This post is also available in: English
#خاص
خطف الأطفال فكرياً وتوجيههم لينتقلوا جسدياً من حضن العائلة إلى حضن المعسكرات بات واضحاً جلياً في هذه الآونة في ديرالزور، إضافة لإرهاب الأطفال الآخرين وتعويدهم على مظاهر القتل ومشاهد الإعدامات مما يقتل طفولتهم وبراءتهم، إلى جانب تزويج الطفلات من عناصر داعش بشكل إجباري، كل ذلك سيل من فيض ما يمكن أن ينال الأطفال الرازحين تحت حكم “داعش”.
اعتقلوني بحثاً عن والدي
محمد ابن 14 ربيعاً والذي فرّ مع عائلته من دير الزور يروي كيف قام التنظيم باقتحام منزلهم واعتقاله في الأيام الأولى لسيطرتهم على ديرالزور فيقول :كان والدي خارج المنزل عندما بدأت سيارات التنظيم تدور مسرعة في شوارعنا والعناصر يطلقون النا في الهواء بشكل عشوائي، كنت أتلصص من النوافذ محاولاً معرفة ما يدور حول المنزل، ثم توقفت السيارات فجأت وانتشر جنود الدولة حول منزلنا وبدأوا يضرب الأبواب بأرجلهم حتى انفتحت، صرت كالمجنون من الخوف، فيما صاحت أمي واحتضنتني مع أخويَّ”.
ويضيف: “بدأ الجنود يصرخون (تكبير- تكبير)، ثم اقترب مني أحدهم وأمسك ذراعي وهزني قائلاً: أين والدك وبنادق زملائه مصوبة نحونا، فقلت لا أعلم، فأشار لأحد العناصر فسحبني من كتفي وأخرجني إلى السيارة ووضع كنزتي على وجهي وأدخلني في السيارة وجلس بقربي، ثمّ تحرّكوا، ولم أجدْ نفسي إلّا أمام مُقنع يجلس خلف طاولة وبدأ يسألني عن أبي وأقاربي، واستمر في طرح تلك الأسئلة لفترة طويلة ومن ثم ألقيت في غرفة فيها كثير من أبناء قريتي، وفي اليوم الثاني أخرجوني مغمض العينين وصعدت سيارتهم وبعد قليل من الوقت انزلني أحد العناصر وقال ارجع إلى بيتك”.
زوجنا ابنتك القاصر كي تتخلص من مضايقاتنا
في مدينة البوكمال التي شهدت أكثر من اقتحام في بداية سيطرة التنظيم وكان أحدها قد أسقط قرابة 40 شهيداً من أبناء المدينة المدنيين فيما سقط الكثير من القتلى في صفوف تنظيم الدولة ، بدأ التنظيم بالبحث عن الأشخاص الذين تصدوا له في ذلك اليوم بهدف الانتقام، حيث تعرض منزل أهل خديجة التي تبلغ من العمر 14 عاماً للاقتحام أكثر من مرة من قبل عناصر التنظيم، كان الهدف من هذه الاقتحامات هو الأخ الأكبر لخديجة إلّا أن التنظيم لم يدركه فقد ترك المنزل منذ أن بسط التنظيم سيطرته على المدينة تقول خديجة:أحاط عناصر التنظيم بالمنزل، ثم بدأوا بضرب اللأبواب والصراخ، انفحت الأبواب بسبب الضرب العنيف لها ودخلوا يحملون أسلحتهم بأيديهم، ثم جمعونا في غرفة كبيرة وبدأوا بالسؤال عن أخوتي، وبعض العناصر يفتشون المنزل وينثرون الملابس ويكسرون الأثاث، كان يوم مرعب”.
وتكمل حديثها: “لم يشفع بكاءنا المستمر لنا، كنّا نجلس والبنادق مصوبة باتجاهنا وكلمات السب على أخي وعلى الجيش الحر لتنتهي بالتكبير، لم يجدوا ما كانوا يبحثون عنه فخرجوا وقال أحدهم : (سنعود مرة أخرى) وذهبوا”.
يومان فقط كانت فاصلة بين الاقتحام والزيارة المهذبة لأحد عناصر التنظيم إلى منزل خديجة وقال: (إن لديكم ابنة في سن الزواج والأخوة الذين جاؤوا ليدافعوا عنكم يستحقون الزواج فهذا حقهم) تتحدث خديجة عن هذا الأمر فتقول:لم أتوقع أن أكون أنا تلك الفتاة التي بلغت سن الزواج، جاء هذا العنصر ليخطبني لأحد المهاجرين وهذا ما لم أستطع فهمه، فأنا معتادة على اللعب مع صديقاتي ولم أكن أعرف ماذا تعني كلمة زواج، ثم عاد عنصر التنظيم ليقول لأبي الذي بلغ من العمر 61 عاماً: (وافق على هذه الخطبة ياعماه لتتخلص من المداهمات المتكررة لمنزلك) ثم غادر المنزل وترك أهلي في حيرة كبيرة ، أمّا أنا فلم أفهم ما كان يدور حولي”.
مشاهدة الإعدامات أمر اعتيادي لهم
من جانب آخر، يروي سراج الذي يبلغ من العمر 11 عام كيف جمعهم عناصر التنظيم في ساحة المدينة ونفذوا حدّ السرقة بقطع يد بحق شاب يتهمه التنفيذ بسرقة أحد الدراجات النارية فيقول:جمعنا عناصر التنظيم في ساحة البلدة ووضع الأطفال في الصف الأول وبدأ يتحدث أحدهم عن قصة الشاب الذي سرق وتم إلقاء القبض عليه، وبدأ يتلو الآية تلو الأخرى ومن ثمّ أمسك أحد عناصر التنظيم وهو مقنع بيده ومدها على الطاولة وأمسك عنصران آخران بجسده، فيما أمسك من كان يسرد الآيات بسكين كبيرة وبدأ يضرب بها يد الشاب وعلت أصوات التكبير”.
ويتابع سراج :عندما قطعت السكين يد الشاب بدأ عنصر آخر بتضميدها، وبعد أن انتهوا من التكبير والتضميد حملوا الشاب إلى المشفى، هذا ما قاله أحد العناصر وهم يسيرون إلى السيارات (خذوه إلى المشفى) ورحلوا دون أن يلتفت أحد منهم وراءه”.
الحل هو الرحيل
أمّا شادي صاحب 13 ربيعاً والذي فقد والده أثناء اقتحام مدينة ديرالزور من قبل النظام فقد لجأ هو وأهله إلى تركيا بعد أن ضاق الحال بهم في مدينة ديرالزور، عندما أحكم التنظيم سيطرته على المدينة لم يعد باستطاعتهم حتى شراء الخبز، فلا دخل ولا عمل ولا معيل حيث يقول شادي عن ذلك:كانت المعونات التي توفرها المنظمات الإغاثية أكبر معيل لنا وكان المطبخ الذي يوزع الغذاء على من بقي في مدينة ديرالزور يسد حاجتنا، إلّا أن هروب اعتقال التنظيم لأغلب العاملين في المنظمات الإغاثية بدعوى أنهم يتعاملون مع الغرب وإغلاق المطعم الخيري جعلنا نعيش حالة أشبه بالموت”.
ثم يكمل: “خرجت مع أمي وأخواتي بوقت مبكّر من مدينة ديرالزور إلى الريف الشرقي، كان أحد أبناء القرية قد قدم لنا منزلاً نسكن فيه بشكل مجاني وبدأ أهل القرية بجلب الطعام بشكل يومي، وقامت محلات الألبسة بتوزيع بعض قطع اللباس على من نزح إلى القرية، إلّا أن هذا الأمر لم يدم طويلاً لأن افقر قد أصاب كل مدينة ديرالزور بعد القوانين التي وضعها التنظيم، ليكن هناك خيار غير الهجرة والتجاه إلى تركيا”.
من الواضح أن هدف داعش من إرغام الأطفال على مشاهدة عمليات القتل ذبحاً وعمليات الصلب تخلق حالة من عدم التوازن الفكري لهذا الجيل الأمر الذي ينتج جيلاً كاملاً يحمل فكر القتل وقد اعتاد على رؤية الدم والرؤوس المقطّعة، وهذه الفتاة لم تعد تدرك ما يدور حولها وإن تزوجت فإن جريمة قد ارتكبت بحقها، أمّا الحرمان الذي واجه الأغلبية من أطفال سوريا وكان أشده في المناطق التي سيطر عليها التنظيم فقد شكل حالة يأس تحتاج للكثير من العمل لإعادة تأهيل هذا الجيل الذي ربما يكون مستقبل سوريا.