اعتقادٌ لدى الكثيرين في تلك الفترة أن داعش حليفةٌ للنظام لأنها لم تقم بمجابهته في دير الزور والرقة وحلب وإدلب كما فعلت بفصائل المعارضة في هذه المناطق، بالإضافة إلى تجنب النظام استهداف قوات التنظيم بشكلٍ لافتٍ رغم وحشيته في قصف سواها من مدنيين وعسكريين، وبين متريثٍ يظن أن سيطرة داعش ستزول قريباً باعتبارها في سياق الصراع على النفط. إلا أن الخوف من اقتحام النظام «للمحرّر» وما سيتبع ذلك من جرائم في حقّ المدنيين كان السبب الأساسيّ لبقاء هؤلاء المقاتلين على الجبهات رغم سيطرة التنظيم.
لا توجد إحصاءاتٌ دقيقةٌ بأعداد المناصرين، لكن عددهم في المدينة -بحسب عددٍ من المنشقين عن التنظيم- كان يتراوح بين 600-900 مقاتل، وكانت جبهات المطار تحوي عدداً أكبر.
أما داعش فقد كانت مشغولةً بملاحقة معارضيها وتطبيق منهجها على الأهالي في المنطقة، وكان مقاتلوها على جهلٍ تامٍّ بجبهات القتال ضد النظام، علاوة على أن هذه الجبهات تتألف من 11 قطاعٍ عسكريٍّ في المدينة و17 في المطار العسكريّ، وتحتاج إلى أكثر من 1500 مقاتل، وهذا ما يصعب على التنظيم، ولذا أرسل عدداً من قادته إلى تلك الجبهات يطلب من المقاتلين فيها البقاء في القطاعات وجرد الأسلحة لدى مسؤولي الإدارة العسكرية وحلّ الكتائب والعمل تحت إمرة القادة الذين عيّنهم التنظيم كأمراء للجبهات، على أن يقوم بدفع مرتباتٍ شهريةٍ للمقاتلين وتأمين الذخائر. وتعهد التنظيم حينها ألا يطلب منهم البيعة ولا القتال في معاركه خارج جبهات دير الزور، وأطلق عليهم اسم «مناصري الدولة الإسلامية».
دورات الاستتابة
لم يكن تنظيم داعش على درايةٍ كاملةٍ بكافة المقاتلين الذين انخرطوا في المعارك ضده، ولذا أصدر قراراً -بُعيد سيطرته على المحافظة- يطلب فيه من هؤلاء المقاتلين التوجه لحضور دوراتٍ لمدة أسبوعين ينظمها شرعيون من التنظيم في مدينة الميادين شرق دير الزور، تقضي بالتوبة عن قتال التنظيم مقابل العفو عنهم. وكان القائمون على هذه الدورات يطلبون البيعة من الحضور بشكلٍ مستمرّ. وبعد مدّةٍ وسّع التنظيم القرار ليشمل كلّ من حمل السلاح مع الجيش الحرّ، وكانت هذه إحدى الوسائل التي ضغط بها التنظيم على المناصرين خصوصاً من أجل دفعهم إلى البيعة.
الجيل الثاني من المناصرين
بعد عدة أشهرٍ على سيطرة التنظيم فقد الكثير من المناصرين الأمل في زواله من جهة، أو تحقيقه تقدماً يذكر على حساب النظام من جهةٍ أخرى. ومع التضييق الشديد الذي مارسه عليهم لدفعهم إلى البيعة بدأوا بترك القتال شيئاً فشيئاً. لم تستوجب هذه العملية معاقبة التنظيم لهؤلاء في كثيرٍ من الأحيان، وقد ابتكر لحلّ وضع الباقين ما أسماه «بيعة القطاع». فقد دعاهم -منذ سنةٍ- إلى بيعته بيعةً يبقون بموجبها على أوضاعهم وفي بقعتهم الجغرافية التي يشغلونها. وكي لا تخلو الجبهات من المقاتلين كان أمراء القطاعات يسألون المبايعين المحليين عن حاجتهم إلى بعض المناصرين لسد النقص، ويحتاج المناصر الجديد إلى تزكية اثنين من المبايعين. وهنا بدأت تدخل إلى المناصرين فئةٌ جديدةٌ من شرائح عمريةٍ مختلفةٍ لم تحمل السلاح من قبل، دفعتها الحاجة المادية إلى الرباط في الجبهات. وبحسب مصادر محليةٍ تشكل هذه الفئة ما يزيد على 90% من المناصرين حالياً. وقد اضطرّ التنظيم إلى القبول بهذه الفئة، رغم رفضها البيعة، لخوفه من خلوّ الجبهات من المقاتلين.
علاقة داعش بالمناصرين
أعطى التنظيم المبايعين امتيازاتٍ كبيرةً بالمقارنة مع المناصرين؛ فيحق للمبايع فقط تزكية الناس لدى التنظيم، وشهادته أصدق من شهادة المناصر، كما أن دوريات الحسبة لا تلاحق المبايع في حين تعامل المناصر معاملة «عوام المسلمين»، كما يحصل المبايع على مرتبٍ شهريٍّ يزيد على 200 $ بينما حدد التنظيم مرتبات المناصرين بـ7 آلاف ليرةٍ للأعزب و15 ألفاً للمتزوج. حاول التنظيم من خلال هذه الامتيازات إغراء المناصرين بالبيعة لكنه فشل، وهذا ما يفسر حقد قادته وعناصره على المناصرين. إذ يروي أحدهم أن الكثير من أمراء داعش ينعتون المناصرين بالمرتزقة لأنهم يرفضون البيعة، ويقولون إن قتالهم ضد النظام ليس جهاداً بل طلبٌ للمال. وكانت ثقة المقاتلين الأجانب (المهاجرين) بالمناصرين معدومة، فبحسب أحد المناصرين كان هؤلاء يتجنبون القتال إلى جانب المناصرين خوفاً من أن يقوم الأخيرون بتصفيتهم.
اعتمد التنظيم على المناصرين بشكلٍ كبيرٍ في الرباط على الجبهات، كما سبق القول، وذلك بسبب تسيّب عناصره، لكنه أصرّ على إخلاء منطقة حويجة صكر من المناصرين باعتبارها منفذاً للمدينة (تقع الحويجة ضمن المدينة على ضفة نهر الفرات الجنوبية وتعدّ منفذاً رئيسياً للخروج من أحياء المدينة، إضافةً إلى جسر السياسية).
ويعدّ اقتحام النظام حويجة صكر، في تشرين الثاني 2014، لأول مرّةٍ منذ خروجها عن سيطرته في نهاية 2012، المجابهة الأولى بين قوات النظام وداعش في دير الزور منذ إعلان الأخيرة الخلافة. وقد خاض التنظيم بعدها معارك طاحنةً مع النظام لم يحقق فيها أيّ تقدّمٍ يذكر -باستثناء سيطرته على البغيلية غرب دير الزور- على الرغم من محاصرته مناطق النظام لأكثر من عامٍ ونصف. كان المناصرون عنصراً أساسياً في هذه المعارك، لكن علاقة المبايعين بهم كانت سبباً في فشل الكثير منها؛ إذ يتهم المناصرون قادة التنظيم بالرعونة وسوء التخطيط، ويردّ الأخيرون بأن عدم بيعة المناصرين سببٌ رئيسٌ في «تأخر النصر».
داعش تستجدي المناصرين
تحت ضغط الطلب المتزايد للعنصر البشريّ، منذ معركة عين العرب/ كوباني، لجأ بعض قادة داعش في دير الزور إلى خداع عناصر محليين بأخذ بيعة الموت منهم دون إخبارهم بالمكان الذي سيقاتلون فيه، ليكتشفوا في الطريق أنهم يسلكون طريق الرقة. وعندها فرّ بعضهم واعترض البعض الآخر عند وصولهم إلى أول محطةٍ بأن قادتهم أوهموهم أنهم سيقاتلون في المطار العسكريّ بدير الزور، فأعادوهم إلى المدينة. وبعد ازدياد هزائم التنظيم وفقدانه عدداً كبيراً من عناصره حاول استمالة المناصرين مرّةً أخرى وبطريقةٍ مختلفة، فبدأ يرسل أمراءه إلى جبهات القتال يعرضون على المناصرين امتيازاتٍ متساويةً مع المبايعين من جهة المرتب الشهريّ، ودون بيعة، شرط ان يقاتلوا مع التنظيم خارج المدينة، في العراق أو الحسكة أو ريف حلب. وقام التنظيم حينها برفع راتب المناصر إلى 50 دولاراً للأعزب، لكن هذه العملية لم تفلح في استقطاب الكثيرين.
موقف المناصرين من التنظيم
يعدّ المناصرون أنفسهم من عناصر الجيش الحرّ. ويبرّر بعضهم بقاءه في القتال بأن التنظيم سيزول يوماً ما وحينها يجب أن يكونوا حاضرين لصدّ هجوم النظام، ويسوقون مثالاً لذلك حادثة اقتحام حويجة صكر، حين فرّ عناصر التنظيم وقام الأهالي بالتصدي، أما البعض الآخر فقد ظلّ يعتبر التنظيم محتلاً تجب مقاومته من الداخل. وفي الفترة الأولى من سيطرة التنظيم تعرّض عناصره لعمليات اغتيالٍ في المدينة وريفها، لكن تمكّنه في المنطقة وبطشه بأهلها وانتشار جواسيسه وقفت عائقاً أمام أيّ محاولةٍ من هؤلاء لتجميع أنفسهم في أيّ كيانٍ خاصّ. ورغم انتشار أخبارٍ تفيد بوجود خلايا للجيش الحرّ لاغتيال عناصر التنظيم والهجوم على مقرّاته، إلا ان ندرة تلك العمليات تدفع إلى الظن أنها نتيجة تخطيطٍ فرديّ، وربما لدواعي الثأر الشخصيّ لا أكثر.