في قوافل اللاجئين السوريين التي وصلت إلى بلاد الغرب و العرب ، كان هناك رسلٌ حملوا معهم أبجديتهم الخاصة لينقلوا الإرث الحضاري والمكنون الثقافي لوطنهم المسلوب منهم إلى الشعوب التي لا تعرف جيداً الحضارة العريقة للسوريين ، أبدع عدداً منهم في إيصال رسالته بعد الجهد و المواضبة على تحقيق الهدف الذي يصبو إليه ، الشابة نور عبيد ابنة محافظة ديرالزور احدى المبدعات في حقل الفن التشكيلي ، تفردت بأفكارها و صيرت تجاربها التي مرت بها خلال الثورة السورية إلى لوحات جميلة تعكس كل منها قضية من قضايا الشعب السوري و العربي ، فكانت لوحاتها تناجي هموم الشعب السوري المكلوم تارة ً ، و ترسم ثنايا الحضارة العربية العريقة تارةً أخرى في توليفة ابداعية قدمتها للجماهير عبر معرض أقامته في مدينة زنغن الألمانية تحت عنوان ” لمسات أنيقة لحضارة عريقة ” .
شبكة ديرالزور24 حاورت الفنانة نور عبيد في لقاء صحفي خاص أضاءت من خلاله على بعض الجوانب الإبداعية في حياة الفنانة نور و تناولت تجربتها في الرسم و المعارض التي أقامتها عبر عدة أسئلة وجهت لنور .
متى وصلت ألمانيا ؟ وماهي مراحل رحلتك من سوريا إلى ألمانيا ؟
وصلت إلى ألمانيا عام 2015 بعد رحلة طويلة و شاقة ، أجبرنا على ترك منزلنا في مخيم اليرموك عام 2012 بعد القصف الذي تعرضنا له من قبل قوات النظام ، توجهت مع عائلتي إلى مسقط رأسنا في ديرالزور ، لم يكن الأمر أفضل هناك فقد كان القصف يطالنا بشكل شبه يومي بمختلف القذائف مما دفعنا إلى مغادرة ديرالزور والتوجه إلى تركيا ، في تركيا أقمنا في أحد المخيمات في ولاية شانلي أورفا يطلق عليه مخيم سليمان شاه ( مخيم تل أبيض )، في المخيم كان الجو كئيب و علينا أن نتأقلم مع مثوانا الحالي ، لم يكن أمامي من سبيل سوى الانكفاء على الرسم الذي أهواه و الذي حرمني منه نظام الاسد بعد أن تركت كلية الفنون الجميلة في السنة الثانية بسبب الحرب التي فرضت علينا من قبل النظام ، تزوجت هناك و أسست عائلة صغيرة في خيمة من خيام التشرد ، درست مادة الرسم لطلاب المرحلة الإبتدائية في المخيم حتى سنحت لي الفرصة للهروب إلى الأمام بحثاً عن حياة أفضل و كانت الوجهة هذه المرة هي ألمانيا ، سافرت وحدي عبر البحر متحملة المشقة والمخاطر التي ترافق الرحلة إلى هناك ، و بعد عناء عشرات الأيام وصلت إلى ألمانيا و مكثت في أحد المخيمات المؤقتة حتى انتقلت إلى منزل مستقل مكثت فيه لوحدي قرابة سنة كاملة تمكنت خلالها من لم شمل زوجي .
متى بدأتِ بالرسم و ماهي الأعمال أو المعارض التي قمت بها ؟
بدأت بالرسم منذ الصغر في المرحلة الإبتدائية شعرت أن الألوان و دفتر الرسم وكل ما يخص الرسم هم أشياء محببة لي ، وأصبحت أعبر عن ما يجول بداخلي عن طريق الرسم ، و كبر معي هذا العشق حتى وصلت للمرحلة الثانوية ، إذ كنت أضع ورقة الرسم بين طيات كتابي لأقوم بالرسم عبر التمويه ، خوفاً من توبيخ والدي الذي كان يتابعني في الباكلوريا ، بعد تجاوزي امتحان المرحلة الثانوية كان متاح لي أكثر من فرع دراسي ، لكنني اخترت الدراسة في كلية الفنون الجميلة حلمي من الصغر ، لكني للأسف لم أتمكن من إتمام حلمي والتخرج من الكلية بسبب الآلة القمعية التي واجهت الثورة السورية والتي أجبرتني على ترك دراستي و منزلي و طلب الامان حيث ما وجد ، كان لقيام الثورة السورية ضد نظام الأستبداد أثراً كبيراً في مشواري ، زادتني الثورة إصراراً على التمسك بحلمي و دفعتني إلى التقدم نحو الأمام و أن لا شيء مستحيل مع الإيمان والعزيمة و الإصرار ، وحملتني أمانة أنه يجب عليّ أن أتعمق في الواقع لأتمكن من تجسيده ونقله عبر رسوماتي .
حبذا لو تخبرينا بالصعوبات التي واجهتك أثناء تجهيزك للمعرض في بلاد اللجوء ؟
بعد سنتين ونصف من إقامتي في ألمانيا ، آثرت استكمال مشواري والوصول إلى هدفي الذي لم يفارقني طرفة عين ، فبدأت بشراء مواد الرسم التي اثقلت كاهلي بعض الشيء نظراً لارتفاع أسعارها في ألمانيا ، أنجزت حوالي نصف اللوحات على حسابي الخاص ، حتى قدم لي النادي السوري-الألماني في ألمانيا الأدوات والمواد اللازمة لباقي اللوحات ، أمرٌ آخر كان بمثابة التحدي الحقيقي و هو المدرسة الألمانية و الاهتمام بأطفالي و الاعمال المنزلية حيث كانت تلك المهام تأخذ من وقتي الكثير ، لدرجة أنني في معظم الأحيان لا أتفرغ للرسم حتى منتصف الليل و أسهر حتى وقت متأخر علماً أن علي الاستيقاض باكراً ، لكني كنت أستغل أيام العطل بشكل جيد نوعاً ما .
من الصعوبات التي واجهتني أيضاً ” اللغة ” حيث لم أتمكن من شرح لوحاتي باللغة الألمانية بالشكل المطلوب ، لوجود اختلاف بين المصطلحات العربية و الألمانية بهذا المجال .
ماهو عدد اللوحات التي عرضتيها في معرضك ؟ وكم استغرق انجازها ؟ و ماهي أهم المواضيع التي حملتها ؟
عدد اللوحات 25لوحة ، 5 منها قدمتها للنادي السوري الألماني ،الموضوع الأساسي للمعرض هو التعريف بالحضارة العربية من بنيان وتراث صنعات ، والإندماج بين الحضارة العربية و الثقافة الأوربية و أهم الأفكار التي حملتها اللوحات هي تجسيد لمعاناة الشعب السوري في الحرب من قتل وتهجير و غرق وقصف وموت . كما كان هناك عدد من اللوحات التي تحمل غموض بالمعنى تركت للمتلقي محاولة تحليلها و فك شيفرتها حيث أن هناك شريحة من الجمهور تفضل هذا النوع من الرسم ( الفن التجريدي) ، حوالي خمس شهور هو الوقت الذي استهلكته لإنجاز لوحاتي .
برأيك هل كانت التجارب التي قام بها الفنانون التشكيليون المعارضون على قدر من النجاح في ايصال الواقع السوري ؟
من الناحية الفكرية لكل فنان اسلوبه الخاص ترجمة أفكاره في تناول مواضيع الثورة، إن كان في استخدام الألوان أو في انتقاء جوهر الموضوع في اللوحة ، مثلاً في المعرض سألتني إحدى الزائرات ، لماذا يطغى على لوحاتك اللونين الأسود والأحمر ، فكان جوابي لها ، أن اللون الأسود يعكس حالة الحزن التي خلفتها الحرب في نفسي ، أما اللون الأحمر فيرمز إلى الثورة في بعض اللوحات وإلى الدم في لوحات أخرى ، و من ناحية التجارب باعتقادي كانت هناك تجارب كثيرة ناجحة و استطاعت أيصال رسالة الشعب السوري ، تجربة الفنان الكبير علي فزات مثلاً .
هل يمكن اعتبار الفنان التشكيلي “رسول” لوطنه ؟
بالطبع ، الفنان هو رسول لوطنه وهذه أمانة يجب أن يوصلها أينما كان ، ومهما كانت ظروفه ، الفنان إما أن يكون أو لا يكون .
– ماهي مشاريعك المستقبلية وهل تحضرين لمعارض قادمة ؟
أحضر لمعرض جديد في منتصف العام القادم ، سيكون المعرض لمجموعة من الفنانين ، وأنوي المشاركة بعدد الأفكار واللوحات الجديدة .
هل يوجد منظمات أو أشخاص مهتمون بتقديم العون لكِ للتحضير لمعرضك الجديد ؟
حتى هذه اللحظة لايوجد ، أقوم بشراء المواد و التجهيزات على حسابي الخاص ، وفي حال تقدم لي العون و الدعم فسيكون أمراً جيداً .
من هي الفنانة نور عبيد :
أنا نور شكر عبيد من مدينة موحسن من محافظة دير الزور ، مواليد 1991، ولدت في دمشق في مخيم اليرموك ودرست فيها وبعد تجاوزي المرحلة الثانوية دخلت كلية الفنون الجميلة ، ووصلت للسنة الثانية وتركتها بسبب الحرب ، نزحت إلى ديرالزور و بعدها إلى تركيا حيث جهزت فيها معرضاً لم أحضره بسبب نزوحي الجديد إلى ألمانيا ، أقيم الآن في ألمانيا بمقاطعة “بادن فورتمبيرغ”