This post is also available in: English
بقلم “ياسمين المشعان”
ويطرق العام السابع أبوابه ما الذي حدث في هذه السنين العجاف وماذا يرى أهلنا فيها!
هل تغيرت مفاهيمهم؟ هل تعلمنا من أخطائنا؟ هل بقوا على يقينهم بأن الثورة حق لايموت وأن ماحدث حولهم هي تراكمات حكم أسدي دام لأكثر من خمسين عاماً؟
بدأت أولاً مع أحد الشباب الذين انطلقوا منذ البداية, وتم اعتقاله وهو بعمر السادسة عشر, اسماعيل الخلف كان من أوائل المتظاهرين الذين خرجوا ينادون للحرية.. كان والده معتقل سابق في سجن تدمر, حيث بقي هناك لأكثر من عشر سنوات وبعد خروجه تزوج وكان له اسماعيل.
حقد اسماعيل على نظام الأسد من خلال القصص التي يرويها والده عن المعتقل وعما عاناه هو ورفقائه, وكبر على ذلك ويقينه أنه سيأتي اليوم الذي ننهض ونقوم بثورة تخلّصنا من هذا الظلم, وكان له ذلك ورأى الحلم يتحقق حيث شارك في المظاهرات منذ البداية ورغم صغر سنه آنذاك. إلا أنّ إسماعيل قد اعتقل في مظاهرة الجمعة العظيمة والتي سقط فيها أول أصنام نظام الأسد في ساحة الحرية (حصان الباسل).
لقد طبع على صدره وقتها حرية و بقي فخوراً بالأيام العشرة التي قضاها في سجون الأسد ومورس عليه الضرب والرفس والجلد بل حتى أنهم أطفؤا السجائر على صدره في تلك الأيام.
أين اسماعيل الآن وماذا حل به؟
يقيم اسماعيل الآن في ألمانيا بعد أن خرج مرغماً من بلاده مثله مثل كثير من الشباب, في البداية ذهب إلى تركيا ووجد العصابات واللصوص الذين تاجروا بالثورة وباعوا بأرواح الناس واشتروا .جاع وعطش ونام في الشارع كل ذلك لم يغيّر من مفهوم الثورة لديه, خرج إلى ألمانيا هناك حيث وجد نفسه كما يقول وبدأ أولاً بجمع بعض الأصدقاء وتشكيل جمعية صغيرة تتكون من ألمان وسوريين, هدفهم أن يساعدوا اللاجئين. وبالفعل فقد نظموا أنفسهم وشاركوا بكل الإعتصامات والفعاليات التي تخص الوضع السوري. بدأ بلفت الأنظار تجاهه من قبل الألمان أنفسهم وبدأ بتعريفهم عن بلده وثورته ورغم النكبات التي تعرض لها بسبب مايحدث من خيانات وتنازلات يقول لي أن مفهومي للثورة ومطلب الحرية ثابت لايتغير رغم إدراكي بأن مايحدث الآن كارثي فأين الخطأ الذي ارتكبناه لنصل إلى هذه النتيجة!!
يتابع إسماعيل قوله: كلنا مصدومين مما يحدث إلا أنني قررت أن أتعلم واكتسب أكبر قدر ممكن من الخبرات, وأنا الآن أدرس المستوى الرابع من اللغة الألمانية المعروف بB1 حصلت على مقعد لي في المعهد العالي للتعليم والخبرات المعروف بالاوسبلدونغ وباختصاص شبكات, كما أنني عضو تأسيسي في منظمة ألمانية في مدينة دورتموند تهتم بشؤون اللاجئين حيث يكون دورنا بمساعدتهم في مجال الترجمة والتسجيل ومتابعة شؤونهم في الدوائر الحكومية وأبرزها “الجوب سنتر” وإلى ما هنالك من أمور, وكل اهتمامي ينصب على الشباب من عمري وتشجيعهم على الدراسة والعمل وليس الجلوس والنحيب, وهذا هو أقل شيء نقوم به وسيأتي اليوم الذي نعود فيه ونبني من جديد.
تابعت مع أحد الآباء المكلومين بفقدان ابنه لأعرف رأيه عن الثورة وماذا حدث ونحن الآن نطرق العام السابع.
ابو عمر رفض كل أشكال الحوار معي أو حتى البوح بغضبه. هذا الغضب الصامت والذي قد يتحول إلى بركان ثائر يهز أركان البشرية, قال لي: ماحدث قد حدث, واكتفى وبعبارة ديرية قديمة “كل گاع شربت ميها”.
لا ألوم أبو عمر الذي فقد ابنه وعمره سبعة عشر عاماً فقط وتهجر من بيته ليعيش في مخيم هو الأسوأ من بين المخيمات بعد أن كان عزيز النفس, بشوش الوجه, هام في زمن الصمت, واتخذ كرسياً بجوار خيمته بانتظار ساعة العودة.
أما أم سيف التي تنتظر شقيقها المعتقل تقول: لازلنا نعمل على الحلم الذي رسمناه سوية بقدر استطاعتنا نساعد الأمهات الثكالى ونصبّر النساء الأرامل ونرسم ابتسامة على وجوه الأطفال الذين فقدوا ملجأ آمناً يأويهم كما نمسح الحزن من عيونهم.
ثورتنا حق لايموت ولكن هي إرادة الله أن يتأخر النصر..
تتابع قولها:
نعم الفساد موجود والتبعية كذلك, ولكن علينا أن نبحث عن الشرفاء ونتحد معهم. ورغم شوقي لأخي ولكن أحياناً أسال نفسي حين يخرج ماذا سيقول عنا؟
وختمت حديثي معها بسؤال إحدى الخنساوات ماذا بعد يا أمي؟ ما قولك الآن؟
أجابت بكل ثقة وإيمان (حتى يميز الخبيث عن الطيب)!
يابنتي أنا كل ما أقوم وأقعد, أحمد الله وأشكره أنه اختار أولادي وشرفني بهم بالدنيا. وعسى يتقبلهم عنده من الشهداء ويكونون شفعاء لي بالآخرة. أما الثورة فهي حق واللي قام يصير من تكالبات وخيانات وسرقة ونهب والمؤامرات كلها لأنو ثورتنا ثورة حق. اللي استشهد الله يتقبله واللي راح بيته وتهجر من أرضه الله يعوضه. واللي سرق راح يتحاسب لاتخافين. كلشي بوقته طالما بي ناس صح, انا ما راح أتحسّر على شي ومثل ما أخذ ربي أولادي عوضني بأحفادي. ومو بس بأحفادي كل ما أمشي ووين ما اتجه ألقى حدا يسلم علي بحرارة ويقولي يمة أتمنى بس أنو الله يعجل بفرجه مشان نرجع لديارنا. ختمت باللهجة العامية.
هناك الكثيرين ممن بقي على نهج الثورة ولازال يؤمن بها رغم ما تعرضت له من متاعب وهم الآن يعطون أنفسهم الأمل ويدفعون باتجاه تحقيق الحلم ويرون أن ما يحدث هو لتنقية الثورة من الشوائب خلصوا إلى حل وحيد بعد هذه السنين العودة إلى البدايات وحدوا الصفوف اتخذوا بوصلة من دماء الشهداء
قال لي أحد هؤلاء لقد بدأنا بالاختلاف منذ البداية حول تاريخ البدء ومن خرج اولا وتشعبت الاختلافات وازدادت ونسينا أن لنا هدف واحد هو الحق والحرية وإسقاط النظام
واخيرا اننا محكومون بالأمل هو الذي مازال يبقينا صامدين ومعمل تغيرت مصالح الدول وتغيرت سياساتها داخل سوريا إلا أننا مازال الأمل شعلة تضيء الطريق إلى الحرية.