This post is also available in: English
في الفيزياء قانون يقول (لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه) , هذا القانون لا ينطبق على البشر لان البشر تحكمهم العاطفة , لذلك غالباً ما تكون ردة الفعل أكبر من الفعل ذاته بل ربما تفوقه بالقوة كثيراً.
مع دخول قوات (قسد) قوات سوريا الديموقراطية مدينة منبج نشرت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً قالت أنها رد فعل الأهالي على ممارسات داعش وأنها احتفال بخروجهم من المدينة , هذه الصور شهدت شداً وجذب وانقسم الشارع بين مؤيد ومعارض ومتهم ومخون لها.
لكن بقراءة موضوعية لما حدث نجد الموضوع ينقسم الى قسمين:
الأول: هو الفعل الذي نتج عنه رد الفعل وهو ممارسات داعش الاجرامية بحق السكان المحليين، محافظة دير الزور والتي مضى على سيطرة داعش عليها قرابة العامين شهدت الكثير من الممارسات أقلها ما شاهدنا رد فعله في منبج.
الثاني: من مضايقات وصلت حد القتل الجلد والتشهير مما ولد ضغائن بين الناس خاصة أن أكثر من قام بهذه الأفعال هم أبناء المحافظة ذاتها وهو أمر تقصده المسؤولون عنه لعدة أسباب ،تحميل أبناء تلك المناطق مسؤولية ما حدث , وربما تبرئة أنفسهم لاحقاُ , معتبرين أنها تصرفات فردية وقد حدث ذلك مراراً.
القسم الثالث: ضمان ولاء هؤلاء , لأنهم يعرفون أنه بمجرد خروج التنظيم من مناطقهم سيصبحون عرضة للمسائلة والانتقام , لذلك هم يدافعون عن بقائها بكل ما يملكون من قوة لأنهم يربطون مصيرهم ببقاء التنظيم.
استخدم التنظيم عناصر من مناطق مجاورة للسيطرة على مناطق أخرى , وذلك من أجل إثارة الضغائن والأحقاد، الخوف من ردة الفعل أنها ستكون مركبة , إذ أنها ليست ردة فعل على التنظيم فقط بل ستمتد الى عمليات ثأر وانتقام ربما ستطال البشر والحجر .
خاصة أن التركيبة العشائرية والاجتماعية التي يقوم عليها المجتمع في محافظة دير الزور , هي تركيبة عشائرية تعتمد على القرابة بالدرجة الأولى بعيداً عن أي انتماء , وأن مجرد عمليات انتقام غير مبررة أو عمليات ثأر غير قانونية ومدروسة ستجر لبحر من الدماء.
التنظيم يستند في بقائه على خوف هؤلاء وحذر الآخرين من نوعية القوات التي ستدخل المحافظة , وهو أمر آخر
فالحاضنة الشعبية في المحافظة لن تقبل بأي فصيل سيدخل المحافظة , إن لم يكن من أبناءها وذلك لاعتبارات عدة إثنية واجتماعية وأخلاقية , وهذا ربما يفسر التأخر في عمليات تحرير المحافظة من سيطرة التنظيم بسبب تشرذم أبناءها وتوزعهم في مناطق عدة تمتد من القلمون الشرقي الى حلب وإدلب .
القسم الآخر هو رد الفعل الفكري , الذي قد يكون أخطر بكثير من رد الفعل على الأرض , والذي يمكن احتوائه لكن ردة الفعل على ممارسات داعش القمعية باسم الدين هي الأخطر، فردة فعل الناس الذين وقع عليهم الفعل , وهؤلاء منهم من عُذب ومنهم من هُجر ومنهم من أُهين أمام أهله هؤلاء يملكون حقداً كبيراً ربما لا يطفئه إلا سيل الدماء , ومن الصعب السيطرة عليه بسهولة , ردة الفعل هذه قد تصل للفكر الديني الذي حوربوا به حين وصفوا بالكفرة والمرتدين وأوصاف أخرى كثيرة , ردة الفعل هذه تشابه نوعاً ردة الفعل الأوربية بعد الحروب الكنسية , ومن الواضح أن هذا أحد الاسباب الرئيسية لإطلاق يد التنظيم في مناطق كانت نوعاً ما متدينة وتشكل بيئة خصبة لظهور دولة ذات مظهر اسلامي حقيقي لا تطرف فيه ..
أما الأجيال التي نشأت خارج حدود المنطقة والتي تغيرت مفاهيمها , وتتغير بمرور الزمن هذا خطر آخر يجب تلافيه وهم أيضاً يملكون نزعة من الحقد والكره تأصلت في نفوسهم نتيجة الاغتراب والهجرة القسرية والاندماج المجتمعي الجديد , رد الفعل هذا قد يأتي متأخراً وليس مباشراً وربما في مرحلة لاحقة .
الحلول التي يجب طرحها قد تكون قاصرة في ظل الممارسات القمعية التي قام بها التنظيم وبذات الوقت في ظل الشعور الكبير بالإهانة والدونية التي عومل بها من خرج على يد التنظيم من مناطقه , لكن لابد من ايجاد ولو إطار بسيط للتخفيف من ردة الفعل التي قد تكون عنيفة خارج ميدان العمليات العسكرية والقتال والتي ستصبح بمرور الزمن مدانة حتى من الذين قاموا بها.
لذلك من الواجب العمل على معالجة ردود الافعال المتوقعة منذ الآن , من خلال أطر معينة تقوم بتخفيف الاحتقان المتراكم , وبذات الوقت تشكيل هيئات متابعة ومحاسبة فورية , تخفف من الحقد والشعور بالإهانة الذي تلقاها لبعض . كإنشاء محاكم تنظر في الامور والشكاوي المستعجلة وتطبق أحكامها بكل موضوعية ودقة , وكذلك العمل على إنشاء منظومات اجتماعية بعيدة عن المنظومة الاجتماعية القائمة على صلة القرابة , والتي قد تتسبب في انهيار مجتمعي كامل اذا ما حدث ما لا تحمد عقباه من عمليات ثأر وانتقام عشوائية , قد يقوم بها التنظيم نفسه لتحسين صورته كما فعل في مناطق عديدة من دير الزور , حين اشاع أن من قام بالاعتداء أو التخريب أو الكثير من الممارسات هم أبناء مناطق أخرى أو هم من أبناء المنطقة نفسها.