This post is also available in:
English
للمرة الأولى منذ ارتكابها، تُحيى اليوم ذكرى مجزرة الجورة والقصور في ديرالزور، بعد سقوط النظام الذي نفّذها. ثلاثة عشر عاماً مرّت، ولا يزال الألم يسكن القلوب، والدماء تصرخ في وجه الصمت، والعدالة الغائبة.
في مثل هذا اليوم من الثلاثاء الأسود، اجتاحت الفرقة الرابعة وعناصر الحرس الجمهوري، مدعومة بميليشيات أجنبية نطق أفرادها بلكنة فارسية، شوارع حيّي الجورة والقصور، فارتُكبت واحدة من أبشع المجازر ذات الطابع الطائفي في سوريا.
قاد الحملة كلٌّ من المجرمين عصام زهر الدين وعلي خزام، واللذَين اشتهرا بسفك الدماء والبطش، حتى لقيا حتفهما لاحقاً بطريقة تشبه جرائمهما.
تحوّلت البيوت إلى مقابر، وملأت الجثث الطرقات. عائلات بأكملها أُعدمت، أطفال ونساء وشيوخ، قُتلوا رمياً بالرصاص، أو ذُبحوا بالسكاكين، أو أُحرقوا بالنار. مشاهد لا تمحى من ذاكرة من نجا، وظلت شاهداً على وحشية لم يعرف لها تاريخ المدينة مثيلاً.
وبعد 13 سنة، لا تزال رائحة الموت تخنق أزقة ديرالزور، ولا تزال دموع الأمهات تحرق صدور الثكالى، فيما مئات المفقودين ما زالوا مجهولي المصير، وأصواتهم غائبة إلا من رجع صدى العدالة التي لم تتحقق بعد.
لكن اليوم، تُفتح جراح الماضي لتُعلن أن دماء الأبرياء لم تذهب هدراً، وأن إحياء ذكرى المجزرة بعد سقوط النظام ليس فقط طقساً من الحزن، بل هو وعدٌ بالمحاسبة، وتعهدٌ بأن لا تُدفن الحقيقة، ولا يُنسى الشهداء.
فأرواح الذين أُزهقت حياتهم ظلماً، لا تطلب الرحمة فقط، بل تطالب بالعدالة الكاملة، بمحاسبة كل من أمر وشارك ونفّذ. من مقابر الجورة والقصور، تصعد صرخات تطالب بمحاكمات عادلة، لا تقلّ قسوة عن الجريمة ذاتها.
اليوم، نُحيي الذكرى لا من موقع القهر وحده، بل من موقع الأمل، بأن لا تتكرر المجازر، وأن تبقى الذاكرة حيّة، حتى تُبنى سوريا على أنقاض الطغيان، دولة لا يقتل فيها الحاكم شعبه، ولا تُنتهك فيها الكرامة باسم السلطة.











