أبو أحمد.. الديري الغريب في دمشق
لم تعد الحياة ممكنة في كل مكان، ولم يعد السكن في أي مكان متاح في كل مكان، فالسؤال الذي يواجهه أبناء ديرالزور في دمشق هو:
“هل أنت من ديرالزور؟” في حال كانت الإجابة نعم كان الرد: “عليك البحث عن منزل في مكان آخر، فهذا الحي لا يمكنك العيش فيه”
ويتبعه سيل من الشتائم على (الإرهابيين) ومن يلتف حولهم.
هذا حال الأهالي من أبناء ديرالزور من الذين قذف بهم تسلط داعش في محافظتهم وإنهائه لجميع أنواع النشاط الاقتصادي والاجتماعي فيها لكي يكونوا لاجئين في دمشق العاصمة ينالون ما ينالونهن من عسف النظام وتجبر أجهزة مخابراته وشبيحته.
أبو أحمد البالغ من العمر 55 عاماً من أبناء ديرالزور يسكن مع عائلته المكونة من ثلاثة أبناء وبنتين في مدينة دوما، هُدم منزله جراء القصف المتواصل على دوما فاضطر للانتقال إلى دمشق بحثاً عن أمانِ مفقود في المناطق التي يطالها قصف النظام، لم يكن الأمر هيناً أن تجد منزلاً سط الزحام الهائل فكثير من أبناء الريف الدمشقي تحولوا للسكن في مدينة دمشق لذات السبب وهنا كانت العقبة الأولى التي واجهت أبو أحمد.
يقول عن ذلك: لم يكن هناك خيارات كثيرة فمن يبحث عن منزل في دمشق كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، إنه أمر شاق للغاية ، في فترة بحثي عن منزل كنت أبيت مع عائلتي عند قريبي رغم أني أعرف مدى الصعوبة التي تقع على كاهله ، ولكنه أمر لا مفر منه، المنازل أضحت مفقودة في ظل هذا الزحام الكبير.
ويتابع: تقدمت للأمن السياسي بدمشق بطلب للحصول على موافقة أمينة لأستأجر منزل في أحد الأحياء، فكان الرد قبل الحصول على الموافقة عليك أن تخضع لتحقيق عن سبب تركك دوما، ولمَ لم تخرج من قبل، هل اشترك أبناؤك بالقتال في صفوف الإرهابيين، وكثيرٌ من الأسئلة التي كانت كانها تحقيق مع متهم لا مع مواطن يريد ان يستأجر منزلاً.
بعد أن أنهى أبو أحمد التحقيق كان عليه أن يقدم معاملة بالأوراق المطلوبة التي كلفته قرابة 10 آلاف ليرة سورية كان أغلبها رِشى وإكراميات، هذا الأمر كان ضرورياً للاستعجال في الحصول على الموافقة ، ويؤكد أبو أحمد :إذا أردت الحصول على الموافقة بوقت قصير عليك أن تقدم الإكراميات لكل عنصر تحتاج إلى توقيعه، هذا الأمر تطلب قرابة 10 آلاف ليرة سورية لورقة فيها 3 إمضاءات، وكان الجواب في النهاية : راجعنا بعد شهر وستحصل على الموافقة”.
لم تكن كل الأحياء متاحة لهم من أجل السكن ، فكل الأحياء التي تجاور مساكن لضباط الجيش والأمن والشرطة محرمة على أبناء ديرالزور وفي هذا تمييز واضح بين أبناء الوطن الواحد حيث يقول أبو أحمد:كل المناطق التي تجاور مساكن الضباط ممنوع علينا الاستئجار فيها، مكتوب في الموافقة عليك البحث عن المنازل في المناطق التالية (ويذكر أسماء المناطق التي وافق الأمن على الاستئجار فيها) ، أيضاً لا يحق لنا أن نستأجر في المناطق التي تكون غالبية سكانها من الطوائف الأخرى كالعلويين وغيرهم وتبريرهم لعدم الاحتكاك وإثارة المشاكل”.
العقبة الأهم في طريق عائلة أبو أحمد كانت في الإيجار الذي يطلبه أصحاب المنازل والذي وصل حتى 90000 ليرة سورية في الأحياء القريبة من مركز المدينة أما الأطراف فيتراوح الإيجار بين 50 و 80 ألف ليرة سورية حسب المنزل وسعته ” ليس بمقدورنا أن ندفع شهريا 50 ألف لقاء الإيجار فقط، هذا مبلغ ضخم على عائلة لا تملك دخلاً بالأساس، وهذا ما اضطر أولادي للعمل وترك الدراسة، الأمر الذي أجبرني على العمل أيضا في محاولة لزيادة المدخول لنستطيع العيش بكفافٍ في دمشق، ناهيك عن المضايقات التي اتلقاها وعائلتي من عناصر الأمن والدفاع الوطني”.
لم يعد لأبو احمد أي اهتمامات غير العمل والعائلة فقد خسر في انتقاله إلى دمشق كل الأنشطة الحيايتية التي كان يمارسها، وبهذا انعدمت الحياة وأصبحت سبل العيش القليلة والصعبة هي ما يميز حياته آملاً أن يجد فرجاً قريب له ولكل السوريين.