This post is also available in: English
أخذت المرأة دوراً كبيراً على مرّ التاريخ، لكنّ هذا الدور تفاوت مابين القيادة والتبعية، فقد رأيناها في الأسطورة (عشتار)، لتفقد في مكان آخر تلك الصفة قيمتها بعد تزايد سلطة الرجال، كما رأيناها في أعلى سُدة الحكم ملكةً ك(زنوبيا)، ليتلاشى دورها القيادي وتتحول إلى تابعة في عصور الإنحطاط وسيطرة الذكور على كل مفاصل المجتمع، وهذا ينسحب على المرأة في كل زمان ومكان منذ القدم، فقد تأرجح دورها صعوداً ونزولاً بين كل ماذكرناه سابقاً.
ولا تخرج نساء وادي الفرات عن هذا السياق التاريخي لدور المرأة بشكلٍ عام، إلا أنّ نساء البقعة المسماة ديرالزور قد تميّزنَ بدورٍ رياديٍّ، ربما لأسبابٍ من أصالة هذه المنطقة الحضارية، حيث تعاقبت عليها الكثير من الحضارات، أو لطبيعة مجتمعها المتداخل مابين البداوة والحضر، وقد يكون لطبيعة إقتصاد المنطقة الزراعي الدور الأبرز في تكوين صفات المرأة الريادية لديهن، فبالرغم من العشائرية السائدة في المجتمع الديري والتي تعطي انطباعاً أولياً على أنه مجتمع ذكوري إلا أننا نجد أن كل عشيرة لديها نخوة باسم امرأة(هدلة، صبحة، سعدة….) وجميعها أسماء نساء لهن بصمة في المجتمع، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على اعتزاز هذه العشائر بنسائها الرائدات ريفاً ومدينة، حيث أننا لا نلاحظ وجود نخوة باسم رجل كما أننا نسمع تداول تعبير (فلان أخو أخته) بين أبناء المنطقة وذلك للدلالة على مايتمتع به الرجل من حنكة وشجاعة.
ولعلنا لا نأتي بجديد عندما نرى اعتزاز أبناء المدينة بنخوة “إخوة بطة” هذه النخوة التي تعيد دائماً ذكرى (بطة الحاج قدور) واحدة من نساء دير الزور اللواتي وقفن في وجه المستعمر الفرنسي، لتثير حماس أبناء بلدها في تلك المواجهة، ولا يسعنا أن ننسى (فاطمة الجذمور) التي اعتقلها الفرنسيين لما قامت به ضدهم برش الفليفلة الحمراء في أعينهم عندما كانوا يطاردون الثوار بالإضافة لمناضلات أخريات في الريف والمدينة قديماً وحديثاً، ولا يقتصر دور المرأة الديرية على هذا الجانب النضالي فقط بل ينسحب على كافة الجوانب في الحياة فقد عملت إلى جانب الرجل مع احتفاظها بكونها ربة منزل في الزراعة، وتشكل نسبة مشاركتها في هذا العمل أكثر من50% منه، فهي تزرع وتجني المحصول، بالإضافة إلى دورها في العناية بالمواشي هذا على مستوى المرأة الريفية التي أضافت إلى هذه الأعمال بعض الأشياء المتعلقة بعنايتها بالمواشي كصناعة الأجبان والألبان والسمن والمونة التي تتعلق بمنتجاتها الزراعية كرب البندورة والمجففات من الخضار والبرغل وماشابه، بالإضافة لنسج البُسط ومهن أخرى جعلتها لتحصل على مردود إقتصادي يعين الأسرة ويعطيها استقلالية إقتصادية نوعا ما.
ولم تغب المرأة الريفية عن التعليم والدراسة، فنجد منذ أربعينيات القرن الماضي فتيات من مختلف ريف ديرالزور يذهبن للمدارس لتتوج هذه الدراسة بنيلهن مرتبة التخرّج كمعلمات في بداية الستينات أمثال المدرّسة (أميّة البصري) في مدينة المياذين، لتبرز بعدها عدة فتيات ممن أتيحت لهن الفرصة بإتمام تحصيلهن العلمي بالانتقال إلى العاصمة كالروائية الدكتورة (مية الرحبي)،
وقد تزايدت نسب النساء المتعلمات في مجتمع ديرالزور وفي الريف على وجه الخصوص، حتى وصلت إلى أعدادٍ مرتفعة جداً خلال العقدين الماضيين.
أمّا في المدينة، فقد استطاعت الديرية قديماً أن تعمل بمجالات التعليم (الخوجة) ونذكر أولاً حاجة(فاطمة خانم) أرمنية الأصل، والحكمة كطب الأعشاب والكشاشة، وفي مجال التجميل الصمّادة والحفافة وفي الولادات السرّارة، كما قامت بحياكة البسط والسجاد وغزل ونسج الصوف والليف، وعملت أيضاً خياطة وطرازة ونقّاشة وخرّاجة للعباية الديرية التي تعتبر رمزاً فلكلورياً لنساء المنطقة.
كل هذه الأعمال أعطت للمرأة دوراً كبيراً في بناء العائلة والمجتمع مكّنها أكثر نتيجة لهذه المساهمات العملية لها ودورها الفاعل قديماً، فقد انتقلت إلى العلم مبكراً وتعلّمت، فشاهدنا الرائدات في هذا المجال على سبيل المثال لا الحصر “عايدة عزاوي” أول طبيبة تخرجت من ألمانيا الغربية، و”لمياء الجوهري” أول طبيبة تخرجت من جامعة دمشق، وتابعت اختصاصها في فرنسا، كما لا نستطيع إغفال رائدة التعليم وأول معلمة “لبيبة حسني الدخيل” والمحامية الأولى “زهرة الحافظ”.
ولم تغب نساء دير الزور وريفها عن ساحتي الأدب والفن حيث ظهرت عدة أسماء لفتيات في هذا المجال كأمثال الأديبة شذى برغوث وكانت أول امرأة طبعت مجموعة قصصية في المنطقة الشرقية عام 1994 وهي أول النساء في المنطقة حصلت على عضوية في اتحاد الكتاب العرب عام 1997 بالإضافة للأخوات منديل والشاعرة تماضر الموح والرسامة عتاب حريب وغيرهن الكثير.
في كل ما ذكرناه تبرهن لنا ماجدات ديرالزور على دورهن الريادي على كافة الأصعدة والمجالات، مما يجعلنا نؤكد مقولة أبناء المحافظة الدائمة عن نساء هذه المنطقة “الديرية أخت رجال”.
بقلم:
صفا التركي