This post is also available in: English
قبل وبعد سيطرة تنظيم داعش على مدينتي الرقة و ديرالزور في الشرق السوري، وكان الهاجس لدى أمرائه كيفية استقطاب جيل الشباب الذي انخرط في الثورة السورية، وتحويلهم إلى عناصر يخضعون له بالمطلق، إلا أن الظروف التي مرت بها الثورة السورية حولت الرياح إلى المسار الذي اشتهاه أمراء التنظيم فسيروا سفنهم كيفما شاءوا وحيثما أرادوا.
التحق أبو المنصور 33 عاماً بتنظيم داعش في أيامه الأولى، حيث اتجه إلى مدينة الشدادي بالقرب من الحسكة برفقة عدد من مقاتلي الجيش الحر ، وأعلن ولاءه سراً ثم عاد إلى ديرالزور وأكمل عمله تحت راية الجيش الحر إلى أن جاء الوقت المناسب فأعلن بيعته صراحة وجهاراً أمام الملأ، وانضم إلى عناصر التنظيم الذين بدأوا يجوبون طرقات المحافظة لتطهيرها من الجيش الحر الذي أطلقت داعش عليهم أحكام الردة والعمالة.
يقول أبو المنصور: “بعد الذي سمعته عن تنظيم الدولة قررت وبعض رفاقي أن نتجه للمبايعة علّي أجد فيهم خلاص أسرع لما نقاسيه من حرب وحرمان وخوف، وما رأيته من تشتت في صفوف الجيش الحر والاختلاف وحجم التنظيم وقوته، إضافة لما سمعته عن بنية التنظيم المتينة وكيفية إدارته ونهجه الذي سوقه الدعاة على أنه “نهج إسلامي صحيح”.
لم يكن الأمر واضح بما فيه الكفاية للكثير من مقاتلي الجيش الحر، الذين توجهوا بأبصارهم إلى التنظيم فكانت فكرة الدعوة إلى تنظيم إسلامي قوي يحقق أمانيهم بالخلاص بأسرع ما يمكن من الخلاف بين الفصائل وظروف الحرب المأساوية ترتسم أمامهم وتقترب منهم .
يتحدث أو المنصور عن رحلته إلى الشدادي : بعد أن حزمنا أمرنا توجهنا إلى مدينة الشدادي رفقة أحد الدعاة السريين للتنظيم بسيارة ترفع علم أحد فصائل الجيش الحر، حتى وصلنا إلى المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة فأخفينا العلم وتقدم أبو عبدالله (الداعية السري) نحو الحاجز وتحدث إليهم ثم تابعنا سيرنا لنصل إلى أحد المقرات في الشدادي، وهناك تمت المبايعة وبتنا ليلتنا في منزل قيل لنا أنه كان يملكه أحد عناصر الأمن في المدينة، وفي اليوم التالي عدنا أدراجنا وتابعنا عملنا في صفوف الجيش الحر دون اختلاف في طريقة العمل، إلا أن اللقاءات المستمرة مع أبو عبدالله كانت تزيدنا اقتناعاً بأن الجيش الحر عبارة عن تجمع لبعض المرتزقة و الصحوات.
إن ما فعله الدعاة في المنطقة لم يكن أمراً هيناً فمهاجمة الجيش الحر وتحويل من قام بالدفاع عن الأهالي وتحرير المناطق من سيطرة واستبداد النظام إلى مرتدين وأعداء للدين، كان يعد العمل الأهم في مسيرة التنظيم وهو الأساس الذي بدأ التنظيم بناءه عليها.
يقول أبو المنصور: كان الدور الذي أوكل إلينا في بداية الأمر أن نرشح لأبي عبدالله الأشخاص الذين نرى فيهم ميول إلى الالتحاق بتنظيمات إسلامية وهذا ما كان بالفعل، أما مسألة التوجه إلى المبايعة فكان يتولاها أبو عبدالله وهو شخصٌ خبير تدرب كثيراً على هذه الأمور حسب ما أخبرنا لاحقاً، وبدأت أعداد العناصر المبايعين خفيةً تزداديوماً بعد يوم، وهذا ما أسعد أبو عبدالله كثيراً، وكانت مكافآته تفرحنا كثيراً.
إن ضعف عملية التنظيم في الجيش الحر أعطت تنظيم الدولة امتيازاً في جذب العناصر ذلك لأن التنظيم الإداري والمالي كان يعطي العناصر الراغبة بالمبايعة راحة أكبر ويؤكد لهم أن حقوقهم لن تهدر، كما أن فكرة المقابل المادي الذي يجب أن يحصلوا عليه لقاء تركهم وظائفهم وأعمالهم، كان متاحاً في خيار الالتحاق بداعش، وقد برر من بايع التنظيم هذا الأمر بأن حاجة عائلاتهم وذويهم للقمة العيش تطلبت هذا الأمر وقد وجدوه صراحة في الالتحاق بصفوفها.
يقول أبو المنصور: إن الفاقة والحاجة التي وصلت إليها عائلاتنا في أيام الجيش الحر دعتنا للبحث عن عمل بعد أن ننهي مناوباتنا على جبهات القتال، وهذا كان يشكل عبئاً إضافياً علينا، قلة التركيز وعدم الاكتراث جعلنا أهداف للقناصات بعد أن نعود منهكين من العمل إلى الجبهات بشكل مباشر.
ويتابع: في تنظيم الدولة تجد أن كل هذا موفر إلا أن الفكرة التي اكتشفناها فيما بعد أن هذا كان موفراً لتنفيذ ما خُطط له منذ سنوات، وكان تنفيذه ملائم في الوضع السوري، بسط نفوذ لأشخاص باسم الدين وباسم الإسلام، ونشر الظلم بهدف السيطرة وتوسيع رقعة الحكم والسيطرة وتنفيذ ما لا نعرف من مخططات، ربما هذا الأمر كان هو اشيء الأساسي الذي دعاني لأترك التنظيم وأهرب خارج الأراضي التي يسيطر عليها فيما بعد.
على من يريد مبايعة التنظيم أن يمر بعدد من المراحل تبتدي بدورة استتابة وتنتهي بدورة عسكرية مروراً بدورة شرعية إلّا أن أبو المنصور ورفاقه لم يخضعوا لدورة استتابة بحكم بيعتهم المبكرة للتنظيم لذا اقتصرت المراحل على دورة شرعية ودورة عسكرية، ليهرب بعدها تاركاً التنظيم وقد بسط سيطرته على ديرالزور، وقد فعل الكثير هو وأمثاله الكثير من أجل ذلك.