This post is also available in: English
دير الزور 24 – مقال رأي.
منذ مقتل الشيخ مطشّر الهفل ومرافقه في أغسطس/ آب الماضي والتداعيات التي خلّفها مقتل أحد وجهاء المنطقة، والمنطقة تغلي وتطرح معها أسئلة عديدة حول حركة المجتمع في أرياف دير الزور، ذات الصبغة العشائرية المختلفة في مبناها الاجتماعي عن المناطق السورية الأخرى.
منذ تحرير الباغوز من تنظيم داعش وسيطرة التحالف عبر شركائه المحليين في قوات سوريا الديمقراطية على مناطق دير الزور شرق الفرات والمنطقة تُعاني وضعا امنيا غير مستقرّ، ويشهد عمليات اغتيال ممنهجة تحمل في غالبها بصمات التنظيم الذي ينشط عبر خلاياه في الريف مستغلّا الفلتان الأمني، الذي لم يضبطه التحالف ولا قوات سوريا الديمقراطية، ما يحمل بذرة قلق حقيقي حول جديتهم في استقرار المنطقة والسعي الجاد إلى ذلك.
عملية اغتيال وصفارة إنذار:
اغتيل أملح محيسن العبد العزيز أحد أبرز الوجهاء العشائريين في المنطقة والذي يشغل منصباً كعضو أساس في مجلس بلدة الشحيل المحلّي متأثراً بجراحه التي أصيب بها يوم أمس الأربعاء 7 / 10 / 2020، في عملية تحمل بصمات تنظيم داعش، حيث أنّ العملية تمت عن طريق ملثّمين يستقلون دراجات نارية وبأسلحة كلاشينكوف ومسدسات، بالقرب من منزله.
وهو ما يُعيد إلينا مشهد السيناريو القريب في آب/ أغسطس الماضي حيث تعرض سلسلة وجهاء ووجوه عشائرية للاغتيال، إضافة لعمليات اغتيال لم تنجح، ومع أنّ تلك العمليات كان ينبغي لها أن تؤسّس لنظرة أمنية وعسكرية مختلفة في محاولة لعدم تكرار السيناريو، إلا أنّ الأمر سار عكس ما هو مأمول، فقد انسحبت الحواجز الأمنية من تلك المناطق في محيط منطقة محاولة الاغتيال، ومع أنّه لا يمكن معرفة السبب الحقيقي والمنطقي لانسحاب الحواجز في هذا التوقيت إلا أنّ ما شجّع محاولي عملية الاغتيال هو إزالة تلك الحواجز من المنطقة.
إنّ قسد ومن ورائها التحالف وأمريكا لا تعي أو لا تحاول جادة أن تعي خصوصية هذه المناطق ذات الطابع العشائري والتي ينبغي لاستباب الأمن فيها الموازنة ما بين هذه الحقيقة وحقيقة أنّ المنطقة باستطاعتها أن تكون آمنة وهي ليست مستحيلة الحل أبدا.
حين نقول قوات سوريا الديمقراطية ومجلس دير الزور المدني أو العسكري، فإنّنا أمام حالة ما قبل المؤسّساتية، أي حالة قابلة للاختراقات الأمنية، أو هي مخترقة بالفعل، لكن بدرجات متفاوتة من قبل نظام الأسد وإيران وحتى داعش.
الرسالة:
لا أبْلغ من الرصاص ليُرسل رسالة إلى جميع الأطراف في هذه المنطقة، وهي رسالة تحمل في مضامينها خيوط الحلّ أيضا، فمحاولة الاغتيال الأخيرة لن تكون أخيرة إلا إذا حاولت القوى المسيطرة على شرق الفرات العمل جادا في انتشال المنطقة، أولا عبر تثبيت الأمن والتعاون مع أبناء المنطقة، وتقسيمها إلى قطاعات، بحيث يُساهم أبناء المنطقة في حماية المنطقة، والخطوة الأخرى هو منح الأمان للمنطقة عبر تنفيذ مشاريع اقتصادية وترميم البنية التحتية المنهارة، وإلا فما الذي يفسّر ضعف المشاريع التنموية والخدمية وترميم البنية التحتية في منطقة تعد غنية بالنفط والغاز.
لا يبدو أنّ قسد والتحالف يكترثون بشكل جاد لمحاولات إيران والأسد اختراق المنطقة في شرق الفرات، وهي التي لن توفّر أي فرصة لأخذ المنطقة، وبخاصة مع الإحساس الدائم أنّ قسد والتحالف لا يبنون استراتيجية لبقاء طويل، على الأقل في عقد علاقات مباشرة مع أهالي المنطقة وإعطاء الضمانات الحقيقية لتثبيت الأمن والاستقرار في ظل التهديد الأسدي الإيراني الداعشي للمنطقة، فالعمليات الأمنية التي يقودونها هي محدودة، تستهدف داعش وخلايا داعش, لكن في ذات الوقت خلايا إيران والأسد وحتى خلايا داعش لا تزال مستمرة في أنشطتها ويوماً يزيد عن اليوم الذي سبقه. فهل هي خوازمية صعبة الحلول؟
لقد أثبتت الوقائع قبل عام من الآن أنّ أمريكا بإمكانها أن تُدير ظهرها للمنطقة وتمشي حتى وإن بنت ألف قاعدة عسكرية، وهو ما حصل قبل عام إبان الاجتياح والغزو التركي لمناطق بيد حلفائها، وأثبتت الوقائع أيضا أنّ قوات سوريا الديمقراطية وبالذات المكوّن الكردي فيها والذي يُشكل العصب الحيوي فيها بإمكانها أن تُدير ظهرها لدير الزور في أي لحظة حتى وإن بنت ألف مكتب إداري ومدني، وهو ما حصل قبل عام وفي ذات سياق قرار الانسحاب الأمريكي، حيث توجّهوا إلى مناطق رأس العين وتل تمر وغيرها، وكادت المنطقة تذهب برمتها وكان السيناريو سيكون بترك أهالي شرق الفرات في دير الزور لقمة سائغة لمن يريدون الانتقام لعدم قبول الخضوع لهم، وهؤلاء هم الصيغ الأسوء في سوريا والمفاضلة بينهم خاسرة دوما وهم النظام السوري والميليشيات الإيرانية وروسيا وأخيرا تنظيم داعش.
في هذه المرحلة وقبل أن يحدث الأسوأ ينبغي على التحالف وقوات سوريا الديمقراطية العمل بشكل جاد على تثبيت الأمن والالتفات إلى المنطقة ومساعدتها على النهوض بعيدا عن البراغماتية المقيتة التي لن تبني استراتيجية طويلة للبقاء في المنطقة.
بقلم:
عمر أبو ليلى – مدير شبكة ديرالزور24.