نشر موقع درج بتاريخ السابع عشر من شهر يونيو 2019 مقابلة أجراها الصحفي حازم الأمين مع القيادي البارز في صفوف داعش صدام الجمل والذي اعتقلته المخابرات الأميركية والتركية وتم بعدها تسليمه للمخابرات العراقية مع مجموعة من قيادات داعش أثناء محاولتهم الهروب من سوريا باتجاه العراق في شهر أيار من عام 2018 .
بمجرد أن أفسح المجال للصحافة المقربة من الحكومة العراقية , بدأت العديد من تلك المقابلات للجمل تظهر وفيها اعترافات له يذكر فيها الحقبة التي مرّ بها منذ 2011 حتى لحظة اعتقاله , حيث وفي كل مقابلة يسرد كل التفاصيل المتعلقة بحياته الشخصية كشخص كيف عاش قبل الثورة السورية ” كمهرب للتبغ امتهن هذه المهنة من أبيه ” , وكيف التحق بصفوف الجيش الحر ومن ثم كيف عادته جبهة النصرة وقتلت إخوته الثلاثة , ليصبح لاحقاََ عدواََ لتنظيم داعش ومن ثم يسلّم نفسه للتنظيم ويصبح قيادياََ بارزاََ فيه حتى الرمق الأخير ليقع من بعدها في الإعتقال ويتم إلباسه تلك البدلة التي اختلفت ألوانها مرة باللون البرتقالي ومرة باللون الأصفر وليس معروف ما هو لون البدلة التي سوف يرتديها في اللقاءات اللاحقة إن ظهر مجدداََ.
الجمل وفي مقابلة يظهر عليه الارتياح الكلّي في سرده للتفاصيل وكأنه ليس آبهاََ بالمصير الذي سوف يلاقيه , فهو لا يزال يكذّب الروايات التي نسبت له بارتكابه العديد من المجازر وإشرافه عليها بما فيها مذبحة الشعيطات التي مارسها تنظيم داعش بحق عشيرة الشعيطات وقتل منهم أكثر من 800 شخص لأنهم وقفوا بوجه التنظيم و عارضوه .
في كل مقابلة مصورة لصدام يعيد ذات الرواية التي يهوّل فيها لنفسه أنه كان صاحب قرار مفصلي على مستوى المحافظة وأن العديد من الكتائب والألوية والجيوش كانت تأتمر بأمره بل وتنصاع له بمجرد أن تحرّك , ويفسّر ذلك لتوليته منصباََ هاماََ في قيادة هيئة أركان الجيش الحر , لكن الحقيقة التي لا يعرفها الكثيرون أن صدام الجمل وفي فترة تشكيل هيئة أركان الجيش الحر كان قدد هدد فصائل الجيش الحر بأنه إن لم يولّى منصباََ في المنطقة فسوف يقوم بثورة مضادة ولربما سوف يصبح هو ومن معه أعداءََ من الخلف لكل تشكيل يسهدف نظام الأسد في ديرالزور .
يستعطف دائماََ من يجهل حقيقته بموضوع مقتل إخوته وتفجير منزله ويظهر بأنه الحمل الوديع المستهدف دائماََ وعليه يقيّم نفسه بأنه كان شخصاََ مهماََ في المنطقة وإلا فماذا تظنون ؟
حال صدام الجمل هو حال العشرات بل المئات من قيادات تنظيم داعش من السوريين من المهربين واللصوص وقطّاع الطرق ممن احتواهم التنظيم في فترة تأسيسه واستقطابهم لكي يقوى عضده في المحافظة , وقد نجح آنذاك داعش بهذا التصوّر حينما رسمه وتمكن من جلب الجمل وعامر الرفدان وأبو سيف الشعيطي والعشرات الآخرين من السوريين لصفوفه وإغوائهم بالمناصب والقرار والتحرّك كما يشاؤون. كانت هذه النقطة نقطةََ فارقة بالنسبة للجمل حينما أعلن انقلابه على كل مسميات الجيش الحر وأدعى أن القصة مقرونة بإخوته واستهدافهم من جبهة النصرة آنذاك , وأنه سوف يعلن بيعته لداعش فقط لكي ينتقم من النصرة , بالرغم أن جبهة النصرة في ذلك الوقت قد غادرت محافظة ديرالزور بالكامل وتوزعت في محافظات سورية عدة منها إدلب ودلب ومناطق أخرى , فعن أي إنتقام كان يتحدث ولم يبق مقاتلو النصرة في ديرالزور إن كانت حقاََ هذه ذريعته ؟
الحقيقة التي تكشّفت للجميع في ديرالزور أنه كان يريد أن ينتقم من أبناء محافظة ديرالزور أجمع وليس من الفصائل , وإلا لم تقلّده داعش تلك المناصب العسكرية وحرية اتخاذه للقرارات في التحركات والاعتقالات والإعدامات كما يهوى وكما يشاء .
ما لا نستطيع نسيانه هو أن الجمل كان ضمن تشكيل لواء أحفاد الرسول الذي شكله الرائد المنشق ماهر النعيمي , وفي فترة قتال لواء أحفاد الرسول لتنظيم داعش في محافظة الرقة أواخر العام 2013 , كان الجمل يماطل كثيراََ في مناصرة زملائه من مقاتلي الجيش الحر من ذات الفصيل الذي يقوده ولكن في محافظة أخرى وهي الرقة , هذا كان مدعاة شك كبيرة لدى السوريين وخصوصاََ أبناء المنطقة حينما اكتشفوا أنه كان يحيك المؤامرات حتى على مقاتليه , ليتبيّن الخيط الأبيض من الأسود في وقتها ويعلن تسليمه للسلاح وليظهر في إصدار مصور بثّه تنظيم داعش حيث قام بتسليم نفسه أولاََ لزميله في اللصوصية المدعو عامر الرفدان – الذي لم يحصل ما كان يخطط له في فترة الجيش الحر والذي أيضاََ وجد ضالته في تنظيم داعش – , ومن بعدها يعلن توبته للتنظيم الذي عفى عنه لاحقاََ ووهبه ما كان يريد باعتبار أن الجيش الحر وجبهة النصرة في ديرالزور والرقة قاتلوا تنظيم داعش في تلك الفترة الزمنية , وبديهي جداََ أن يستقطبه داعش ويقلّده تلك المناصب ويزيد من حماسه في الإنتقام , الذي ظهرت نتائجه في مناطق عدة وحالات كثيرة أبرزها مذبحة الشعيطات التي يعتبر الجمل مسؤولا أساسياََ عنها كمخطط وفاعل.
مما لا شك فيه أن نسبة الكذب الذي يمارسه الجمل في كل مقابلة يزيد بكثير على بعض الحقائق التي يسردها , فهو غارق بحجم الجرائم التي ارتكبها سواء قبل التحاقه بالتنظيم أو حتى حينما التحق بالتنظيم , ولا يعرف صدام الجمل أحد أكثر من أبناء المنطقة وخصوصاََ ممن عرفوه في بداية الثورة وكيف يفكر , فالجمل يستغل هذه المقابلات المرئية لمحاولة تكاد تكون مستحيلة بأن يستعطف بعض المتابعين ممن لا يعرفون دفتره وتقلباته وكيف أضر بالدرجة الأولى أهالي مدينته البوكمال قبل أن يصبح مجرماََ ملاحقاََ متورطاََ بدماء أبناء ديرالزور بشكل عام . يسعى صدام من هذه المقابلات لتمرير تلك الرسائل التي لربما تمنحه حق الحياة التي سلبها هو وتنظيم داعش من آلاف السوريين الذين قتلوا على يد التنظيم وعناصره بدم بارد .
فما هو المصير العادل الذي سيواجه الجمل ومن معه ؟ وكم سيطول؟
عمر أبو ليلى
مدير شبكة ديرالزور24